ثورة تعود لأصحابها...التأريخ و الحقائق
قراءة في الثورة الايرانية
(2 ـ 6)
نزار جاف
بعد عودة الخميني بفترة وجيزة، يوم کان نظام الشاه مازال باقيا، بعث الخميني بإبنه أحمد(الذي کان يتودد الى حد ما للمجاهدين)، لکي يلتقي بمسعود رجوي، وأمضى احمد معظم تلك الليلة في حديث مطول مع رجوي وکان محور ذلك اللقاء الخاص والتأريخي، طلب احمد من رجوي ان يقبل بقيادة والده الخميني، وقد تجنب زعيم منظمة مجاهدي خلق الاعراب عن أي موقف يقود الى ذلك. ويميط مسعود رجوي في جانب من أحد خطاباته الموجهة لأعضاء المنظمة اللثام عن مسائل أخرى طرحها احمد الخميني عليه، حيث يذکر بأن احمد طلب منه ان تتخذ المنظمة موقفا ضد الشيوعيين و إذا مادخل(الامام)صراعا مع أي طرف فيجب على المنظمة الدخول فيها فورا، ويقول رجوي ان احمد قد أکد له بأنه في هذه الحالة، أي إذا وافق على ذلك العرض فإنه(ستفتح کل الابواب بوجوهکم).
من الممکن أن يتصور الکثيرون بأنه لم تکن هنالك أساسا أية إتصالات بين منظمة مجاهدي خلق و بين الخميني، بل وانه من الارجح جدا أن لايصدق أحدا بأن يکون الخميني هو المبادر لإرسال أبنه أمام مسعود رجوي من أجل کسب وده و جعله الى جانبه، وهذه نقطة مهمة جدا يجب الانتباه إليها سيما في تلك الايام الحساسة جدا من عمر الثورة وقت کان عودها مايزال غضا طريا وکان العالم کله بشکل عام و المسلمين و العرب بشکل خاص يعتقدون بأن الخميني کان يملك کل المفاتيح في جيبه وان الدفة في يده لوحده، لکن هذا الامر يدفعنا لکي نرى صورة مغايرة تماما لذلك الاعتقاد و يطرح صورة اخرى أخفاها الخميني ومن بعده رجال الدين البارزين التابعين له والذين کانوا يمتلکون معلومات دقيقة بهذا الخصوص والحق، أن حجب هکذا معلومات مهمة تطمس و تحرف و تغير من الحقائق الاساسية في الاحداث التأريخية الدائرة حينئذ، وهو أمر يبدو انهم قد نجحوا و برعوا فيه کثيرا.
في الايام الاولى للثورة الايرانية، کانت جامعة طهران واحدة من المحافل و الاماکن المهمة التي کما کان لها دورا بارزا في تحديد مصير نظام الشاه، فإنه قد کان لها أيضا دورا و تأثيرا مهما على مجريات الساحة السياسية الايرانية و تلقي بظلالها على عموم العملية السياسية الجارية، في تلك الايام، ألقى مسعود رجوي، زعيم منظمة مجاهدي خلق(والذي لم يکن قد مضى على إطلاق سراحه من سجون الشاه سوى ثلاثة أيام)، اول کلمة له هناك وقال فيها:( مبروك الثورة الديمقراطية لإيران)، هذه الجملة التي أطلقها رجوي حينئذ کان يقابلها شعار(الثورة الاسلامية)لأتباع الخميني، ويقينا ان زعيم منظمة مجاهدي خلق لم يطلق ذلك الکلام جزافا وانما کان يعنيه بکل معنى الکلمة إذ أن المنظمة قد عقدت العزم على دعم إجراء تغيير سياسي جذري مبني على أرضية ديمقراطية سليمة في الواقع السياسي لإيران في حين کان الجناح الآخر يعد لأرضية سياسية مغايرة لذلك تماما، ومن هنا کان اساس الخلاف و جوهره بين الجانبين.
النقطة الجديرة بالملاحظة ان منظمة مجاهدي خلق الايرانية و تيارات و إتجاهات سياسية أخرى(من ضمنها تجمع نهضة الحرية بزعامة مهدي بازرکان)، کانت تتوجس خوفا من شعار(الثورة الاسلامية)، لإعتقادهم بأنها تخفي في طياتها أسس و رکائز نظام إستبدادي آخر، وقد کان مسعود رجوي دقيقا عندما خاطب في تلك الايام أتباع الخميني بقوله:( لا تتحدثوا عن الثورة، بالاخص لاتتحدثوا عن الثورة الاسلامية، الثورة لها بالقدر الکافي مسؤولياتها، فکيف بثورة من الطراز الاسلامي.). والواقع أن رجوي قد حدد المزيد من نقاط و مواضع الاختلاف مع الجانب الآخر حينما قال في رسالة له وجهة الى الخميني؛ ان اسلامنا مختلف کليا عن اسلامکم فيما يخص مسائل الحرية و حق حاکمية الشعب و حقوق الاقليات و بشکل خاص شعب کوردستان ومنطق"اما الحجاب او القمع"، ومن هنا فقد أدرك الخميني ومن خلفه مختلف الوجوه البارزة من رجال الدين الموالين له، من أن احتواء او لوي ذراع و إذابة منظمة مجاهدي خلق ضمن الخط العام للتيار الديني المتشدد وهو امر لم يکن أبدا من الهين فرضه على تيار سياسي ـ فکري له حضوره و جماهيريته و تأريخه الخاص ولذلك لم يکن أمامهم أي طريق سوى طريق مجابهة و ازاحة تيار المجاهدين.
الخميني من جانبه، وفي رد فعل واضح على طروحات منظمة مجاهدي خلق قال: من لايقبل بالامامة و الولاية(أي ولاية الفقيه) وفي نفس الوقت يدعي الاسلام، فإنه منافق! والحق ان منظمة مجاهدي خلق کانت تؤکد على ضرورة العودة الى صناديق الاقتراع و تسعى لجعلها الفيصل بخصوص المسائل المصيرية الخاصة بالشعب الايراني، فيما کان يؤکد الخميني على أن الرأي النهائي و الفاصل هو للولي الفقيه وان کلمته و موقفه النهائي هو الذي سيحسم الامور أيا کانت مضامينها، تضارب هذين الموقفين السياسيين ـ الفکريين و عدم إمکانية إلتقائهما بأي شکل من الاشکال، کان في واقعه يمهد لمواجهة بين الطرفين، رغم ان المواجهة بجانبها الفکري ـ السياسي کان قائما وکان بحاجة الى شرارة کي تقدح المواجهة العسکرية بين الطرفين. منظمة مجاهدي خلق، ومن خلال مختلف مواقف قادتها وبالاخص مسعود رجوي، کانت تسعى الى إجتناب المواجهة لا لشئ إلا لتخوفها و حرصها على الثورة و دماء الشعب الايراني، وطوال عامين من موقف"اللاسلم و اللاحرب"إن صح التعبير بين الطرفين، کانت المنظمة هي الطرف الذي يسعى دوما لمجاراة و التماشي مع المواقف المتصلبة و المتعنة للخميني و رجال الدين التابعين له.
هنا تجب الاشارة و التوقف عند الخلفية الفکرية الاسلامية لمنظمة مجاهدي خلق، حيث ان هذه المنظمة وفي أدبياتها و نشرياتها المتباينة، قد أکدت على ماهيتها و إنتمائها الاسلامي، لکنها سعت دوما الى بيان و عکس هذه الماهية و الانتماء باسلوب و سياق حضاري و سليم ولم ولن تبتغ يوما إستغلال الدين لمآرب و اهداف سياسية محددة وهي في نفس الوقت کانت بالمرصاد لأية محاولات من هذا القبيل، وقد أدرك الخميني هذه الحقيقة جيدا لکنه سعى بکل مافيه من إمکانية لدفعها بإتجاه آخر وهنا نستحضر مقولة للخميني بهذا الخصوص وقد أطلقها قبل فترة من التصادم القطعي بين الجانبين حيث قال مخاطبا مجاهدي خلق:( لو کنت قد وجدت احتمال واحد من بين ألف إحتمال بأنکم ستتخلون عن ما تقومون به من أعمال، فقد کنت على استعداد للتفاهم معکم)، هذا الکلام لم يطلقه الخميني على عواهنه وانما کانت هنالك خلفية مهمة و حساسة له، إذ يروي مسعود رجوي اول لقاء له بالخميني حيث لم يکن نظام الشاه قد سقط لحد ذلك الوقت:( مع البعض من أخواننا"يقصد من منظمة مجاهدي خلق"، في محل إستقرار الخميني في غرفة خاصة جنب غرفة اللقائات العامة، إلتقيت به"أي بالخميني". أحسست من جراء عدم تقبيل يده و إکتفائي بتقبيل وجهه بصورة عادية بأنه قد بهت، ذلك أن ماقمت به لم يکن يلائم مجريات تلك الايام بالنسبة له حيث کان من المتعارف ان يتم تقبيل يده اولا.) ان هذا الموقف على بساطته يمتلك عمقا غيرا عاديا سيما في تلك الفترة الحساسة من عمر الثورة الايرانية و خصوصية دور الخميني و سطوته و نفوذه الاستثنائيين داخل إيران وان الاتصالات بين الخميني و منظمة مجاهدي خلق کانت من أجل ترويض و تليين و تمييع المواقف المبدأية لها وجعلها تنضوي تحت الخيمة الخمينية، والحق ان عدم مبادرة مسعود رجوي لتقبيل يد الخميني کان بحد ذاته موقفا غير عاديا بالمرة ولم يکن هنالك في تلك المرحلة الانتقالية من عمر الثورة سياسي إيراني يجرؤ على هکذا خطوة ملفتة للنظر، لکن، وفي نفس الوقت، لم يکن موقف رجوي مجرد حالة إعتباطية او عابرة وانما کان مقصودا و له غاية و هدف في منتهى الوضوح، إذ أن الرجل الذي کان قد أطلق سراحه قبل فترة وجيزة من سجون الشاه، کان يرفض بشدة أي نظام آخر يحمل بشکل او آخر سمات النظام السابق وهو کان يرى في تقبيل اليد بمثابة نوع من العبودية و أبعد ماتکون عن روح العصر مثلما أنه يعتبر إمتداد لسلوك و طبائع النظام السابق. وبديهي أن تتجه الامور للتأزم بين الطرفين، لکن من دون القطيعة او الاصطدام الکامل، ذلك أن کل طرف منهما کان يحمل قناعاته و مبرراته التي تحول دون ذلك رغم أن الخميني و مختلف رجال الدين الآخرين المنقادين له کانوا يتربصون شرا بالمنظمة و قادتها و يرون فيهم عقبة کأداء في طريق إقامة نظامهم القمعي الشمولي وللحديث صلة.
التعليقات (0)