نزع ورقة التوت التي باتت تستر جشعهم.. وطمعهم.. واستبدادهم..
أربعة وستون عاما ظلوا خلالها يتعاطون غنائم نصرهم في الحرب العالمية الثانية.. وجعلوا العالم كله يدفع الثمن طيلة 64عاما استعماراً . واحتلالاً . ونهباً . وابتزازاً . وسرقة . ونشلاً
كل ذلك بواسطة أربعة فوانيس سحرية لم يملكها غيرهم أحد في العالمين إلا دولة واحدة أضيفت إليهم برغبة العالم ..
وها قد جاء بعد 64 عاماً من يقول لهم كفى .. ألم تشبعوا بعد !!..
أحرق خطابه ثيابهم .. وأحرجهم .. لم يقدر غيره على قولها لهم ..
العقيد القذافي .. الأخ العقيد .. معمر القذافي .. قائد ثورة الفاتح .. ملك ملوك إفريقيا ..
كلها مسميات لرجل واحد خلعها على نفسه أو خلعت عليه أو خلعته من نفسه ..
هو بمثابة الرقم الصعب العصي على التطويع في كافة المعادلات ..
تلك المعادلات التي إذا ما حاولت جميع الدول أو المنظمات أو الجمعيات أو مراكز الدراسات إجراءاها وبها هذا الرقم..فإنها لا تضمن أبداً أن تأتي النتائج متوافقة مع المقدمات .. فهو رجل المفاجآت .. والابتكارات .. والنظريات .. والمؤلفات .. والاقتراحات .. يشذ في آرائه وأفكاره بما يخرجه – حتماً- في نظر الكثيرين عن حدود العقل بل والرشد أيضا..
ويهاجم في أقواله دولاً وملوكاً وحكاماً في عقر دارهم .. ويتسبب في اندلاع أزمات دبلوماسية متكررة تقترب أحياناً من حافة إعلان الحرب .. كثيراً ما يضع ليبيا فوق صفيح ساخن تعتقد أنه لا يبرد أبداً .. ثم تنقلب إلى الجلوس فوق صقيع بارد فتعتقد أنه لا يسخن أبداً أربعون عاماً جعلته عميد حكام العالم ترأساً لسدة الحكم ..
تتراوح آراؤه وأفكاره ما بين الطرافة حد الضحك .. وبين السخرية حد الاستهانة ..
وبين الغرابة حد الدهشة .. وبين الجرأة حد الإعجاب ..
وتلك الأخيرة " الجرأة حد الإعجاب " كان موعدنا معه ومعها في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك ..
لن ينسى العالم هذا الخطاب .. ولزخمه وثرائه ولقابليته الشديدة لحمله على أوجه عدة .. وإمكانية قراءته من زوايا كثيرة ومختلفة ..إلا أنه لا يمكن أبداً التغافل أو حتى محاولة تجاهل الجرأة الشديدة .. والشجاعة غير المحدودة .. والهجوم الكاسح الذي شنه القذافي على النظام العالمي والقوى العظمى ومنظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وأمريكا بالأساس في عقر دارها ..
أثار قضايا لا يجوز لعاقل فضلاً عن أي منصف أن يتغافل عنها ..
باختصار يمكن لجميع أصحاب الأهواء من الحلفاء مروراً "بالأصدقاء" و"الحياديين" وانتهاء "بالخصوم" و"الأعداء" ..يمكن لكل منهم أن ينال ضالته "بوفرة" تأييداً أو تنديداً بخطاب القذافي في الأمم المتحدة .. وإذا اخترنا أن نكون من صنف "الحياديين" حين نقرأ ونتفحص خطاب العقيد القذافي ..سنجد هذا الرجل قد أثار عاصفة عاتية من القضايا التي نام عنها .. أو نام عليها العالم المغبون.. والمسيس طبقا لرغبات .. والمسير في فلك الدول الكبرى والعظمى..
وعلى وجه الأخص الدول الخمس أصحاب المقعد الدائم في الأمم المتحدة وأصحاب خاصية حق النقض أو الاعتراض " الفيتو"
وهذه إحدى أهم القضايا التي أثارها الخطاب وسنقتصر على التعرض لها هنا وسنتناول باقي القضايا فيما بعد ..قال العقيد معمر القذافي ما نصه: تعلمون أن الأمم المتحدة تكونت في الأساس من ثلاث دول أو أربع إتحدت ضد ألمانيا..
هذه هي الأمم المتحدة، وليس منظمة الأمم المتحدة.
منظمة الأمم المتحدة التي هي نحن الآن، شيء آخر، أما الأمم المتحدة فهي الأمم التي اتحدت ضد ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وهذه الدول شكّلت مجلسا سمته مجلس الأمن، وأعطت لنفسها مقاعد دائمة، وأعطت لنفسها الفيتو.
نحن لم نكن حاضرين، وقد فصّلت الأم المتحدة عليها، وطلبت منا نحن أن نلبس هذا الثوب الذي فصّلته هذه الأمم الثلاث أو الأربع التي اتحدت ضد ألمانيا.
هذه هي الحقيقة، وهذا هو أساس هذه المنظمة الدولية.
هل المقاعد الدائمة، نحن متساوون فيها؟ أبداً، نحن غير متساوين.
والديباجة تقول إن الأمم المتحدة متساوية كبيرها وصغيرها في الحقوق.
طيب.. هل حق الفيتو نحن فيه سواسية؟!.
الديباجة تقول "الأمم الكبيرة والصغيرة، متساوون في الحقوق"..
هذه الديباجة، وهذه هي التي وافقنا عليها.
إذن الفيتو ضد الميثاق، والمقاعد الدائمة ضد الميثاق، وهذه نحن لا نعترف بها ولا نقبلها.
يقول الميثاق في الديباجة "التزمنا أن لا تستخدم القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة"..
وهي تقول إن القوة المسلحة لا تستخدم إلا في المصلحة المشتركة لكل الأمم.
لكن وقعت 65 حربا بعد قيام الأمم المتحدة وبعد قيام مجلس الأمن بكيفيته الحالية وبعد هذا التعهد، ضحيتها الملايين أكثر من الحرب العالمية.
هل هذه الحروب التي وقعت والعدوان الذي وقع والقوة التي استخدمت في 65 حربا، هي للمصلحة المشتركة؟!
أبداً.. هي لمصلحة دولة معينة أو دولتين أو ثلاث دول -
وسنأتي لهذه الحروب لنرى هل هي قامت للمصلحة للمشتركة أو لمصلحة دولة معينة-.
وتقول الديباجة "وإذا تم استخدام القوة يجب أن تكون قوة أممية، قوة مشتركة".. الأمم المتحدة بهيئة أركان الحرب هي التي تستخدم القوة، وليس دولة أو دولتان ولا ثلاث.. الأمم المتحدة كلها تقرر استخدام القوة حفظا للسلام العالمي. . وإذا وقع عدوان من دولة على أخرى بعد عام 1945 بعد قيام هذه المنظمة، فإن الأمم المتحدة مجتمعة تقوم بردع هذا العدوان"
((نحن ملتزمون أن ندافع عن سيادة الأمم جماعياً، لكن وقعت 65 حربا عدوانية دون أن تقوم الأمم المتحدة بردعها، وقامت بها -ثماني حروب طاحنة كبرى ضحاياها بالملايين- الدول صاحبة المقعد الدائم في مجلس الأمن وصاحبة الفيتو.
الدول التي نحن نطمئن إليها، ونعتقد أنها هي التي ستحمي الأمن وتحمي استقلال الشعوب، هي التي هددت استقلال الشعوب واستخدمت القوة الغاشمة.
كنا نعتقد أنها هي التي ستردع العدوان وتحمي الشعوب وتبث الطمأنينة في العالم، لكن نجد هذه الأمم تستخدم القوة الغاشمة، وهي تتمتع بمقعد دائم في مجلس الأمن، وتتمتع بما أعطته لنفسها من حق فيتو.))
((الديباجة .. هذا هو الشيء الذي اتفقنا عليه، أما مجيء الفيتو بعد ذلك فهو غير مذكور في الميثاق.ولو قالوا لنا إن الفيتو موجود لما انضممنا إلى الأمم المتحدة، فنحن انضممنا لأننا متساوون في الحقوق.
لكن أن تظهر بعد ذلك دولة عندها حق الاعتراض على كل قراراتنا وعندها مقعد دائم، فمن أعطاها المقعد الدائم!؟.
هذه الدول الأربع أعطت نفسها المقعد الدائم.. والدولة الوحيدة التي صوتنا في هذه الجمعية لمقعدها الدائم، هي الصين، فالصين أعطيناها أصواتنا لكي يكون لها مقعد دائم في مجلس الأمن.))
((الجمعية العامة هي برلمان العالم، هي كونغرس العالم، هي المشّرع، وهي التي قراراتها ملزمة، وهذه هي الديمقراطية، وأن يخضع مجلس الأمن للجمعية العامة ولا يعلو عليها أبداً، ونرفضه إذا هو علا عليها اعتبارا من الآن.
هذه هي السلطة التشريعية.. هؤلاء هم المشرعون للجمعية العامة.
مكتوب إن "الجمعية العامة تعمل كذا وكذا بناءً على توصية مجلس الأمن".. هذا خطأ،
والصحيح هو العكس، هو أن مجلس الأمن يعمل كذا وكذا بناءً على أوامر الجمعية العامة..
هاهي 190 أمة.. هذه هي الأمم المتحدة مع بعضها، وليس مجلس الأمن الذي في القاعة المجاورة، عشرة أشخاص.. أي ديمقراطية هذه!؟ أي أمن!؟
كيف نطمئن على السلام العالمي إذا كان مصيرنا بيد عشرة، وسيطرت عليهم أربع أو خمس دول، أو تسيطر عليهم دولة واحدة بعد ذلك، ونحن 190 أمة موجودون هنا مثل حديقة "هايد بارك".. ديكور؟!!. أنتم عاملينكم ديكورا.. أنتم "هايد بارك".. أنتم لا قيمة لكم.. منبر للخطابة فقط، مثلما تخطب في حديقة "هايد بارك" بالضبط..
تخطب وتمشي، هذا أنتم.
مجلس الأمن سلطة تنفيذية فقط لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة،))
((هذا هو العدل والديمقراطية، وننتهي من حكاية أن مجلس الأمن تحتله دول بعينها.. واحدة تملك القنابل الذرية، وواحدة تملك القوة الاقتصادية، وواحدة تملك التكنولوجيا، وواحدة تملك التقنية.. هذا إرهاب.
لا نستطيع أن نعيش في مجلس أمن مسيطر عليه الذين لديهم القوة الساحقة.. هذا إرهاب.))
انتهى الاقتباس من خطاب العقيد القذافي بالأمم المتحدة ..
أما بعد .. أعيد تذكيركم أننا اتخذنا النظر لهذا الخطاب بعين "الحياديين " لا بعين الأصدقاء أو الخصوم أو الأعداء..وبطريقة أخرى أرجو أن تتخيلوا أن هذا الخطاب قد تلاه لسان الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا.. أو الزعيم الليبي عمر المختار أو الزعيم مارتن لوثر كنج .. أو..أو .. تخيلوا أن أحد هؤلاء الزعماء الذين لا غبار عليهم هو الذي أطلق هذا الخطاب..
فما قولكم فيما أثاره الخطاب من قضايا تؤكد أن العالم محكوم بنظرية غنائم الحرب من قوى خمس أصحاب المقعد الدائم وأصحاب حق النقض والاعتراض على أي قرار تصدره الأمم المتحدة أو مجلس الأمن لا يكون على هواها .. أو لا يكون في صالحها.. أو لا يحقق مصالحها.. أو لا يعجب هوى ..أو صالح ..أو مصالح حلفائها أو أصدقائها ؟؟
وهل من العدل والإنصاف أن تظل الأمم المتحدة ومجلس الأمن يداران على هذا النحو شديد الظلم .. شديد البخس .. شديد العنت .. من القوى الكبرى والعظمى ؟؟
هل من العدل والإنصاف أن تجمع جميع دول العالم على رأي أو قرار فتعترض عليه دولة بحق الفيتو فتوقفه لأنه ليس في صالحها .. وليذهب رأي العالم كله إلى الجحيم ..ولنا في ذلك مئات السوابق التي أخرجت لنا فيها أمريكا لسانها الذي هو حق الاعتراض " الفيتو" في كل قرار أجمع عليه جميع أو جل أعضاء الأمم المتحدة ومجلس الأمن تجاه حروب.. واعتداءات.. وبلطجة ..وعربدة.. واحتلال.. وتحرشات إسرائيل بالدول العربية على مدى تاريخها دون أن يملك العالم الذي هو الأمم المتحدة ومجلس الأمن حيالها شيئا .. .
هذا ما قاله .. أو هذا ما أراد القذافي أن يقوله ..
أما تكفي 64 عاماً تهتلب وتستلب فيه دول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية من خيرات الأمم وثروات الشعوب ؟! ..بينما تلتهب أراضيها بسخونة دماء أبنائها التي أراقها ويريقها الاستعمار والاحتلال على أراضيها ..
وذلك باسم الأمم المتحدة ومجلس الأمن وباسم حق النقض والاعتراض " الفيتو" ..
أما آن لهذا الميزان المختل .. وهذا التوازن المعتل أن يعتدلا ؟..
أما آن للمجمتع الدولي ولشعوب العالم أن تشعر أنها دول وشعوب متساوية في الحق في الحياة والحق في الحرية والحق في السيادة والحق في الدفاع أو طلب الدفاع عن أنفسها ؟؟
هذه إحدى القضايا التي أثارها القذافي في خطابه الأخير ..
كما انه أثار قضايا صادمة لن يقبلها حتى الحياديون أو من بهم مسحة من العقل..
التعليقات (0)