"فخامة الرئيس أوباما شخص محترم جداً... أتمنى أن يظل وقتاً أطول في منصبه". هذه الكلمات لم يقلها أحد مؤيدي الحزب الديمقراطي في إحدى الولايات الزرقاء، بل كان عبد الله بن عبد العزيز ملك السعودية وأهم اللاعبين في منطقة الشرق الأوسط التي تزنّر خاصرتها الحرائق، ولعبت أكثر من مرة دور الإطفائي الموثوق به من قبل الغرب.
وتعكس هذه الكلمات طبيعة العلاقة بين الزعيمين التي أثرت إيجاباً على التعاون الثنائي بين الرياض وواشنطن، عقب سنوات من الجمود وصلت فيها علاقات الكبار بين البلدين إلى حد القطيعة، إذ أحجم الملك عبد الله عدة مرات عن زيارة البيت الأبيض، وقلّت خطوات الرسل والزوار بين العاصميتين اللتين لم تكن خطوط الهاتف تنقطع بينهما قبل ذلك بتاتاً.
وجاء لقاء عبد الله – أوباما قبل أيام معدودة من مناورات "العلم الأحمر" التي تشارك فيها القوات الجوية السعودية رفقة نظيرتها الأميركية وعدداً من الدول الحليفة في الشرق الأوسط، وذلك في إطار الإستعدادات الدولية لما قد يسفر عنه التصعيد الغربي في مواجهة إيران، حيث بات من المتوقع أن تكون الضربة للمنشآت الأيرانية خلال منتصف العام المقبل.
وتقول همسات الوفد المرافق، والسعوديين في واشنطن ذوي القرب من مراكز صناعة القرار، أن إدارة الرئيس أوباما بدت أكثر اقتناعاً واستعداداً لدعم صفقة التسلح الجديدة مع السعودية والتي تهدف إلى تحديث الأسطول الجوي السعودي بعشرات الطائرات الجديدة من طراز "اف-15"، وتطوير قدرة الطائرات القديمة.
وهذا يعني أن أوباما نفسه هو الذي سيتولى مواجهة الكونغرس، الذي يرفض صفقة كهذه جملة وتفصيلاً كونها ستؤثر على ميزان القوى في الشرق الأوسط، كما فعل ريغان حين أشترى السعوديون لأول مرة هذا النوع من الطائرات قبل ربع قرن، وانتهى الأمر إلى صالحهم بعد معركة أستهلكت أشهراً وملاييناً من الدولارات الخضراء.
ويقول جميل الذيابي، وهو مدير تحرير صحيفة "الحياة" في السعودية، وهو يتحدث مع "إيلاف" من واشنطن، عن كيمياء العلاقة الشخصية بين الزعيمين: "أوباما يصف الملك عبد الله بأنه رجل الحكمة وينظر إليه على أنه نموذج مختلف عن الزعامات الموجودة في المنطقة الشرق الأوسط... هناك رغبة أميركية في تعميق العلاقات أكثر".
وهذا هو اللقاء المعمّق الثاني بين الزعيمين، توسطته بضعة لقاءات عابرة خلال مناسبات دولية متفرقة خلال الأشهر الفائتة. وكان أهمها اللقاء الذي تم في الرياض بعد أشهر من تولي أوباما زمام الحكم، والذي قال عنه دبلوماسيون غربيون أن أوباما "ربح قلب الملك خلال ساعتين" في ذلك الإجتماع.
ويضيف الذيابي قائلاً عن تطور العلاقة الشخصية في زمن بسيط: "العجيب هو هذه الصداقة السريعة بين الزعيمين جراء أربعة مقابلات رسمية لا أكثر. لا يمكن القول أن العلاقة هي أكثر من بوش لكن أوباما يقترب من السعوديين أكثر ويراعي رأيهم ويأخذ مشورتهم".
ولم يعرف كيف ولماذا وماذا حدث خلف أسوار مزرعة الملك في الجنادرية، وهي مقر الملك السعودي حين يريد الاستجمام، كما هي "كرووفورد" لبوش وآله، و"كامب ديفيد" للزعماء الأميركيين كافة، وذلك لأن السعوديين يتحفظون على محادثتهم الخاصة مع المسؤولين الأجانب، لكن يبدو أن أوباما أفلح في توضيح طبيعة الدور الأميركي للملك.
وفتح وصول أوباما إلى الحكم الباب أمام مراجعة صورة اميركا في المنطقة، بل في السعودية نفسها على وجه التحديد، حيث كان كره أميركا قد وصل إلى سقفه الأعلى، ليتحوّل إلى صورة أكثر إيجابية بفضل أوباما وأكثر من ثلاثين ألف طالب سعودي يدرسون في الجامعات الأميركية، ويدعمون فكرة أن التحالف مع أميركا ضروري لخدمة استراتيجية المملكة في الشرق الأوسط.
ويقول عضوان الأحمري، وهو صحافي في "الوطن" السعودية، ألتقى الملك بعد ساعات لقاءه مع أوباما رفقة عدد من الطلاب السعوديين في أميركا:" علاقة الملك عبد الله مع أوباما ممتازة جداً ومهمة لتعميق الصداقة بين البلدين لأنهما يتشاركان المصالح الإستراتيجية ذاتها في المنطقة".
ومع أن السعودية مشهورة بعلاقتها الوطيدة مع الجمهوريين منذ عقود، إلا أن ذلك لم يمنعها من تعيين سفير يمتاز بعلاقة جيدة مع الديمقراطيين هو عادل الجبير الذي يعتبر واحدا من تلاميذ مدرسة رئيسه السابق الأمير بندر بن سلطان، ثم أرتقى إلى أن أصبح مترجماً خاصاً لرئيس رؤساءه، إلى أن تولى زمام أهم سفارة سعودية في الخارج.
إلا أن الأحمري يستدرك القول: "لا يمكن أن نقول ان علاقة الملك عبد الله مع أوباما اقوى من بوش... العلاقة مع آل بوش تاريخية وقديمة جداً".
التعليقات (0)