ثم ماذا بعد معركة ذات الكراسي؟
مصعب المشرّف
9 مايو 2019م
حاول المجلس العسكري الإنتقالي بإيعاز من بعض مستشاري النظام السابق الذين لا يزالون يسرحون ويمرحون ويزحفون داخل أروقة القصر الرئاسي ... حاول المجلس ضرب قوى الحرية والتغيير بأحزاب الفكّة .... وحددوا لهذا "الفتح العظيم" يوم الأربعاء 8 مايو 2019م في قاعة الصداقة .... والطريف أنهم وجهوا الدعوة أيضا إلى قوى الحرية والتغيير ، كأنهم بذلك يرغبون أن يعودوا بالموقف إلى المربع الأول ؛ ويلحسوا إعترافهم الرسمي السابق بأن قوى الحرية والتغيير هي الممثل الشرعي للأغلبية من الثوار أصحاب ثورة 19 ديسمبر الحقيقيين ؛ الذين قدموا الضحايا وفتحوا صدورهم وأيديهم عارية في مواجهة رصاص الإنقاذ الحي بشجاعة حسدتهم عليها شعوب الأرض قاطبة.
حسنا أن قوى الحرية والتغيير لم تستجب لتلبية دعوة المجلس العسكري بالحضور . فهي لو كانت قد حضرت لكانت قد تورطت ولطخت سمعتها وتاريخها بما جرى من صراع وشتائم وتشابك بالأيدي وضرب بالكراسي .. وحتماً كان جداد الكيزان قد إدعى أن من أشعل هذه العركة هم فوى الحرية والتغيير. وليست أحزاب الفكّة وأم فـكّـو وجنرالات الخـلاء الذين تزين بهم حزب المؤتمر الوطني كيكته البايتة المصوفنة الناشفة..
معركة ذات الكراسي ؛ شاء المجلس العسكري أو لم يشاء ... شاء مستشاروه أو لم يشاءوا ؛ جاءت قاصمة الظهر ، وبمثابة السحر الذي انقلب على الساحر ... وكفى بها فضيحة ينبغي أن تخرس كافة الألسنة المعووجة ذات الأجندة الخبيثة. التي كانت تزايد على أحزاب الفكة هذه وتحاول حشرها قسراً في مقدمة المشهد السياسي ، وتلميعها على زعم أنها معبر حقيقي عن كافة الشعب أو قطاعات منه .... أو أنها تصلح لقيادة مرحلة مفصلية من مراحل الوطن وتعبر به إلى بر الأمان.
الآن وبعد معركة ذات الكراسي . نرجو أن يكون المجلس العسكري قد وعي الدرس بدرجة ذكي .... . وأدرك ملامح الطريق الذي يصلح إنتهاجه ، طالما كان المراد هو إستقرار البلاد ومصلحتها والمضي بها قدماً إلى الأمام...... أما إذا كان المراد شيئاً آخر ولمصالح أخرى غير مصلحة الوطن فإن لكل حادثة حديث.
إستنساخ الماضي من إنتفاضة أبريل 1986م والتوقف عند إنقلاب سوار الذهب . وما جرى بعد فترة العام الواحد الإنتقالية لن يكون هو الحل الأمثل الآن ..... فقد تغيرت الكثير من الحقائق والقناعات وسبل الحلول في أدمغة الشباب الذي قاد هذه الثورة لتحقيق حاضر ومستقبل أفضل له ولأبنائه .. ومن الواجب أن يفسح له المعاشيين والعجايز ومن تجاوز الثمانين الساحة ويفتحوا له الطريق.
لن يستطيع المجلس العسكري الإنتقالي وحده إدارة شئون البلاد .. ولن يستطيع أن يديرها بقوى الكراسي أحزاب الفكّة ...... كما أنه لن يستطيع إدارتها بفلول الكيزان . فجميع هؤلاء لايرضى عنهم الشعب ومن المحال أن يسمح لهم الشعب بالعودة .... ستتعطل مصالح البلاد والعباد وتشلها الإضرابات والعصيان المدني والعسكري . بل أن باطن الأرض خير من ظاهرها إن عاد هؤلاء الكيزان من الأبواب الخلفية. وهم معروفون مرصودون للشعب بالأسماء .. ومن المحال القبول بهم.
إن شرعية المجلس العسكري الإنتقالي هي شرعية أمر واقع أمني .. وشرعية قوى الحرية والتغيير هي الأخرى شرعية واقع ثوري شعبي...
شرعية قوى الحرية والتغيير تحققت وتكرست قبل شرعية المجلس العسكري الإنتقالي الذي "حل ضيفاً" على الثورة الشعبية . وجرى تعديل تشكيلته مرتان حتى الآن.
ومن ثم فلا يتناطح كبشان في السودان أو وزارة الخارجية الأمريكية والإتحاد الإفريقي والأوروبي على جقيقة أن قوى الحرية والتغيير هي الأصل . وأن المجلس العسكري الإنتقالي هو الطاريء .. وأن هذا المجلس العسكري بذلك إنما يستمد شرعية مجيئه وتواجده من شرعية الثورة الشعبية ..... الثورة الشعبية التي فجرها إتحاد المهنيين في البداية ؛ وتمثل القطاع الأوسع منها الآن قوى الحرية والتغيير... فبأمرها يتم الإحتشاد .. وبأمرها تسير التظاهرات .. وبأمرها سيكون الإضراب .. وبأمرها سيكون العصيان المدني لو أضطر الشعب إلى ذلك ...... ومن نافلة القول أن نذكر المجلس العسكري الإنتقالي أن العصيان المدني يعني بالضروة فقدانه لشرعيته في الداخل والخارج.
أمس فقط إتصل نائب وزير الخارجية الأمريكي برئيس المجلس العسكري الإنتقالي الفريق أول برهان .... ومن لم يستمع إلى تفاصيل المحادثة فهو حتما يدرك ماذا قال نائب وزير الخارجية الأمريكي .... وقد شدد النائب على أن الولايات المتحدة (وحلفاءها بالطبع) يقفون إلى جانب خيار الشعب السوداني. وخياره في تبني النهج الديموقراطي سبيلاً للحكم ......
إن الأفضل للمجلس العسكري الإنتقالي إذن أن يصغي جيداً وبكل الجدية والذكاء إلى نصائح الأسرة الدولية الفاعلة التي تنظلق من قواعد مؤسساتية راسخة . وتفرض قناعاتها هذه على غيرها بحكم الأمر الواقع والعقل السليم . فلا الصين تجدي ولا تركيا تنفع ..... ولا نرغب أن نرى ونسمع الفريق برهان أو غيره من أعضاء المجلس العسكري يخرج علينا غـداً بمقولات قالها المخلوع عمر البشير سابقاً من قبيل "أمريكا دنا عذابها" و "أمريكا تحت جزمتي"..... ثم ندم لاحقاً ولات حين ندامة حين كشف عـن ســاق ودُعِيَ للسجود فلم يستطيع.
مهما حاولت فلول الكيزان ومتسلقيهم من الطفيليات المتعلقة بجلودهم النيل وذر الرماد في العيون . فإن الشعب يدرك أن قوى الحرية والتغيير ليست مقصورة على الشيوعيين والبعثيين. ولكنها تشمل كافة الأحزاب والتنظيمات الفاعلة على الأرض والقادرة على قيادة الحاضر والحفاظ على مكتسبات جماهير الثورة وتحقيق مطالبها.
التعليقات (0)