الغالبية منا كانوا منافقين في وصف ما حدث في تونس , وبالذات رحيله عن البلاد النفاق كلمة خطيرة والدرك الأسفل من النار هي مثوى المنافقين كما بين الله تعالى في القرآن الكريم . لست مدافعا عن زين العابدين بن علي , ومع ذلك أتجرأ وأقول أن هاربا من المصير الذي كان ينتظره لو انه ظل في تونس بعد نجاح الثورة .
من منا كان يجرا على وصف بن علي بكل الأوصاف التي كلناها له بعد رحيله ؟ أو من منا يجرأ الآن أن يصف زعيما عربيا بأي وصف كالتي وصفناها لابن علي ؟ رغم إنهم لا يختلفون عنه في الممارسات والأفعال المؤذية للشعب في حياته البدنية والنفسية والقيمية .
كل الحكام العرب لاذوا بالصمت إزاء الثورة التونسية, وإزاء رحيل بن علي وخلعه من سدة الحكم, ولا ندري إن كانوا قد اتصلوا به سرا وهو في منفاه في السعودية. ولكنهم لم يؤيدوا الثورة أو الحكم الجديد رغم انه ما زال امتدادا لحكم بن علي .
الزعيم الذي أبدى موقفه هو العقيد معمر ألقذافي حيث كان صادقا مع نفسه, فمدح بن علي, ولام الجماهير التونسية لأنها لن تجد أحسن من بن علي ليحكمهم, وقد عدد منجزاته الاقتصادية على وجه الخصوص. وكأني به يعبر عما يعتلج في صدور أقرانه من الزعماء العرب .
أليس ما حدث في توصيف ما جرى يستحق الوقوف عنده ؟ لماذا لا يسمح للإعلاميين أن يؤشروا الوقائع بالاسم ؟ أم أنهم سيقمعون تحت طائلة القانون , الذي لا يسمح بتعكير صفو العلاقات بين الدول العربية , وتتعطل المصالح المشتركة بينها . ولا تسنح لهم مثل هذه الفرصة إلا عندما يسقط زعيم بفعل غزو أجنبي أو بفعل ثورة شعبية كما حصل في العراق وتونس.
في مثل هاتين التجربتين تكثر الاجتهادات وينتعش الخيال في سرد الحوادث وافتعال القصص المبالغ فيها ,كما قيل أن زوجة بن علي أخرجت طن ونصف الطن من الذهب من تونس إلى الخارج , ليس دفاعا عن هذه الزوجة بل توخي الموضوعية في سرد القصص بحيث يقبلها العقل .كيف تم إخراج هذه الكمية من المطار تحت أنظار الجميع ؟ ولم يتكلم احد عن هذه السرقة الكبيرة لأموال الشعب التونسي ؟
نعرف كلنا أن حواشي الزعماء هم في الغالب أسوأ من أسيادهم وأكثر جشعا منهم , فليس لهم من هم إلا السرقة والنهب , ومحاربة الشرفاء من أبناء الشعب , من ينافسوهم في التجارة والاستثمار , وما يقال عن حاشية بن علي يقال عن حواشي كل الزعماء الذين يتكلون على مثل هذه الشلل الانتهازية , التي سرعان ما تنقلب على السيد إذا ضمنت مصالحها مع العهد الجديد , وعليه فمن الحكمة أن لا تبقي الثورة كلاب الزعيم عندما يسقط , وهذه القاعدة تنسجم مع مطالب الثوار التو انسه الذين يطالبون برحيل أعوان بن علي وبالذات ممن كانوا في قمة السلطة , وتقديم المسيئين إلى العدالة لتأخذ مجراها , بالحكم على من تلطخت يداه بدماء الأبرياء من أبناء الشعب .
إن هذا المبدأ ينطبق على أعضاء حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الذي حكم أكثر من ربع قرن ,فلا يجوز تكرار التجربة العراقية , التي فرضت قانون اجتثاث البعث , لان هذا القانون حكمته عقد الطائفية وحب السلطة .
جميع الأحزاب التونسية تعرف تاريخ هذا الحزب , الذي أسسه عبد العزيز الثعالبي في آذار عام 1920 باسم ( الحزب الحر الدستوري ) ,ثم صار اسمه ( الحزب الدستوري الجديد ) بعد الانشقاق الذي قاده الحبيب بورقيبة , وصار الحزب من ابرز الأحزاب التي خاضت معركة الاستقلال والتحرير عام 1956 , ومنذ ذاك الوقت هيمن الحزب البورقيبي على الحياة السياسية في تونس وأعلن النظام الجمهوري عام 1957 , ثم غير بورقيبة اسم الحزب عام 1964 فأصبح ( الحزب الاشتراكي الدستوري ) . ظل الحزب يحتفظ باسمه حتى عام 1987 عندما قاد بن علي انقلابه الأبيض على بورقيبة فغير اسم الحزب ليصبح ( التجمع الدستوري الديمقراطي ) وصار عدد المنتسبين إليه بالملايين . المهم أن هذا الحزب ارتبط تاريخه بتاريخ تونس واربط بأسماء تاريخية بارزة في النضال من اجل التحرر والاستقلال , وعليه لا يجوز إلغاء هذا الحزب لمجرد أن بعض قادته أساؤا أثناء فترة الحكم , واعتقد أن مناضلي الأحزاب الأخرى تربطهم علاقات نضالية مع قياديين في التجمع الدستوري .ولنا في تجربة جنوب إفريقيا نموذجا يمكن إن يحتذي , فعندما انتصر السود وتسلم نيلسون مانديلا الحكم لم يجتث أحزاب البيض , بل قدم المسيئين للعدالة لينالوا جزاء ما ارتكبوه خلال فترة حكمهم .
نقول هذا الكلام وبعض قيادي الأحزاب يرفضون اقتراحات الآخرين سواء كانت من الداخل أو من الخارج , لان شأن تونس يهم كل أبناء العروبة , ولان ثورة أبناء تونس صارت مثالا استنهض الجماهير العربية , وأخذت تتحرك مطالبة بحقوقها التي أقرتها شرائع السماء وقوانين الأرض .
الثورة التونسية لم تكتمل بعد , لقد أنجزت الفصل الأول بنجاح , وأجبرت بن علي على الهرب خارج البلاد , أما الفصل الثاني فهو تشكيل حكومة وحدة وطنية تسير الأعمال لحين إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ,تفرز قيادة تسير بالبلاد نحو الأمان والرفاهية والاستقرار والعدالة . وحتى يتم انجاز الفصل الثاني لابد من الحذر من المخربين المدسوسين من قبل اليهود الصهاينة , ولا سميا انه يوجد في تونس 3000 يهودي منهم 1500 في ولاية جربا و 300 في تونس العاصمة و 1200 في باقي المناطق . وأثناء تحقيق الفصل الثاني لابد من الأخذ بعين الاعتبار المهمشين في المناطق الداخلية الذين كانوا وقود الثورة , ومنحهم حقهم في المواقع الحكومية
وتأمين الخدمات لهم في مناطقهم التي كانت منسية في عهد بن علي.
كتب في 26 / 1 / 2011
التعليقات (0)