ثورات الربيع العربي
و الحصون من الداخل
بقلم الأستاذ: عمر غوراني
قامت ثورات الربيع العربي ، بقدر محتوم و أجل مسمى ..
و من عجب أن تجد من يجادل في مشروعيتها مشككا ً مرتابا ً ! و كأنّ شرطا ً من شروط قيامها قد نقص .. و لو جادل في تأخـّر قيامها عن موعده لكان أولى ، فإن كيل ظلم الطغاة من سلاطين العرب قد طفح منذ أمد بعيد . . و لو جادل في قيامها في أقطار عربية بعينها و خلو ّ أخرى منها ، أو طول أمدها في أقطار و قصرها في سواها لكان أجدر .
و لئن كان قيام ثورات الربيع العربي حقيقة ماثلة ، فإن الحكم بنجاح تلك الثورات لا يقاس بسقوط رأس النظام ، هاربا ً أو سجينا ً أو قتيلا ً . و لا يقاس حتى بتولي الثوّار مقاليد الحكم بعد المخلوع ، و إن بصورة ٍ سلسة و تسلـّم دستوري مبهر في ألوان طيفه ، كما في الثورة الرائدة ؛ تونس ..
إنّ أهم مؤشر على نجاح كل ثورة في قطرها – فيما أرى – إنما يقاس بمدى الوعي الجماهيري ، و وعي النخب المثقفة و الأحزاب لمتطلبات ثورتهم ، و مدى التزام كلٍّ بتلك المتطلبات ..
إنَّ تعدد الأحزاب و الأفكار و تعدد الآراء السياسية من حول قضية من القضايا ، وطنية قطرية أو قومية لهو أمرٌ جدّ طبعيّ بل بدهيّ ، و إنّ التنافس السياسي لإشاعة كل ٍّ فكرته في مجتمعه ، أو حتى لتولـّيه الحكم لضمان تنفيذ أفكاره التي آمن بها أو برنامجه الذي أعلنه بدهية كذلك ..
و لكن ّ غير الطبعيّ و لا البدهيّ ، أن يكون التنافس في ذلك غير شريف ! لا سيـّما في مرحلة دقيقة خطيرة و جدّ حرجة ؛ هي مرحلة العصف الثوري ، و قبل أن تنجز المهمات..
و مثلما للجيوش المنهزمة فلول ، كذلك للأنظمة البائدة الفاسدة فلول أشد خطرا ً ؛ تقاتل من أجل البقاء ، لأنها طفيلية أصلا ً كانت تتغذى على الفساد بدماء الفقراء و تفسق به ..
و إن َّ فئة ً أخرى ـ و إن قلـّت ـ تريد أن تـُلزم الناس بما ترى جبرا ً و قسرا ً ، كأنها لم تسمع بقول ربها : ( لا إكراه في الدين ) و (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) .. ؟
إنّ الذي يحمل عصاه ليكره الناس على دين الله لم يع ِ الرسالة أساسا ً . و إنه لربما ــ بهذا ــ كان أشد خطرا ً على الثورة ، بل على الدين العظيم نفسه من أعدائه ..!
لا شكّ أنّ خطر أعداء الأمة من خارجها قائم ، وأنَّ كيده و مكره عظيم ٌ كُـبـَّار ، دائب لا يفتر .. و لكن الخطر الأعظم على الثورات و مصائر الشعوب و أمانيـّها ليس من أعداء الخارج ، مهما عظم مكرهم و عـُدّتهم ، بقدر ما هو من داخل القلاع و الحصون ..
إنَّ فلول الأنظمة البائدة خطر على الثورات ، حتى بعد استقرارها .. و إن الذي يسوق الناس بعصاه إلى ربهم ــ و لو صحت نيـّته ــ خطرٌ كذلك .. و لكن أخطر الخطر على الإطلاق ــ فيما أرى ــ تناحر الرفاق ؛ رفاق الثورة أثناءها أو بعد استقرارها فيما بينهم ــ و المرحلة أحوج ما تكون إلى نكران الذات ــ بمنطق التخوين و التشكيك و التحريض و المعاداة الخفيـّة أو المعلنة ، إلى درجة جعلت الثائر يضع ورقته الانتخابية في صندوق البائد ..!
التعليقات (0)