ثورة الفراشة "4" اليمن
الفراشة الحسّاسة
مسار الفراشة في رحلتها العربية بدأ من بساتين الزيتون في تونس، مروراً بنيل مصر لترتوي الفراشة من نبع ثورته، ثم تتابع رحلتها في البحث عن الرحيق المسموم، والدم الفاسد كالذي وجدته اليوم في عروق قذاذفة آل مُعمر.
يجب أن لا يغيب عن أذهاننا أن الفراشة كانت يرقة نائمة في سباتها سنين طوال، وأثناء تخديرها غُذّيت بحقن الفساد والظلم وقمع الحريات، مع تجرع ويلات الداخل والخارج والمحيط والبيئة بل وحتى تبعات ثقب الأوزون، مع أن الفراشة تعيش في قوقعتها تحت ضغط لا يسمح لها بأن تستفيد بشئ مقابل ما تعانيه أو تدفعه من تضحيات، فولدت فراشة ثورية بامتياز.
أمام الفراشة الثورية دول وأوطان تمتد من المحيط إلى الخليج، كلها مليئة ببساتين تتوق الفراشة التحليق حول عفنها، وهي عازمة على أن تجعل من تأثيرها ثورات عارمة وشاملة.
يشترك اليمن السعيد مع الدول العربية فيما سبق، لكن خصوصية كل دولة هو الشفرة السرية لما ستؤول إليه الأمور في القادم من أيام هذه الدول.
خصوصيات اليمن كثيرة ومعقدة، فهي الجمهورية الوحيدة في شبه الجزيرة العربية، وسياستها غير مجدية في مواجهة تحدي عنوانه يحمل نصف المفهوم البشري العام للمكان وهو الشمال والجنوب.
تسلط الشمال السعيد إلى جانب الحراك في الجنوب جعل حاضر اليمن مقسماً وهشاً، أما ماضيه فلا يُستثمر إلاّ في تأكيد التقسيم وتأجيج الطائفية والمذهبية، ولعل الحالة الحوثية إحدى شروخ الحاضر المتجذّرة في التاريخ.
عبث الفساد والسلطة بالتاريخ والحاضر اليمني، فتح المجال لتكوين بؤرة أساسية جديدة في الحرب ضد ما يسمى بالإرهاب، وصار المستقبل هو من يهدد بفوضى عارمة في اليمن، فقصف الطائرات الأمريكية المتكرر مازال صدى صوته في الآذان، وصيحات المدنيين المقصوفين وعائلات الضحايا بقيت تدوّي بقوة لا يُتوقع أن تكتفي بالخروج من الحناجر مستقبلاً.
إذا جمعنا كل ما سلف، ثم أضفنا إليه قبائل مازالت العصبيّة تحكمها، ورئيس يحكم أكثر من ثلث قرن، وشعب مدجج بالأسلحة ويكره إسرائيل، ومضيق باب المندب، و فقر قاتل، وقات مخدّر، وأمية مظلمة، بالجمع والإضافة نحصل بالتأكيد على خصوصية اليمن اليوم.
نجاة اليمن اليوم يتطلب تكاتف جميع القوى الداخلية، وقراراً سياسياً ذكياً يسير نحو تغيير حقيقي (قد يبدأ برحيل الرئيس علي عبد الله صالح)، وكل ذلك بعيداً عن أيّ تدخل أجنبي.
المعادلة خيالية إلى حد كبير، واليمن اليوم يغلي تأثراً بثورة الفراشة العربية، ومستقبله في فئة من أبنائه الغيورين والجادّين بمختلف توجهاتهم ومواقعهم، ممن يحرصون على التصالح والصلح والإصلاح ما استطاعوا، بوعيٍّ يحقق المكتسبات، ويحافظ على الأمل، مع صمود يعي حساسية الواقع ببقائه بعيداً عن الصدام وتحاشياً لإنفجار لاحت بوادره.
بعد تونس ومصر وليبيا واليمن، لم يَعُد الترتيب ذا أهمية بقدر أهمية التغيير القادم، فالدور على الجميع، وإن بقيّ تأثير السابق على اللاحق من أهم عوامل تحديد المشاهد القادمة.
حمى الله يمننا المبارك
الجزائر في 01/03/2011
التعليقات (0)