مواضيع اليوم

ثورة الكرام بين أنياب اللئام

كمال غبريال

2011-04-10 07:00:17

0

ثورة الكرام بين أنياب اللئام
كمال غبريال

GMT 20:30:00 2011 السبت 9 أبريل

ليس ما يحدث للثورة المصرية الآن جديداً ولا غريباً على تاريخ ثورات الشعوب، فالثورة بطبيعتها مرحلة فوران وتفاعلات غير محكومة ولا معدة مسبقاً، هذا بالطبع من جانب من قاموا بها وحملوا أمانيها وتحملوا ثمنها وتبعاتها، لكن بالطبع في كل زمان ومكان نجد تلك الجماعات الذكية أو المتذاكية المتربصة، والتي تكمن مستترة بحقول الأذرة كما يقول الفلاح المصري، لكي تنقض في الوقت المناسب، متى لاحت أمام عيونها فريسة تسير الهوينا في دعة وبراءة. . هكذا يهب الكرام للثورة طلباً للعدالة والحرية والكرامة الإنسانية، ليتسلل من يمكن وصفهم باللئام إلى مقدمتها، ليحاولوا قيادتها وفق عقولهم البائدة، التي هي الوجه الآخر للحكم الفاسد الذي ثارت الجماهير عليه لتقتلعه من التربة المصرية، وتخلص رقابها من بين براثنه.
كان نجاح الثورة المصرية الشعبي الهائل سبباً في اضطرار أكثر تلك الجماعات المنظمة والمتربصة تواجداً، إلى الذوبان في بحر الثورة، والأداء في فعالياتها وكأنهم مكون عضوي من مكوناتها، فلم نر فقط اختفاء شعار "الإسلام هو الحل"، الذي فشل جبروت العهد المباركي وقوانينه ودستوره في إجبارهم عن التخلي عنه، لتطهير الوسط السياسي من توظيف الدين لخدمة أغراض هي الأبعد ما تكون عن مقاصد جميع الأديان، بل رأيناهم خلال المظاهرات يهتفون ويقودون الجماهير للهتاف "لا جماعات ولا أحزاب. . الثورة ثورة الشباب" و"كلنا إيد واحدة. . كلنا مع بعض"، وغيرها من الشعارات التي تجعل المراقب غير المنتبه لحقيقة ما يحدث، يتصور أن الشعب المصري بجميع مكوناته وتياراته قد انصهر فجأة في بوتقة الثورة، وصار يتحرك في اتجاه موحد تحقيقاً لما يطالب به ويرفعه من شعارات، كان أبرزها هتاف "حرية. . حرية. . حرية" و"عدالة. . حرية. . كرامة إنسانية". . هنا لم يكن أمام كاتب هذه السطور سوى أن يردد فيما بينه وبين نفسه القول المأثور: "أفلح إن صدق"، رددها وهو يعلم أن من أمامه بشر، والبشر كائنات قابلة بالفعل للتغيير، مهما كانت النوايا الابتدائية أبعد ما تكون عن البراءة والإخلاص، كان يدرك هذا حتى قبل أن يحتضنه في غمار إحدى التظاهرات مصري صاحب لحية عظيمة، فور أن علم من هتافه وسط الجماهير، ما يفيد أن الأقباط يقفون مع كل إخوة الوطن لإقتلاع الفساد والتأسيس لعهد الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية. . لكن هذا التغيير الحتمي والقسري لكل من يدخل بوتقة الثورة، لا يعني بالتأكيد أن تلك الجماعات المتحجرة منذ عقود وربما قرون قد تحولت بالكامل إلى سائل وطني رائق ومخلص لوطنيته، خاصة إذا ما كانت أيديولوجيتهم تعد الوطنية كفراً!!
هكذا وما أن حققت الثورة الجزء الأصعب من مهمتها، وهو اقتلاع الطاغية وأهله من على كراسيهم، وهدأت نيران الثورة بعض الشيء، حتى عادت الجماعة إلى قواعدها وأجندتها، وإلى تكتيك تربصها واصطيادها لفرائسها، رغم أنها هذه المرة ليست فرائس ضعيفة عديمة الحول والقوة، لكنها ملايين من زهرة شباب مصر، الذين يصعب إن لم يستحل العبث بهم وبمقاديرهم بتلك السهولة التي يتصورها أصحاب العقول المغلقة والضمائر الميتة أو الملوثة.
بالتأكيد لم تخرج الجماعة محور حديثنا من الثورة أكثر قوة، بل بالعكس إذ قوت روح الثورة من عود شبابها الذي كان يتململ، فصار أقدر على مواجهة دهاقنة الجمود، كما ظهر في الساحة من يمكن اعتبارهم "أخوة أعداء"، ممثلين في الجماعة السلفية والجماعة الإسلامية، ليبدأ هؤلاء في اللعب المزدوج، منافسة الإخوان في اللعب بورقة الدين وتوظيفه، وفي نفس الوقت السيطرة على الساحة للدفع نحو هدف اختلاف الفرقاء ولو ظاهرياً حول تكتيكات تحقيقه، في حين اتفقوا جميعاً حول حقيقة وطبيعة ذلك الهدف، وهو السيطرة على الناس باسم الإله، والعودة بالبلاد إلى أربعة عشر قرناً خلت. . هكذا رأينا "الإخوة الأعداء" يقفون معاً في مسألة التعديلات الدستورية، وأشبعونا من صياحهم وتهديداتهم وتكفيراتهم، ليس لما يبدو على السطح من تأييد للتعديلات الدستورية فهذا حقهم، ولكن في العمق لمحاولة تحجيم المدى الذي تذهب إليه الثورة، لتقف عند ذلك الحد الذي استراح إليه "الأعدقاء". . فالجماعة المحظورة لم تعد محظورة، والسلفيين الذين ادعوا في الحقبة الماضية أنهم أهل عبادة وتقوى ولا شأن لهم بالسياسة، خرجوا من جحورهم بالتهديد وتطبيق الحدود بقطع الآذان والرقاب ومنع المسيحيين من إقامة الصلوات في العديد من كنائسهم، بدعوى أن أصوات الصلوات تزعج المسلمين، بالإضافة إلى هدم وحرق الأضرحة!!. . أما جماعة الجهاد الإسلامي فقد خرج رموزها من السجون والمعتقلات مباشرة إلى القنوات الفضائية، في استقبال يشبه استقبال الأبطال الفاتحين، إلى حد حديث قاتل رئيس جمهورية عن احتمالات ترشحه لرئاسة الجمهورية!!
أما نفايات المعارضة القديمة من العروبجية وعملاء صدام والقذافي، فلا يقل تأثير تسللهم إلى مصهور الثورة المصرية سوءً عن تأثير أصحاب التفويض الإلهي أولئك، ولقد شكل الطرفين معاً عائقاً لذلك المصهور الثوري، عن اكتمال تفاعلاته ومهمته المقدسة، بصرفهم لقضايا أقل أهمية وخطورة، إن لم تكن خارجة تماماً عن أجندة الثورة الأصيلة، فعاد العروبجية لصياحهم الحنجوري المعادي للسامية، ويتلهون ويلهون بحرق علم إسرائيل، في استمتاع مازوكي بدور الضحية، الذي لا يملك من الأمر إلا الصياح وحرق قطع من القماش مرسوم عليها نجمة داوود، فيتم إهدار طاقة الثورة في قلوب الثوار، وبدلاً من توجيهها لإعادة بناء مصر الجديدة، تستهلك في مشاعر عداء ساذج ومأفون للآخر، فشل العروبجيون طوال السنوات الماضية في الخروج به من دائرة تلك النخب العميلة والملوثة، إلى رحاب الشعب المنشغل بحياته ومصيره. . رأينا ذلك القاضي السابق يترأس ما سماه محاكمة شعبية للرئيس السابق، يهدد فيها بإصدار حكم بالإعدام عليه، وكأنه لم يسبق له أن سمع عما يسمى بسيادة القانون، وأن المحاكمة المطلوبة لرموز النظام السابق ينبغي أن تكون قانونية وشرعية، وكأن سيادته لا يدرك خطورة أن تشكل الجماهير محاكمات خاصة، تفتح باب جهنم على الشعب والثورة والثوار أنفسهم. . روح الانتقام وشهوة سفك الدماء، تلك التي نعرفها جيداً عمن ينتمي إليهم ذلك القاضي السابق فكراً، وإن لم ينتم إليهم تنظيماً. . في المقابل وبالنتيجة نرى الثوار الذين يعيدون تجميع صفوفهم بميدان التحرير يغفلون عن أهم ما يفترض أن يهتموا به من تهديدات لمستقبل ثورتهم: قانون الأحزاب المعوق لقدرتهم على تشكيل تنظيمات تجمعهم، وبنود الإعلان الدستوري التي تبقي على مجلس الشورى ونسبة 50% عمال وفلاحين اللعينة، علاوة على منهج سير الأمور باستمراء المجلس الأعلى للقوات المسلحة في سن القوانين ليلاً ومداهمتنا بها نهاراً، ولا نعرف كيف وضعها، ولا ماذا يهدف بالتحديد منها.
هكذا أيضاً تم جر الثوار بعيداً عن أخطر ما يحدث بمصر، وهو التهاون من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مواجهة بلطجة واستجرام أفراد ينتسبون للسلفيين، بل ولجوئه إلى القيادات السلفية الرهيبة لتسوية ما يصطنعونه من مشاكل ومصائب، لتبدو مصر وكأنها ذاهبة إلى مصير أفغانستان أو الصومال أو حتى غزة.
ليس ما سبق بالطبع هو كل الصورة في الثورة المصرية العظيمة، فهناك القوى الواعية المتجهة بالفعل نحو مستقبل أفضل، وهناك التفاعلات الإيجابية مازالت تجري على أرض مصر، ولا يعني تركيزنا هنا على السلبيات تجاهل أو إنكار ما يجري الآن من صناعة تاريخ جديد لمصرنا أم الدنيا.
مصر- الإسكندرية




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !