ربما حان الوقت للإعتراف بتميّز وتفرّد شعوب المنطقة العربية عن باقي شعوب الأرض، بمسارها الثوري الديمقراطي المُعاصر ضد الظلم والإستبداد، في إنتفاضات متواصلة ومتلاحقة من دولة عربية إلى أخرى منذ مطلع العام الجاري !.. لأن المنطقة التي لطالما تصدرت دولها، قوائم المنظمّات الدولية لإنتهاكاتها الصارخة في مجال حقوق الإنسان، والتي تعرّضت سياساتها القمعية ضد شعوبها لإنتقادات لاذعة على مرّ عقود !.. تشهد فورانا شعبيا وغليانا جماهيريا فاجأ العالم، وأذهل الدول الديمقراطية الكبرى، التي كانت تحتقر الشعوب العربية، وتعتبرها شعوبا من الدرجة الثانية، وجِزما في أرجل حكامها !..
الشعوب العربية ـ في نظر أمريكا مثلا ـ لاتصلح إلا للإنقياد وامتطاء ظهورها !.. لأنها شعوب عُطلت إمكاناتها، وأُجهضت أحلامها في الرّقي والحضارة والنماء عمدا !.. شعوبٌ تمشي تحت الحيط وتخاف من ظلالها، جرّاء الترعيب المُمنهج المُمارس ضدّها طيلة عقود !.. شعوبٌ كان خنوعها ورضوخها لحكوماتها التابعة ولحكامها العملاء الطغاة القساة، ضمانا لإستمرار إستنزاف الغرب ـ بشكل عام ـ لخيرات الأوطان العربية، وضمانا لإستمرار الغطرسة الأمريكية ـ بشكل خاص ـ الراعية والداعمة لهراطق وتجاوزات الكيان الصهيوني على أرض فلسطين !.. لذلك فانتفاضة تلك الشعوب في وجه حكامها الموالين لأمريكا ـ والرّاعين لأجنداتها والمُكرّسين لسياساتها في المنطقة ـ تُعدّ صفعة قوية في وجهها !..
فالمنطقة التي كساها صقيع أنظمة باردة وقاسية، لَبّدَت سُحب ظلمها واستبدادها واضطهادها سماء الحرّيات طويلا، تشهد تفتح أزهار ربيع ديمقراطي في أرجائها !.. ربيع لم يكن أحدا يتنبأ بحلوله قريبا، حتى أقمار أمريكا وأجهزة تنصتها وتجسسها لم تستطع رصد أجوائه وعبيره ونسائمه، ولم يعرف أحدا ميعاده الدقيق، أو مكان إشراقته الأولى !..
فكان أن أشرقت شمس الحرية بتونس الخضراء، ليستمر إنقشاع الضباب والظلام في أرجاء العالم العربي، وتتبدّى جواهر الشعوب العربية الحقيقية متلألئة، بعدما انكسرت الأصداف، وظهر مما ظهر أن الشعوب العربية تحمل هموما أكبر من هموم الخبز والماء، ومن لقمة العيش التي حرم أغلبها منها لعقود، وبعدما كان تحصيلها لا يكون إلا بشق الأنفس في بحر تسكنه القروش والحيتان !.. ظهر أنها شعوبٌ تحمل هموم أوطانها، وتريد النهوض بها وتنميتها !.. ظهر أنها شعوب أكثر وعيا من حكوماتها التي كانت حريصة على تكميم الأفواه ومُصادرة الحريّات، وكانت حريصة على مراقبة تلك الشعوب ومحاسبتها لأتفه الأسباب، وحريصة على كبح جماحها بترويعها، بالزج المتواصل للمواطنين الأبرياء في الأقبية والزنازين، ووضعهم تحت طائلة التعذيب وتحت رحمة الجلادين !.. ظهر أن تلك الشعوب كانت مُستكينة وساكنة ليس إلا، ولم تكن راضخة لإرادة تلك الحكومات ولا لسيطرة مبادئها وأفكارها وتوجهاتها وإيديولوجياتها !.. وأنها كانت تتحين الفرصة للإنقضاض عليها !..
ظهر أن الشعوب العربية لاتشبه شعوب الأرض قاطبة، وإلا فلم لم تقم ثورات مشابهة تطالب بالحرية والكرامة في مختلف أصقاع العالم، رغم أن الأنظمة الديكتاتورية ليست حكرا على الدول العربية فقط ؟!.. كما أن الحكومات الفاسدة والمستبدة حول العالم تتخطى حدود المنطقة العربية ؟!.. فلِم لم تكن ثورة الشعب بنفس النكهة والطعم والتميز في اليونان الذي يُعدّ رمزا للثقافة والفكر والفلسفة، أين طالب الشعب بالخبز وبملئ البطون والجيوب وفقط، رغم أن أجداده كانوا فلاسفة ومفكرين، وأصحاب عقول لاأصحاب بطون ؟!.. لم لم تقم ثورة في كوريا الشمالية، ولم لم ينتفض شعبها في وجه ديكتاتورها الدموي، الذي جعل من كوريا سجنا بكل ماتحمله الكلمة من معنى، إذا كان همه الحرية والعيش الكريم ؟!.. ولم لم ينتفض الشعب الصيني الأعجوبة في وجه ديكتاتور الصين المتأله ؟!.. يعني مليار ومائتي مليون إنسان يصعب عليهم لفظ جسد (هو جين تاو) إذا ما أرادوا فعلا تخليص أنفسهم من العبودية ؟!.. أو كوبا كاسترو لم لم تقم بها ثورة ضد العائلة العتيقة التي تركت كوبا وشعبها يتخبطان في التخلف ؟!..
الجواب يكمن ببساطة، في أن ثورات (الحرية والكرامة) هي ماركة عربية مسجلة ؟!..
14 . 07 . 2011
التعليقات (0)