يقول الله عز وجلّ في كتابه الكريم : (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) ، انطلاقاً من هذه المعاني جاءت ثورة الشعب المصري الشقيق المطالبة والمنادية بالاصلاح باعتباره مطلباً مشروعاً، وباعتبار أن الاصلاح وعدم الإفساد في الارض التي نحن مستخلفون فيها واجب ديني وأخلاقي قبل كل شيء. فمطالبة الشعب المصري بالاصلاح السياسي وإقامة نظام ديمقراطي حقيقي تكون فيه الغلبة لرأي الشعب والكلمة الفاصلة فيه لصناديق الاختراع هو حق أصيل للشعوب ولا يختلف عليه إثنان إلا أولئك الذين قال الله تعالى عنهم : "ونذرهم في طغيانهم يعمهون" ، فالحكم يجب أن يكون لمن يرتضيه الشعب ويري انه خير من يمثله ويحقق له ما يطمح ويصبو إليه، وتمكين الاحزاب الأخرى مهما كانت برامجها السياسية من ممارسة نشاطها السياسي بحرية ودون رقابة مهما كانت درجة اختلاف النظام معها هو عين الاصلاح السياسي لأن ممارسة السلطة من قبل حزب واحد لسنوات طويلة يولد في نفوس المنافسين والخصوم الغبن والحقد ويعمل علي خلق حالة من الاستقطاب الحاد في ظل حزب يمنع الاخرين من الوصول إلى السلطة الامر الذي يقود مجموعات من المتسلقين والوصوليين والنفعيين باعلان ولائهم للحزب الحاكم والانضواء تحت لوائه طالما كان هو الوحيد الذي سيمكن هؤلاء من ممارسة السلطة والحصول على الامتيازات مما يؤدي لاستشراء الفساد داخل الحزب نفسه ومؤسسات الدولة . ولئن كان الوطن للجميع والكل فيه سواسية فلا بد من اتاحة الحرية لوجهات النظر وبرامج الاحزاب الاخرى أن تأخذ طريقها للمجتمع وإن تقاطعت مع وجهة نظر وآراء الحزب الحاكم وأن يكون مبدأ المساواة في التعبير مكفول لجميع القوى السياسية في أجهزة الاعلام ووسائل والاتصال لأنها ملك للشعب وهو صاحب الحق الحقيقي لهذه الاجهزة والوسائل مع ضرورة اسقاط او تعديل أي تشريعات تقف حجر عثرة أمام إقامة نظام ديمقراطي حقيقي يكفل الحرية والمساواة والعدل للجميع ويعمل على نبذ تكريس الهيمنة لمجموعة أو حزب للممارسة السلطة واقصاء الآخرين والغاء كافة القوانين التي لا تسمح للأحزاب الأخرى إلا بمشاركة شكلية صورية فالتنافس على السلطة يجب أن يكون حراً ومبرأً من كل عيب ومستلهماً لروح الديمقراطية ذاتها ألا وهي اختيار الشعب لمن ينوب عنه في ممارسة الحكم عنه ويرى أنه خير من يمثله ويعمل على تحقيق طموحاته وتطلعاته ودون إملاء من أي جهة . مع العمل الجاد لارساء قيم العدالة الاجتماعية والمساواة ومحاربة الفقر والتوزيع العادل لثروات الشعب وتوفير فرص العمل الكريم للشباب والإهتمام بالفقراء ومحدودي الدخل و تخفيض اسعار السلع الاساسية وتقليل تكلفة الخدمات الاساسية للمواطنين كالتعليم والصحة والكهرباء والغاز والمياه وتحسين مستوى المعيشة من خلال رفع الأجور والمرتبات حتى تكون ملبية لاحتياجات المواطنين من غذاء وكساء ودواء وتعليم ، ومحاربة الفساد والمفسدين اياَ كانت مواقعهم ودرجة قرابتهم بالمسئولين دون تسويف وإبطاء وتقديم من تثبت عليه تهمة الفساد الاداري أو المالي أو استغلال السلطات للمحاكمة ومصادرة الاموال التي حصل عليها هؤلاء دون وجه حق.
إن التعاطف وتأييد المسيرات التي تنادي بالاصلاح في اي مجتمع هو واجب لكل من يرغب في الاصلاح ومحاربة الفساد على وجه الارض طالما كانت في إطارها السلمي وتنبذ استخدام العنف والتعدي على ممتلكات وأرواح الابرياء وحقاً لقد قدم الشباب المصري من خلال ما شهدناه ونشاهده نموذجاً رائعاً في أدب الاختلاف مع الآخر وعكس وجهاً مشرقاً لمصر وحضاراتها ، إلا من بعض الشعارات البذئية التي رفعت وهي تُسيء للمتظاهرين أولاً قبل أن تسئ للرئيس حسني مبارك الرجل الذي يعترف له الكثيرون بأنه باني مصر الحديثة وله الكثير من الانجازات التي لا ينكرها أحد فهذه الشعارات في نظري لاتتماشى مع روح الانتفاضة وقيم الشعب المصري . نعم لقد أرتكب النظام في مصر الكثير من الاخطاء وتساهل في كثير من الامور التي كانت تجري تحت سمع وبصر قيادته على مدى الثلاثين عاماً الماضية ولم يحرك ساكناً حتى طفح الكيل ، وقد آن أوان الإصلاح الذي يرى الجميع في مصر انه لا رجعة عنه . وأخيراً أذكركم بقول الله تعالى : "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون".
التعليقات (0)