ثورة الحرية و الكرامة و ثقل المسؤولية - البشير عبيد :
من يصدق أن طاغية مثل بن على أسس حكما استبداديا فاسدا، أمعن في إحراق الأخضر و اليابس، متجاهلا صيحات و دموع الضحايا و الثكالى و اليتامى.. من يصدق أن نظاما قمعيا كهذا يتهاوى و يهرب قائده "المفدى" عشية الرابع عشر من جانفي / يناير.. معلنا بذالك الهروب المخزي و اللافت للأنظار مرحلة جديدة ناصعة قوامها احترام مبادئ حقوق الإنسان و الدفاع بلا هوادة عن قيم الحرية و الكرامة و المساواة و العدالة و المواطنة الكاملة.. مرحلة تنتفي منها و إلى الأبد المظالم و تعطى فيها الحقوق لأصحابها و تتمتع فيها الجهات و الطبقات و الأجيال بثمار التنمية و يتحكم في دواليب الدولة القانون و المؤسسات. لن ينسى الشعب التونسي الجريح المسلوب الإرادة طيلة نصف قرن قمع و تنكيل و اضطهاد و استغلال و فساد نظام بن على. لن ينسى كيف طوع الدستور على مقاسه لأحكام قبضته البوليسية على البلاد و العباد. لن ينسى كيف يسقط عشرات الشهداء من خيرة شباب و رجالات هذا البلد في سجون الطاغية و في ساحات التحرير.. في العاصمة و المدن و القرى و الأرياف، لا ذنب لهم سوى حبهم لهذا الوطن. فعلا صدق من قال أن الله يمهل و لا يهمل.. ها قد ذهب هذا النظام الاستبدادي.. نظام المافيا و الطغيان و الاستغلال إلى مزبلة التاريخ، و صار أحرار البلد هم رجال المرحلة بامتياز من كل الأطياف الفكرية و السياسية، مدشنين حقبة جديدة أساسها العدل و الحرية و الكرامة و الحداثة و الديمقراطية. لكن كل هذه المعطيات السالفة الذكر تجعلنا نضع في اعتبارنا حجم المسؤولية و ثقلها و ما يترقب هذا الشعب من مهام جسام لتحقيق أهداف الثورة المجيدة و انجاز الإصلاح السياسي و الانتقال الديمقراطي المرتقب. إن تواريخ الانتخابات ليست مقدسة، سواء حدثت في 24 جويلية أو 16 أكتوبر، أو برمج من قبل الأطراف الوطنية في تاريخ آخر. المهم هو تقنين التوافق الوطني و إخراج البلاد من وضعية الشرعية الثورية إلى الشرعية القانونية ( أي انتخاب أعضاء المجلس الوطني التأسيسي و انبثاق حكومة وطنية موحدة من رحمها لها من الشرعية و القانونية ما يجعلها تسير البلد بثقة و اقتدار و صلابة لمجابهة كل التحديات، وضع قطار التنمية الشاملة على السكة و متابعة مسار محاربة الفساد المستشري في كل القطاعات الحيوية و تطهير الوطن من رموز المحسوبية و الرشاوى و الولاءات) . إن شعبنا الصابر الجريح، يترقب في كل لحظة الخطوات العملية و المبادرات الوطنية لإخراج البلاد المنهوكة من ظلمات النفق و إحداث النقلة النوعية في كل المجالات، لنرى بالعين المجردة تحولا تاريخيا حقيقيا و حكما ديمقراطيا لا يشك فيه عاقلان. إن الزمن لن يعود إلى الوراء.. بدليل أننا نعيش الآن حقبة الثورة بكل تداعياتها و رهاناتها. و بإمكاننا أن نطمأن أهالينا في كل مكان من هذا الوطن العزيز أننا على السكة الصحيحة التي ستأخذنا إلى بر الأمان، لنقطع نهائيا و إلى الأبد مرحلة الاستبداد و الاستغلال و القمع و التنكيل و القهر. بل سنعبد الطريق الوعرة لتسلكه الأجيال الحاضرة و القادمة بكل فخر و اعتزاز لنعطي بذلك لشعوب العالم نموذجا فريدا من نوعه في التوافق الوطني و الانتقال الديمقراطي و تقنين حق الاختلاف و احترام الآخر رأيا و موقفا و نهجا.
إن المرحلة التاريخية الدقيقة التي نمر بها الآن، تتطلب من هذا الشعب بكل أحزابه و منظماته و جمعياته و نخبه، التمسك بخيار التوافق الوطني و تغليب المصلحة الوطنية على الحسابات الحزبية الضيقة، و الارتكاز في كل المفاوضات و النقاشات و التفاهمات السياسية التي تقم هنا و هناك، على خيارات العقلانية و الواقعية و نبذ "الغرور" السياسية أو النرجسية السياسية..
ليس لنا من خيار سوى الوفاء لدماء الشهداء الأبرار الذين ضحوا بأجسادهم و أعمارهم لننعم نحن بحكم ديمقراطي حقيقي يقطع نهائيا مع الزيف و البهتان و يؤسس بكل ثقة و اقتدار جمهورية ديمقراطية مدنية، قوامها الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية و احترام مبادئ حقوق الإنسان..
إن الإنصات الجيد لمطالب و تطلعات و نداءات كل أطياف الشعب العربي التونسي هو الدرب الصحيح الذي يسلكه الأحرار إمعانا في رمي منظومة الاستبداد إلى مزبلة التاريخ، و عشقا لكل جسد سقط على هذه الأرض من أجل إسقاط أركان الديكتاتورية و إرساء نظام العدالة و الحرية و المساواة و المواطنة.
التعليقات (0)