مواضيع اليوم

ثورة الجياع قادمة...

إدريس الهبري

2013-03-22 21:22:01

0

من ساحة لحبيب بورقيبة إلى ميدان التحرير، ومن تونس إلى مصر، ومن حركة النهضة إلى جماعة الإخوان المسلمين؛ يبدو المشهد ملتبسا، ويبدو المستقبل مجهولا، ويبدو الأمل ضعيفا، ويبدو اليأس يتعاظم يوما بعد يوم.
ما يوحد بين المشهدين في تونس ومصر، هو محاولات التمكين والتمكُّن التي تنتهجها حركة النهضة في تونس وجماعة الإخوان المسلمين في مصر. مع أن المرحلة الراهنة، كونها مرحلة انتقالية بامتياز، تقتضي تضافر كل الجهود وتوحد كل السواعد من أجل الانتقال بتونس ومصر إلى مرفأ الأمان. غير أن عناد الجماعتين أو الحركتين الإسلاميتين، وحرصهما الشديد على القبض على السلطة، ورفضهما الانفتاح على باقي القوى السياسية في إطار من التوافق الوطني، يعيق عملية الانتقال ويجهض كل الآمال التي عُلِّقت على الثورتين.
لقد كان الإسلاميون، في تونس ومصر وباقي الدول العربية، منتجا ماسخا للأنظمة العربية البائدة وغير البائدة، بإيعاز من الإمبريالية العالمية التي كانت، في إبان الحرب الباردة، تجتهد في تقليم أظافر المد الاشتراكي؛ وكان الإسلاميون أداة طيعة لمجابهة الحركات اليسارية، على طول خارطة الوطن العربي، وهي مجابهة اعتمدت فيها الحركات الإسلامية على كل الأسلحة الممكنة.
لكن هذه الحركات الإسلامية، وبعد أن انتهت صلاحيتها في نظر الأنظمة بعد خروج الاتحاد السوفياتي من أفغانستان على يد السلاح الأمريكي والمال العربي وعساكر الأفغان العرب، وبعد انهيار جدار برلين وتراجع المد اليساري، قررت الأنظمة العربية المستبدة والفاسدة القضاء على هذه الحركات المنتهية الصلاحية، فمارست ضدها القتل والاعتقال والاختطاف، فكان أن ارتدت هذه الحركات على أنظمتها فمارست هي الأخرى كل أشكال القتل والإرهاب.
ولا تعدو جماعة الإخوان المسلمين المصرية وحركة النهضة التونسية أن تكونا نموذجين لتلك الجماعات التي سخرت، في وقت من الأوقات، لمواجهة القوى التقدمية اليسارية، ويعاد تسخيرها اليوم لإعادة رسم شرق أوسط جديد، كما بشرت بذلك وزيرة الخارجية الأمريكية الأسبق كوندوليزا رايس في إطار ترويجها لنظرية الفوضى الخلاقة.
لقد وصل الإسلاميون، بتونس ومصر، إلى السلطة بمباركة أمريكية أوربية، وضدا على المسار الطبيعي الذي كان ينبغي أن تسلكه الثورتين؛ حيث بلغ الحال بجماعة الإخوان، بعدما عقدت الصفقة السياسية مع المجلس العسكري للقوات المسلحة المصرية، إلى تقديم انتخابات البرلمان والرئاسة عن صياغة الدستور والاستفتاء حوله، ونفس الشيء بالنسبة لحركة النهضة في تونس؛ وهو ما قاد إلى عملية بناء ديمقراطي مشبوهة ومشوهة. ولا يمكن، بأي حال من الأحوال، إعفاء القوى المدنية اليسارية والليبرالية من الخطأ الذي استدرجت إليه عنوة. لأن الأمر الطبيعي هو أن يتفق الجميع على أن المرحلة الراهنة هي مرحلة انتقال ديمقراطي تستلزم إشراك ومشاركة جميع القوى الوطنية الحية في تدبير الملفات والقضايا الاقتصادية والاجتماعية الشائكة والمعقدة، وكذا التحضير والإعداد لمرحلة ما بعد الثورة، وفي كلا المسارين كان لابد أن لا تغيب أهداف الثورة وشعاراتها عن بال القوى السياسية المتوافقة والمشاركة في صنع حاضر ومستقبل بلدان الثورات العربية.
إلا أن جماعة الإخوان المسلمين بمصر وحركة النهضة في تونس، قررتا التخلص من القوى المدنية التي وقفت خلف الشرارات الأولى للثورة وقادتها حتى هروب زين العابدين بن علي وتنحي محمد حسني مبارك، كما قررتا الاستحواذ على كل مفاصل الدولة والاستيلاء على مؤسساتها، حتى صارت مقولة "الأخونة" تعبيرا صارخا عن مساعي التمكين والتمكُّن التي تسلكها جماعة الإخوان في كل من تونس ومصر؛ وهو ما بدا واضحا من خلال العديد من التعيينات في مواقع تمثل مفاصل الدولة، من القضاء إلى الداخلية والإعلام والأوقاف.
والآن، وبعد وصولهم إلى السلطة في إطار رؤية إستراتيجية تتعدى الحدود القطرية إلى مختبرات وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA)، شرعوا في البرهنة على انعدام الكفاءة والقدرة على إدارة الدولة، حيث تشير كل المؤشرات أن اقتصادي مصر وتونس في طريقهما إلى الانهيار؛ هذا فضلا عن الانقسام والاصطفاف السياسي اللذين أحدثتهما السياسات النزقة لجماعة الإخوان المسلمين في مصر وحركة النهضة في تونس، هذا بالإضافة إلى عناد الحركتين وتصميمهما المبالغ فيه في عدم الانتباه والاستماع إلى أصوات الثوار والقوى المدنية المطالبة بتحقيق مطالب الثورة والقصاص والانفتاح على كل الطاقات الكامنة في الحقل السياسي وإشراكها في تدبير المرحلة الراهنة.
إن الشرخ الذي أحدثه خطاب وممارسات الإخوان المسلمين والنهضة، ومعهما الجماعات السلفية، في صفوف المجتمعين التونسي والمصري بلغ مدى غير مقبول، حيث بلغت الفُرقة أقصاها لمَّا صار الفرز ينهض على أساس ثنائية الكفر والإسلام. لقد صار من المسلمات واليقينيات، لديهما، أن كل من يصوت لصالح جماعة الإخوان المسلمين وحركة النهضة في الانتخابات، فكأنما يصوت لله ورسوله، ومصيره الجنة، وأن كل من يصوت ضد هاتين الحركتين في نفس الانتخابات فكأنما يصوت ضد الله ورسوله، ومصيره النار. الشيء الذي أدخل البلدين في حالة انحسار وجمود سياسيين، وهي الحالة التي شلت الاقتصاد، وزادت من تصميم القوى المعارضة على مواصلة مسلسل التظاهر، وأججت مظاهر الاحتجاجات الفئوية، وأفقدت الشارعين التونسي والمصري الأمل في الغد، وقوَّت من الاعتقاد بضياع أهداف الثورة وفقدانها، بل سرقتها واغتيالها على يد جماعة الإخوان المسلمين بمصر وحركة النهضة بتونس.
إن الفشل الذريع الذي حالف جماعة الإخوان المسلمين وحركة النهضة في تونس ومصر في أول صعود لهما إلى السلطة، وتشبثهما بهذه السلطة رغم مسلسل الفشل الفاحش الذي رافقهما منذ أولى أيام حكمهما غير الراشد، سيقود البلدين، لا محالة، إلى نفق عدم الاستقرار، وإلى الكفر بالثورة وإعادة صياغة نموذج مغاير ومضاد لنموذج الثورة الأولى، قد يكون أقصاه وأقساه ثورة الجياع التي لن تخضع لبوصلة النخبة السياسية، ولن تنصاع وتخنع لتوجيهاتها وتوجهاتها؛ كما لن تنصت لموقف الخارجيتين الأمريكية والأوربية، سواء كان مؤيدا أو معارضا لها.
وحتى تعود الثورة إلى سكتها الصحيحة، لابد أن تعترف جماعة الإخوان المسلمين وحركة النهضة بعدم قدرتهما على إدارة شؤون البلدين، وأن المرحلة تستدعي منهما تنازلات مؤلمة والانخراط مباشرة في توافق سياسي يتيح لكافة القوى السياسية المشاركة في تدبير المرحلة الانتقالية التي يمر بها البلدين، وإلا، فثورة الجياع قادمة.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !