ثورة تعود لأصحابها...التأريخ و الحقائق
قراءة في الثورة الايرانية
(6 ـ 6)
نزار جاف
التيار الديني المتشدد، وبعد أن صفى له الجو نسبيا حيث ساعدته الکثير من الظروف الذاتية و الموضوعية التي سلطنا الاضواء على معظمها خلال الاجزاء السابقة من قرائتنا هذه للثورة الايرانية، صرف جل همه لمواجهة و إزاحة منظمة مجاهدي خلق"الجماهيرية"و زعيمها مسعود رجوي، المتمتع بقاعدة شعبية"عريضة" خصوصا وان ماضيه المشرف في التصدي للنظام الملکي الاستبدادي قد منحه هالة من البطولة و الاقدام في أعين الشارع الايراني عموما و الجيل الجديد منه على وجه الخصوص. لکن السؤال الکبير الذي طرح و يطرح نفسه بقوة هو؛ لماذا إنساق التيار الديني المتشدد في صراعه مع هذه المنظمة واوصل الامور بينهما الى مفترق اللاعودة، ماذا کان الهدف الاساسي الذي يختبأ خلف هذا السعي المحموم للتيار الديني، ولماذا لم يبادر بشکل او بآخر لإحتواء او الالتقاء معها او على الاقل التمحور حول قواسم مشترکة عظمى بين الجانبين أملا في تطويرها و توسيعها مستقبلا بما يخدم الاهداف و المصالح الاساسية للشعب الايراني؟ هذه الاسئلة و اسئلة أخرى کثيرة، تقودنا للتساؤل و البحث في الاساس الفکري و النظري الذي بني عليه هذين التيارين المهمين في المشهد الايراني المعاصر.
(ان الحد الفاصل بين الحق و الباطل في مفهومنا الاسلامي، لايمر بين من يؤمن بالله الواحد و بين من لايؤمن به، بل يمر بين المستغل"بکسر الغين" و المستغل"بفتح الغين")، هذا القول الملفت للنظر و ذو المغزى العميق و غير العادي، أطلقه(محمد حنيف نجاد)مؤسس منظمة مجاهدي خلق، قد صار بمثابة مبدئا اساسيا و بالغ الاهمية لکافة أعضاء المنظمة، ومنحها الى جانب أفکار و مبادئ و رؤى و مفاهيم أخرى تسير بنفس السياق، عمقا فکريا خاصا تجعلها تتميز عن غيرها من الدعوات و الافکار الاسلامية. ان الذي ميز و يميز منظمة مجاهدي خلق منذ تأسيسها في عقد الستينيات من الالفية السابقة عن غيرها من الاتجاهات السياسية و الفکرية التي تتمسك بصورة أو بأخرى بالمباني و الافکار الاسلامية، هو أنها قد طرحت رؤية جديدة و معاييرة غير عادية للفکر الاسلامي من حيث جعله ملبيا و متجاوبا مع مفردات الحياة اليومية للفرد و المجتمع و من الممکن جدا إعتبار المعايير التي إلتزمتها المنظمة في تعاملها مع الفکر الاسلامي مشابهة او محاکية لطريقة التفسير الموضوعي للقرآن الکريم، إذ أن المفسر يعمد الى إستنطاق القرآن بحثا عن أجوبة وافية و شافية لحالات إجتماعية او فکرية او سياسية محددة، وهو اسلوب يغاير تماما التفسير التجزيئي للقرآن إذ يعمد المفسر الى تفسير القرآن آية بعد آية بطريقة متسلسلة، ولعل هذا التعامل الحاذق و الذکي غير المسبوق مع الفکر الاسلامي، و ذلك الايمان العميق لأفراد المنظمة بالمبادئ التي يحملونها و يناضلون من أجلها، إضافة الى تلك الملاحم الحرکية و النضالية التي جسدوها عبر مقارعتهم الاستثنائية لنظام الشاه، دفعت بالشارع الايراني لکي يلتفت الى أفکار و مبادئ هذه المنظمة و يسعى لفهمها و إستيعابها عن کثب، وکما کانت أفکار الدکتور علي شريعتي"أيام الشاه" تسري بين اوساط الشباب الايراني کما يسري النار في الهشيم، فإن أفکار و اخبار المنظمة کانت أيضا تدخل کل بيت إيراني کالهواء تماما.
ويقينا، ان الخميني وبعد ان وجد نفسه على حين غرة"إمبراطورا غير متوجا"للثورة، وجد أن أقوى منافسيه و خصومه الذين من الممکن أن يشکلوا خطرا محتملا عليه، يتجسد في منظمة مجاهدي خلق و في الافکار و المبادئ التي يدعو إليها، وهي أفکار لم يکن من الممکن أبدا إيجاد أرضية ما لکي تتطابق مع طروحاته بخصوص نظرية ولاية الفقيه التي حدد الخميني أبرز خطوطها و تفاصيلها من خلال کتابه"الحکومة الاسلامية". کما ان ذلك الحماس و الاندفاع و الثقة بالنفس غير العادية التي کان مسعود رجوي يظهر بها وهو يطل على أنصاره و مؤازريه، وذلك التجاوب الغريب و الاستثنائي الذي کان يبديه الايرانيون بطروحاته و أفکاره، شکلت هي الاخرى عقدة و عقبة کأداء للتيار الراديکالي المتشدد بحيث أنها أيقنت تماما بأنه من دون تجاوز المنظمة و زعيمها ليس بإمکانهم أبدا إقامة"نظامهم السياسي"الذي يحلمون به.
لکن السؤال المهم، هل أن المنظمة و زعيمها لم يکونا على دراية بما يضمره لهم التيار الديني المتعنت من شر و مکائد، ان العودة الى أدبيات و التراث الثقافي للمنظمة و زعيمها، يوضحان لنا بأن المنظمة کانت تدرك ذلك بجلاء، لکنها کانت تسعى وبکل مااوتيت من جهد و إمکانية و صبر لکي تؤجل المواجهة مع هذا التيار الديني المتزمت أملا منها في دفع الشعب الايراني الى الزاوية التي يرون من خلالها هذا التيار و قائده الخميني على حقيقتهم من دون أية رتوش، وقطعا ان المهمة کانت صعبة جدا وتکاد تصل الى مايمکن تشبيهه بغير الممکن أو المستحيل، لکن منظمة مجاهدي خلق تقبلت الخيار الصعب و تحملت عناء المواجهة الثقيلة مع نظام ملك طوع يمينه السلطتين السياسية و الدينية و جيرهما بصورة و اسلوب موجه اساسا للحفاظ على مرتکزاته و دعائمه الاستبدادية التي سير من خلالها الشعب الايراني. والملاحظ ان الصراع بين أبرز تيارين في الثورة الايرانية قد کان ومنذ البداية محتدما و عارما حتى في اللحظات الصامتة، إذ کانت دوما أشبه بالهدوء الذي کان يسبق العاصفة، وسعى کل تيار الى طرح مفاهيمه و اسسه الفکرية ـ السياسية التي يستند عليها، لکن کان هنالك ثمة أمور و حقائق ليس من السهولة تجاوزها او غض الطرف عنها ومنها:
1ـ الافکار و الطروحات التي کانت منظمة مجاهدي خلق تدعو إليها، کانت سلسة و إنسيابية بحيث کان بإمکان مختلف الشرائح و الطبقات الاجتماعية"على إختلاف مشاربها و مستوياتها الاجتماعية و الثقافية"، تقبلها و إستيعابها، ومن هنا فقد کان هناك حضور سياسي ـ فکري للمنظمة في عمق الشارع الايراني، لکن هذا الحضور إصطدم بقوة بتيار عارم و جارف آخر إستطاع بصورة او بأخرى من خلط الاوراق و إضفاء حالة من الضبابية على الامور وبهذا فإن قطاعات عريضة من الشعب الايراني التي کانت متأثرة بأفکار مجاهدي خلق قد إنخدعت بمزاعم و إدعائات النظام و ومنحتها ثقتها.
2ـ الخميني کان محاطا بهالة کبيرة حظاه القدر بها لوقوفه على رأس الثورة التي أطاحت بالنظام الملکي، ومن هنا فقد کان من السهل على الجماهير الانقياد و الانجراف مع خطبه التي يلقيها او رسائله المختلفة التي يبعث بها والتي کانت في خطها العام ولاسيما خلال العامين الاولين من بعد سقوط الشاه، موجهة بشکل او بآخر ضد المنظمة و زعيمها، من جانب ومن الجانب الآخر کانت تؤسس لإنشاء نظام ولاية الفقيه المبني على اساس تفويض کافة الامور(الدينية و الدنيوية)في نهاية المطاف الى الخميني او من يخلفه في هذا المنصب.
3ـ طفقت منظمة مجاهدي خلق و بصورة ملفتة للنظر على التأکيد على مسألة الحرية و تمسکها به کمعيار أساسي في بنائها الفکري و العقائدي، وحينما سقط نظام الشاه، لم تعتري المنظمة حالة من النشوة بالانتصار بحيث تنسيها مسألة الحرية بل وانها وبعد أن لاحظت عزم الخميني و دائرة رجال الدين المحيطة به الى إقامة نظام ولاية الفقيه، بدأت تتوجس ريبة من هذا الامر ولأجل ذلك فإنها لم تؤيد او تدعم الدستور الايراني بعد الثورة والذي کان مبنيا اساسا على نظرية ولاية الفقيه، وسعت بکل جهد و طاقة لديها من أجل الحيلولة دون إقامة هکذا نظام يمهد لدکتاتورية الشاه ذاتها ولکن بشکل مختلف.
الخير فيما وقع، عبارة مشهورة أطلقها الخميني بعد إندلاع الحرب العراقية ـ الايرانية، وتکاد ان تکون أشبه بترحيب بذلك الخطأ القاتل الذي وقع فيه الرئيس العراقي الاسبق صدام حسين، هذه العبارة تدل على أن النظام الديني کان يحبذ کثيرا حسم خلافاته و الامور العالقة بينه وبين أطراف مناوئة له وفق مبدأ القوة و العنف، وحقيقة أن الخميني إذ أنتظر نظام حکم الرئيس صدام حسين ليشن الحرب عليه بفارغ الصبر، لم يکن بوسعه أن يبدي نفس القدر من الانتظار بالنسبة لمنظمة مجاهدي خلق، وانما بدأ بتنفيذ حملته الشعواء وغير المسبوقة ضدها مستخدما کافة الاساليب المتاحة بمنتهى القسوة و العنف وبين ليلة و ضحاها إنقلبت منظمة مجاهدي خلق ذات الماضي العريق و النبيل في مقارعة الشاه و جلاوزته الى(منظمة للمنافقين)، وصار زعيمها بمثابة رئيس عصابة إجرامية تحترف القتل و الدمار و الارهاب!! وبدأ الاعلام الحکومي التابع للنظام الديني ينقل تقارير و اخبارا عن عمليات تفجيرية داخل الاسواق و الاماکن العامة في طهران و غيرها من المدن الايرانية على زعم إنها من صنع منظمة مجاهدي خلق، بل وان الحکومة الايرانية قد بدأت بتوسيع حملتها و حربها الموسعة ضد المنظمة بنقلها الى خارج إيران من خلال تأليب الدول الغربية بشکل خاص و دول العالم بشکل عام ضد هذه المنظمة، و قد جند النظام الايراني إمکانيات سياسية و مادية و إعلامية کبيرة من أجل وأد منظمة مجاهدي خلق و مسحها من الوجود، ويقينا ان البترودولار الايراني کان له أبلغ الاثر في ان تبادر العديد من الدول الاوربية الى إتخاذ مواقف سلبية من منظمة مجاهدي خلق، مواقف لم تتوافق ولم تنسجم أساسا مع معاييرها و قيمها و قوانينها التي تتعامل بها، لکن يجب أيضا الاشارة و التوقف عند نقطة غاية في الاهمية تتعلق بمسألة تهميش مجاهدي خلق من قبل الدول الغربية بشکل عام و الولايات المتحدة الامريکية بشکل خاص، وهي کانت أساسا خطة او تدبير سياسي من أجل مقايضة إقصاء المنظمة بمکاسب سياسية للغرب من جانب النظام، وهو امر يبدو ان الغرب و الولايات المتحدة الامريکية قد أخفقت إخفاقا ذريعا بشأنه بحيث تأکد لديها من أن النظام الراديکالي کان هو الرابح الاکبر من تلك اللعبة الفاشلة و البعيدة عن القيم و المعايير الانسانية و المبدأية.
لقد سعى النظام الديني المتزمت بقوة من أجل القضاء على المنظمة و قادتها، وهذا السعي لو دققنا فيه بتأمل و روية و تأن، لوجدنا ان هذا النظام الذي هو وارث للتيار الديني الذي أسسه الخميني، بقي و لازال يعاني من الزخم السياسي و الفکري الذي يشکله بقاء منظمة مجاهدي خلق عليها ذلك أن بقائها يعني بقاء تلك المعايير و القيم و المرتکزات التي طرحتها المنظمة بوجه نظرية ولاية الفقيه منذ عام 1979، والاخطر من ذلك، ان تلك المعايير و القيم و المرتکزات التي طرحتها المنظمة و زعيمها مسعود رجوي، قد صارت الاساس المبدئي الذي إندلعت انتفاضة الشعب الايراني عقب إنتخابات الرئاسة الاخيرة المثيرة للشکوك و ماأعقبتها من تظاهرات عاشوراء العارمة إبان ذکرى الثورة الايرانية للعام الحالي(2010)، والذي يؤکد صدق و واقعية مانذهب إليه، أن الجماهير المنتفضة لم تعد تکتفي او تتقبل مجرد إصلاحات او رتوشات تمويهية على بنية و شکل النظام، وانما باتت تطالب بالتغيير واي تغيير، تغيير جذري يتصدى لأصل و اساس النظام أي الولي الفقيه ذاته، وهنا يعيد التأريخ نفسه بقوة مرة أخرى ويثبت مشروعية تلك المخاوف التي کان مسعود رجوي قد أعلنها منذ بداية نجاح الثورة من خطورة تأسيس نظام سياسي يمهد لدکتاتورية دينية لاتختلف في جوهرها بشئ عن دکتاتورية الشاه، وکما أشرنا و ألمعنا في بداية بحثنا هذا الى مقولات و احاديث لرجوي يؤکد فيها على أن إقرار نظام ولاية الفقيه سيقود في النهاية الى قيام نظام إستبدادي قمعي يصطدم مع الشعب و يصادر حرياته، وهاهي الايام و التأريخ و الوقائع تثبت مصداقية أقوال رجوي و حقانيتها. لکن الامر المميز الذي يجب أن نشير إليه و نتوقف عنده للتمعن فيه، هو أن النظام الديني الحالي وهو يعيش أزمته السياسية الخانقة في مواجهه مع الشعب الايراني، لم يکن لديه"سعة الصدر"و"التحمل"و"الروية"التي أبداها نظام الشاه أيام الثورة مع الشعب المنتفض، إذ أن النظام الحالي ينظر لنفسه على أنه(قلعة الله)و(الحصن الحصين للقيم الدينية)، ويعتبر الشعب المنتفض في نفس الوقت أنهم(منافقين)و(مارقين)و(عملاء للإستکبار) وغيرها من ألفاظ و تعابير تبرر سطوتهم و إستبدادهم و تمنح المشروعية"الکاذبة"لضرب و سحق الشعب المنتفض و الرافض لسلطتهم و التشکيك في اساسها الشرعي و القانوني.
إدعاء النظام الديني المتزمت في إيران بأنه يمتلك خلفية و بعدا ديمقراطيا، تتلاشى و تذوب مصداقيته أمام النفوذ المتصاعد يوما بعد آخر و سنة بعد أخرى للحرس الثوري الايراني(اليد الضاربة و الدعامة الاساسية التي يقوم عليها نظام ولاية الفقيه)، وقد شهدت احتفالات الذکرى 31 للثورة الايرانية في هذا العام، مظاهر إستثنائية لتسلط الحرس الثوري"المتنامي بصورة مضطردة و استثنائية" و إمساکه بزمام المبادرة الامنية في مختلف أرجاء إيران، بل وان قادة الحرس قد أعلنوا وبصراحة متناهية ان مسألة الامن و حفظ النظام و التصدي للمتظاهرين و المنتفضين هو شأن يخص الحرس الثوري و يعتبره واجبا مقدسا، وهنا من المفيد جدا التوقف عند بعض تصريحات قادة بارزين من الحرس الثوري بالسياق الذي أشرنا إليه؛ حيث يقول العميد عبدالله عراقي قائد فيلق محمد رسول الله التابع للحرس الثوري ان(هذه المنظمة"أي الحرس الثوري"تولت بعهدتها مسؤولية حفظ الامن بعد الانتخابات) رغم ان حقيقة الامر يعود الى تأريخ أبعد من ذلك، حيث ان الحرس الثوري قد تولى الملف الامني في إيران منذ بدء المواجهة مع منظمة مجاهدي خلق على وجه التحديد وان إطلاق هکذا مزاعم انما هو من أجل مآرب و اهداف متباينة أخرى، وفي سياق آخر متصل نجد قادة بارزين آخرين من الحرس الثوري نظير يدالله جواني رئيس الدائرة السياسية للحرس الثوري يطالب في مقال له بإعتقال و محاکمة کل من کروبي و موسوي، ناهيك عن دعوات صريحة و علنية أخرى للتصدي"الحازم"للمنتفضين و الالتفاف حول الولي الفقيه و إقصاء کل من يسعى للنيل منه، لکن هناك محلوظة مهمة يجب إيرادها ونحن نطرح دور الحرس الثوري في هيکلية نظام ولاية الفقيه، إذ أن هکذا تصريحات قوية و حازمة و حدية ليس بإمکان أي طرف إيراني طرحها خارج منظومة رجال الدين سوى قادة الحرس الثوري، وقوة الحرس الثوري لاتتوقف عند حافة کونه دعامة عسکرية ـ أمنية للنظام وانما يمتلك مرتکزا إقتصاديا قويا يمنحه نوعا من الاستقلالية في النفوذ و التسلط و القيام بأمور ليست تجرؤ على التصدي و القيام بها حتى الحکومة الايرانية ذاتها، وان المشاريع الاقتصادية الکبيرة التي ينفذها الحرس الثوري تدل بوضوح على ان دوره يتجاوز الخطوط البيانية الاعتيادية لأي منظمومة عسکرية أخرى تقابله في بلدان المنطقة و العالم سيما تلك التي تتميز بأنظمتها الشمولية، فلهم دورهم البارز في مشاريع البناء و التطوير(مد الطرق، بناء السدود، إستخراج المعادن، الارواء و مد الانابيب)وکذلك في مجال النفط و الغاز(في صيف عام 2009، فاز الحرس الثوري بمشروع مد أنبوب النفط الى الهند بطول 600 کيلومتر بکلفة 2/2 مليار دولار)، وفي نفس السنة صارت نصف أسهم شرکة إتصالات إيران من نصيب جهات إقتصادية تابعة للحرس الثوري وقدرت قيمتها بثمانية مليارات دولار!! ان هذا النفوذ المتزايد و المتصاعد للحرس الثوري في بنية و اساس نظام ولاية الفقيه هي التي دفعت الکثير من المراقبين و الاوساط السياسية الى التکهن بإحتمال حدوث إنقلاب عسکري في إيران في حال تفاقم الامور فيها من جراء الانتفاضة الشعبية ضد النظام، والحق ان دور و نفوذ الحرس الثوري بحد ذاته إثبات و دليل قاطع على عدم مصداقية ادعائات النظام الديني بخصوص برامجه الديمقراطية سيما في مجال الانتخابات و تتزايد الشکوك الدولية يوما بعد آخر بصدد الدور الذي يلعبه الحرس الثوري ليس في داخل إيران لوحدها وانما حتى خارج إيران.
ان المشهد الايراني عام 1979 و المشهد الايراني خلال هذا العام(2010)، يکاد يکون هو نفسه من حيث المضمون مع إختلاف في الشکل، إذ بدلا من السافاك(الجهاز الامني لنظام الشاه)، هناك وزارة الاطلاعات، وبدلا من(الخالدين) وهي القوات الخاصة بحماية الشاه، هناك الحرس الثوري و قوات التعبئة، وبدلا من الشاه هناك الولي الفقيه، لکن الفرق الاکبر کما يشير رجوي في خطاب مهم له بمناسبة الثورة لهذه السنة يتجلى في أن المعارضة الايرانية وقتها کانت ترفض النظام من أساسه و لاتقبل إجراء أية مفاوضات او مساومات معه، فيما أن المعارضة المتمثلة بحسين موسوي اليوم ليست تمتلك الجرأة لترفض أصل النظام أي الولي الفقيه وکما يقول رجوي کان الاجدر بموسوي أن يطالب بذهاب الولي الفقيه، ومن هنا فإن تلك المعارضة التي يقودها حسين موسوي، هي غير مکتملة و ليست لديها مواقف حدية و حاسمة من أصل المشکلة وهو نظام الولي الفقيه ذاته کما ان هناك أيضا ملاحظتين مهمتين يجب الانتباه لهما بهذا السياق وهما:
1ـ ان حسين موسوي و مهدي کروبي و اللذان يشکلان أهم قطبي التيار المعارض داخل النظام الراديکالي، يکادا في أغلب الاحيان أن يکونا تابعين او منقادين لإرادة الشارع الايراني وليس قائدين له وهو أمر له دلالاته و معانيه الخاصة و العميقة.
2ـ طوال فترة الانتفاضة الحالية التي واجهت النظام الديني، وجهت أصابع الاتهام لمنظمة مجاهدي خلق کمحرض و محرك و موجه لتلك الانتفاضة بل وان النظام أعلن لأکثر من مرة عن إعتقال عناصر من المنظمة ساهمت في تلك الانتفاضة، ناهيك عن تأکيد مسؤولين من النظام نفسه بأن الشعارات المرددة من قبل الجماهير تعود لمنظمة مجاهدي خلق.
وهنا تجب الاشارة الى أن الجماهير قد کانت تردد شعارات من قبيل(الموت للدکتاتور) و(الحرية المثالية لاتتلائم وهذا النظام) و(أيها البسيجي"أفراد التعبئة التابعة للحرس الثوري" الملعون، أنت عدو الشعب)، إضافة الى شعارات أخرى بنفس السياق وتؤکد معظمها في خطها العام على رفض النظام من أساسه وليس السعي لإصلاحه او إجراء ثمة تعديلات فرعية عليه ومن هنا فإن حيزا او بونا ملفتا للنظر يمکن ملاحظته بين ماتريده و تهدف إليه الجماهير و بين مايريده کل من موسوي و کروبي أو بکلمة أخرى أن کلا الرجلين يمکن إعتبارهما معارضة لکن من دون الاخلال او التعرض لأصل النظام أي نظام ولاية الفقيه وهذا يعني فيما يعني إذا أردنا تفسيره و تحليله بالشکل الدقيق ان حقيقة الاوضاع السياسية في إيران اليوم أشبه ماتکون بالاوضاع في نهاية عام 1978 و بداية عام 1979، أو بتعبير أدق و أفصح بيانا، أن الثورة الايرانية قد عادت الى مربعها الاول، الى المربع الذي لم يتم فيه حسم موضوع الدکتاتورية و الاستبداد، ذلك أن الشعب الذي هب لإسقاط دکتاتورية الشاه لم يضحي بأبنائه و فلذات أکباده من أجل إقامة نظام دکتاتوري ديني آخر بنفس المضمون مع إختلاف في الشکل، ولذلك فإن الذي يحصل اليوم في طهران و بقية المدن الايرانية هو إرجاع الامور الى نصابها الحقيقي أي إقصاء الدکتاتورية و تحرر الشعب الايراني من الاستبداد بکل أشکاله و صنوفه.
إيران عندما إنتفضت بوجه النظام الملکي و ازاحت الشاه و جبروته، لم يکن عدد نفوسه يتجاوز 30 مليونا کان نصفهم من الاميين، أما اليوم فأن عدد نفوس الشعب الايراني تصل الى 70 مليون 15% منهم فقط أميين، کما أن 50% من السبعين مليون نسمة هم تحت سن 25 عاما ونسب عالية منهم يعانون من البطالة بأشکال مختلفة بالاضافة الى مشاکل إجتماعية و سياسية و اقتصادية و فکرية أخرى مع النظام، وهذه الملاحظات لها أهميتها و قوتها و تأثيرها على معنى و جوهر الانتفاضة الحالية في إيران، وهي ان جذور و أهداف و مبادئ الثورة الايرانية في 11 شباط 1979، مازالت حية تنبض بين أعماق کل إيراني والاهم و الاکثر لفتا للإنتباه من ذلك ان وقود و داينمو الانتفاضة الحالية تتشکل و تتألف من الشباب اي من جيل ولد بعد الثورة وهو امر له مغزاه الخاص ويشکل رسالة قوية جدا للنظام بقوة و بأس مناوئيه الذين تتدفق بين شرايينهم دماء حارة جدا بحرارة طموحهم و تطلعهم للتغيير، کما أن إنخفاض نسبة الامية بين الشعب الايراني حاليا قياسا الى عام 1979، و إرتفاع نسبة الخريجين و حملة الشهادات الجامعية و الاکاديمية بين صفوفه، تؤکد وبشکل قاطع انه ليس بإمکان النظام أبدا خداع هذا الشعب و التمويه عليه بألاعيب و أحابيل جديدة وان الشعب الايراني في إنتفاضته الحالية التي هي اساسا حرکة تأريخية بإتجاه إرجاع الثورة الى مسارها الصحيح و الى أصحابها الحقيقيين الذين صنعوها و ضحوا من أجلها وان القدر الديمقراطي التحرري هو الذي تحلم به و تتمناه کافة شرائح الشعب الايراني.
إيران اليوم تسير بخطى حثيثة نحو التغيير، تغيير کان يجب أن يحدث بعد سقوط الشاه في عام 1979، لکن ثمة ظروف خاصة وطارئة حالت دون ذلك لفترات محددة، بيد ان إنتفاء و تلاشي هذه الظروف قد دفعت بالاوضاع لکي تتحرك من جديد ولئن کان النظام الراديکالي يمسك اليوم الامور بقبضة حديدية و يلجأ لأقسى الخيارات من أجل ضمان بقائه فإن العديد من الدلائل و المؤشرات المتباينة تکاد تجزم بأن کاهل النظام الديني بات اوهن بکثير من أن يتحمل کل هذا الثقل الکبير"الداخلي بشکل خاص و الخارجي بشکل عام" الملقى عليه، إلا ان هذه القبضة لاتتمکن أن تبقى هي الموجهة لمستقبل و مصير الشعب الايراني وان الايام القادمة لحبلى بمفاجئات ستعلم هذا النظام وکل نظام إستبدادي معنى إرادة و خيار الشعوب ان ارادت الحرية و الخلاص ويقينا فإن الإنتفاضة و المواجهات ستبقى وانها وان خمدت اليوم فکأنها الجمر التي تحت الرماد والتي سرعان ما تستعر من جديد لتحرق"أخضر النظام و يابسه" عندما تحين الظروف الذاتية و الموضوعية المناسبة والتي هي قطعا ليست ببعيدة.
التعليقات (0)