تونس الثورة:
ثورة الإصلاح تحتاج إلى فكر جديد و مستنير
لا إلى رجالات جدد ؟
بقلم محمد بن سالم بن عمر ،كاتب و ناقد تونسي
عضو اتحاد الكتاب التونسيين، و مؤسس دعوة الحق الإسلامية= حزب الشعب و الشريعة القرآنية
Quoraanmajid.blogspot.com
Portable :0021693833734
هناك مخاطر عديدة تتهدد ثورة الإصلاح و التغيير في تونس ، لعل أبرزها الاعتقاد السائد لدى جل التونسيين بأن تغيير "رموز رجالات العهد البائد" كفيل بإحداث التغيير المنشود الذي يطمح إليه كل التونسيين ؟
لقد التقط "هرما السلطة" هذا المفهوم الخاطئ للثورة الحاصلة في تونس واستجابا لمطالب الشعب بأن وضعا "رموزا علمانية" على رأس جل الوزارات و لجان الإصلاح ... و هذا لعمري لن يفضي إلى أي تغيير حقيقي في الواقع الحياتي للناس ، لا على المستوى القريب أو البعيد . و يكفي أن نستحضر الأخطاء الشنيعة التي ارتكبتها الحكومة المؤقتة منذ تعيينها مثل إيقاف بث قناة "حنبعل" و باعثها السيد العربي نصرة و نجله و تفريق المعتصمين بالقصبة بالقوة و حرق موقوفين بسيدي بوزيد وقتل متظاهرين بمدينة الكاف ... و الأخطاء لا تزال مستمرة و لن تتوقف ..
لماذا ؟
لأن التاريخ يؤكد لنا أن الثورات التي نجحت فعليا في إحداث النقلات الحضارية و الاجتماعية ... لا بد أن تنبني على "أسس فكرية راقية جديدة" تتوفر على أرقى ما يمكن أن يتوصل إليه العقل البشري في زمن الثورة .. لكن للأسف الشديد أن كل الذين أسندت لهم مهمة فيما بعد الثورة التونسية هم قوم تبع لمنتجات الحضارة الغربية بشقيها الرأسمالي أو الماركسي ؟ و هذه الأفكار /المنظومات الفكرية الغربية قد أثبتت فشلها الذريع في قيادة الشعوب الغربية نفسها إلى قيم السلم و العدالة و التآخي بين البشر التي دعت إليها كل الأديان السماوية منذ عهد نوح عليه السلام ، و بالتالي لن تكون هذه المنظومات الفكرية الغربية المتبناة من قبل نخبنا إلا وبالا علينا و على مجتمعاتنا التي ترنو إلى مستقبل أفضل من مستقبل الشعوب التي جربت هذه المنظومات الفكرية ، و كلنا يرى و يسمع ما أحدثته هذه المنظومات الفكرية من خراب في أفغانستان و العراق و فلسطين ...
يتهدد ثورتنا "الأصوليون الإسلاميون" بما يرمزون له من فكر تراثي متخلف ، فهم قادمون من متحف التاريخ في طريقة حياتهم و بما يدعون الناس إليه من أفكار تستمد مشروعيتها من تراث الآباء وما ارتأوه في غابر الأزمان من حلول لمشاكل عصرهم الغابر،و من إحياء للوثنيات القديمة و الحديثة، معرضين عن نور الله و بصائره التي تنفر من اتباع الآباء واتخاذهم قدوة و مثالا و تأليههم باتخاذهم مصدرا من مصادر التشريع و التحليل و التحريم .
إن تعدد المصادر التشريعية/ الآلهة التي يعتمدها الأصوليون كما العلمانيون، تفسر كثرة المذاهب و الفرق و الطوائف التي أنتجها الأصوليون على مر التاريخ ، بل لا تجد اثنان منهم يتفقان على رأي واحد مهما أظهرا من انسجام و توافق ؟ و هنا يأتي مكمن خطرهم على الثورة التونسية المباركة التي "قزمت" كل خيارات الأحزاب العلمانية و الإسلامية المتواجدة على الساحة المحلية أو العالمية ، لسبب بسيط أن كل هذه التيارات السياسية ، بينها و بين واقع الشعب الحياتي حجبا كثيفة و أكنة فكرية عازلة تمنعها من إبصار حقائق الواقع المعيش للشعب الثائر.
و هذا الواقع هو الذي يدفع اليوم بـ"الأحزاب الإسلامية و العلمانية" إلى ملاحقة أهداف الثورة التونسية و تبني مطالبها وقتيا ، مبدية تلونا حرباويا- من الحرباء – وانتهازية لا تدانى إلا بانتهازية حزب النظام البائد ..؟
لكنهم لن يصمدوا طويلا حتى ينكشف المستور و يعود كل إلى معدنه..؟
لماذا؟
يعتمد "الإسلاميون و العلمانيون" : مصادر تشريعية/ معايير و ضوابط بشرية نسبية و جامدة في مواجهة حياة مجتمعية متغيرة و متبدلة في كل آن و حين.. و بمرور الزمن تتحول معاييرهم و ضوابطهم عوائق و حجبا أمام رؤية حقائق التحولات الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية للناس.. و هكذا تصبح معاييرهم و ضوابطهم التي استنوها لتسيير مختلف دواليب الدولة عوائق حقيقية عاجزة عن تلبية ما يحتاجه الناس في مختلف ميادين الحياة مما يوقعهم في العسف و الاستبداد و الظلم و التنكر لمطالب الناس و حاجياتهم المتجددة و المتغيرة .
"الأصوليون الإسلاميون" يرون أن ما قام به الرسول الكريم صلى الله من أعمال استجابة للوحي يعد "سنة واجبة الإتباع" في العصر الحديث مثل اللحية و لبس الجلباب و السواك و قتال الكفار فأنتجوا لنا دراويش و مجرمين و إرهابيين ... و العلمانيون يرون أن ما انتجه الفكر الغربي من حرية و ديمقراطية .. واجب الإتباع ، فأنتجوا لنا استشراء الطلاق و الفساد و ضياع الأبناء و العمالة للغرب الاستعماري و الفقر و البطالة ..؟
فما هو الحل ؟
الحل هو في تبني "دين التوحيد الإسلامي" بما يعنيه من اتخاذ القرآن المجيد "مصدرا وحيدا للتشريع" واعتبار الشعب كل "الشعب مصدرا وحيدا للسيادة" واستنباط ما يلائمنا من قوانين استلهاما من بصائر القرآن .
إن اعتماد القرآن "مصدرا وحيدا" للتشريع يعني أن يستحضر العمال و الموظفون و كل فئات المجتمع "شهادة الله " على تنفيذهم قوانين الدولة و قراراتها و خضوعهم إليها حكاما و محكومين . كما يعني تكيف الجميع مع متغيرات الحالات /الوقائع المعيشة، اعتمادا على مقولة تشريعية ربانية " فمن اضطر غير باغ و لا عاد فلا إثم عليه ".
فأن يسرق السارق مضطرا لا يوجب القصاص،و أن يسرق المسئول و ينهب ثروة المجتمع مستغلا سلطته فلا بد أن تقطع يداه و لو كان رئيس الدولة نفسه دون محاباة. و أن يشغل الناس بحسب كفاءتهم المهنية و العلمية و يحملوا المسؤوليات بحسب حب الناس لهم و ليس حب أهل القرارات. فاستحضار المجتمع المسلم للحي القيوم الذي يعلم السر و أخفى و الذي سنقف جميعا بين يديه للمحاسبة، يدفع الجميع لإخلاص العمل و السعي الدءوب لتنمية المجتمع و النهوض به و الوقوف صفا واحدا أمام مطامع الأعداء في الداخل و الخارج.
التعليقات (0)