ثورة الفراشة "1"
شاب...شعب...وقناة...الفراشة في تونس
وأنا أعُرِّج على تونس الحرة في مساري المتتبع لثورة الفراشة وآثارها على الدول العربية ومحيطها أجدني ملزماً متابعة الخوض في الحالة التونسية بشئ من التنظير لمفهوم أثر الفراشة، ففهم وإستيعاب ما يحصل في تونس هو ما سيجعل إستشراف القادم أسهل و أوضح.
من الواضح أن البطل محمد البوعزيزي رحمة الله عليه كان الأكثر إيماناً بمفهوم أثر الفراشة، ولعل البؤس الذي عاشه الرجل أعطاه نظرة ثاقبة وأكثر حدة من نظرة وتوقعات خبراء الأمن وإستراتيجيو بن علي الفار، بل وأكثر إحساساً بالوضع من جميع الأكاديميين والمثقفين، فقد أدرك محمد "ربما في لا شعوره" وهو يضرم النار في نفسه أنه جزء من معطيات صغيرة وشروط بدئية مهملة، وكأن صوته يتردد في أذني وهو يقول سأشعل ناراً في نفسي قد تلهب بأثر الفراشة في سيدي بوزيد ثم في تونس فالعالم العربي بأسره.
ومن المحزن المفرح أن معطيات كالبوعزيزي أو إطلاق الرصاص الحي وقتل المدنيين أو الفيس بوك وتويتر وخروج الألآف بل حتى الملايين إلى الشارع وكل ما يعتبر نتائجاً في دول حرة ومعاصرة، كل هذا وغيره الكثير مازال يعتبر شروطاً بدئية مهملة في دولة كتونس.
إن لكل حركة بين رفرفة فراشة وإعصار قائم "نمط فريد" يتنوع بين البساطة والغرابة، هذا النمط "الذي يسميه المختصون بالجاذب" إلى جانب الشروط البدئية هو ما يحدد ملامح أي تطور متحرك وحركته وإتجاهه. دور الجاذب في ثورة الفراشة لعبه الشعب التونسي بجدارة وإمتياز، هذا الشعب الواعي الذي عرف كيف يستثمر كل الشروط البدئية وكل المعطيات المتوالية والمتتالية من وفاة البوعزيزي إلى هروب بن علي، الشعب التونسي العظيم وضع حريته نصب عينيه ودفع بالأشياء وأحياناً كثيرة جذبها نحو هذه الحرية.
إن من خصائص ديناميكية أثر الفراشة القابلية للتحويل "النقل" في الزمان والمكان. في هذا الإطار كانت قناة الجزيرة على موعد مع الشارع التونسي وتناغمت معه، بل ولعبت دوراً محورياً في نقل الصورة بكل ما تحمله من حركية وتأثير من شارع إلى آخر أو حتى بين القرى والمدن، كما شاركت الجزيرة في المحافظة على المكتسبات بنقل أحداث كل يوم وربطه باليوم الذي يليه. تراكم صور الواقع المتغيّر شجّع الشعب التونسي على الصمود والتقدم، وحوّلت الجزيرة الأنظار بشعارها الفعّال والمميّز نحو هواجس اليوم التالي.
الثمار بدأت تُقطف، فهذا رئيس هارب، و وزراء لا تصمد في مناصبها بدون تزكية المتظاهرين في الشارع، والحصاد المغاربي يطل علينا مساء كل ليلة من تونس الخضراء.
هكذا إذاً هي معادلة تغيير واقع تونس إلى الأبد، كل يرابط في موقعه...شاب شعب وقناة.... الفراشة في تونس.
في النهاية، ليس لديّ الكثير لأقوله لتونس فهي اليوم صاحبة الكلمة فيما يخصها، لكن المحافظة على المكتسبات ليس بالأمر الهيّن وسط المؤامرات الداخلية والمصالح الخارجية. التضحيات يجب أن تخدم الطموح، والتحديات تواجه بالتعلم من تجربة أمس والصمود اليوم و أؤكد على وقوفكم جنباً إلى جنب تصدياً لهواجس اليوم التالي ... تحيا تونس.
الجزائر في 25/01/2011
التعليقات (0)