ثورة الفراشة "3"... ليبيا
بينما كنت أحاول إلتقاط ترددات رفرفة الفراشة المحلقة بين تونس والقاهرة في محاولة لفهم مدى التأثير والتأثر المتنامي والمتكرر وأحياناً كثيرة المتكامل بين هاتين الثورتين، إذا بترددات من اليمن تُلحّ عليَّ الشروع في كتابة الحلقة اليمنية من سلسلة ثورة الفراشة.
أخذت بالكتابة عن اليمن، وإذا بالبحرين على سواحل الخليج العربي في حراك غير متوقع (الآن على الأقل)، قررت متابعة وإنهاء الكتابة عن اليمن السعيد، والإنتقال على جناح السرعة للبحرين، فالفراشة لم تبتعد كثيراً في تحليقها.
في هذه الأثناء وفي وسط الطريق بين الفراشتين المنتصرتين ظهرت فراشة تدعو الجميع للعودة من الأجواء الآسيوية إلى الشطر الأفريقي من الوطن العربي، وضعت الورقة اليمنية جانباً مع يقيني بعودتي لها بعد حين ليس بالبعيد.
إسترقت السمع محاولاً فهم ما تُتمتم به الفراشة، فإذا بها تحاول الإعلان عن سجن في ليبيا قد فُتحت أبوابه لهروب المسجونين، كانت الفراشة تقول أن هذا المؤشر يكفيها لحسم قرار التحليق فوق رأس أي نظام يجابه نضال شعبه بهذه الطريقة (البلطجية)، فقد فهمت فيما فهمته من الفراشة أنها بدورها تتعلم من الشعوب والثورات وحتى من الحكام، وأنها مستاءة من الحكام العرب اللذين الذين لم يتعلموا شيئاً حتى الآن، إذ فهموا اللعبة خطئاً حين ظنوا أن الفائز هو من يطرده شعبه ويسقط بأكبر قدر من اللّعنات والذل.(ربما يستسيغون الأحذية في وجوههم قبل الرحيل)
صَرَخت الفراشة الثائرة: أن احملوا أقلامكم، واضبطوا عدساتكم، واشحنوا هواتفكم، فالتاريخ يملي علينا توثيق الّلحظة، والمستقبل يحثنا للتبصر مع الحفاظ على التفاؤل.
سحبت ورقة متوكلاً على الله لأكتب
ثورة الفراشة "3"... ليبيا
فراشة تنزف
أي نظرة عميقة مع دراية بالواقع الليبي تستنتج أنه إن كان قد بقيّ شعرة لمعاوية بين نظام القذافي وشعبه فإن صاحبها هو سيف الإسلام مع صلعه، فقد ظهر الفتى على المشهد وهو يسير بخطاً نحو التنمية والتغيير وحقوق الإنسان، مستعملاً لغةً أقل ما يقال عنها أنها أكثر قبولاً وتماشياً مع عصرها من لغة والده.
توالت الأحداث في ليبيا بحركات شعبية ضاهت الإنترنت في سرعته وفعاليته، فاستُدعي سيف الإسلام لمهمة قد حضر لها نفسه كثيراً.
كان المتوقع أن يخرج الفتى شاكراً والده وقائده لما قدّمه للجماهيرية، معلناً حمل راية التجديد للثورة بإنشاء دولة عصرية، يلتّف حولها الشباب خاصة ثم الليبيين عامة، ويقودهم سيف الإسلام في صورة قذافية جديدة تعلن الأمل وتخفي الإستبداد، بدل الإستبداد المعلن من القذافي وقتله لأيّ بصيص أمل حتى قبل أن يولد.
القذافي أثبت خوفه عند القبض على صدام حسين بخنوعه التام وتعريته للغرب شريطة بقائه في الحكم بصورته الفلكلورية والأسطورية، ومن الواضح أن العقيد الجبان قد عقد صفقةً مع أبنائه، في إطار لا يخرج عن أنها لكم إن استطعتم إليها سبيلا.
الوالد والمعلم فاته أن ينصح سيف الإسلام أنه لو دامت لأبيك فلن تصل إليك، فتفوق التلميذ الإبن في التسلط والعنجهية حتى قبل وصوله لمبتغاه، وخرج القائد الجديد على شعبه يخيّره بين الإهانة والتهديد، الإستعمار أو الخضوع، التقسيم أو الذل، الإستسلام أو الفقر، إحياء النعرات القبلية وإستعداء العرب أو رصاص المرتزقة، حرب أهلية أو نظام قذافي العفن.
نظام القذافي طرح أحسن ما عنده من إصلاح وتغيير وتنمية، فقدم سيف الإسلام نفسه ومشروعه كخلاص ربّاني، كل ما دونه لعنات ستحل بالجميع، ففهم الشعب الليبي قائده الجديد بل واستلهم منه فكرة الخلاص، فاستحضر من غربه إذا الشعب يوماً أراد الحياة، واستخلص من شرقه أنه لا بد أن يستجيب القدر، فقرر الخلاص بالتخلص من السيف وأبيه وكل أسلحتهم.
إحكام الغلق على ليبيا خلال الأحداث الجارية أعاد الشعب الليبي العظيم إلى بيئته الأصلية والأصيلة التي يعرفها جيداً، وهو يبدع في صموده بما أوتي من موارد وقوة، عازماً المسير صوب نزع حريته.
حلّقت الفراشة ورفرفت في أجواء ليبيا، ونظام القذافي قد هدد بالدّم بعد أن أسال الدم، ولم يبقى سوى التساؤل عن كم سيستنزف السفاح وعائلته ومرتزقتهم من مقدرات ليبيا ومن دماء شعبها قبل أن ينحرهم الشعب.
لا يسعنا القول لإخواننا في ليبيا سوى اصمدوا ولا تتفرقوا.
عاش أحفاد المختار
الجزائر في 26/02/2011
التعليقات (0)