ثم ماذا بعد المقاطعة ؟ ( 2 - 2 )
بقلم / الزبير محمد علي
صوت الأمة
كنت قد وعدت القارئ الإسبوع الماضي بتناول هذا السؤال بشكل أكثر عمقاً وتحليلاً. وقد بدأ لي ألا أنشر هذا المقال تلواً لرصيفه السابق مباشرةً.
بخلاف هذا المقال الذي لم أشرع في كتابته إلا قبل يوم فقط من تاريخ النشر – أي يوم أمس الأربعاء -. وفلسفتي في الأساس ترتكز علي إستيعاب المستجدات التي قد تطرأ علي الساحة السياسية. وقد أفادتني كثيراً هذه الفلسفة؛ ذلك أنها تُمكَن الكاتب من إلصاق المتغيرات السياسية ودمجها في ثنايا المقال خاصةً إذا تناول موضوعاً سياسياً يدور في فلك الأحداث اليومية لا موضوعاً إيديولوجياً.
وقد يسأل قارئ ما علاقة كل هذا بموضوع المقال ؟
يبدو واضحاً للعيان حجم الأحداث التي إستجدت علي الساحة السياسية بعد يوم الخميس الماضي – تاريخ نشر المقال السابق -؛ أبرز تلك المستجدات هي:
- الموتمر الوطني يستبق إعلان نتائج الانتخابات، ويطرح مبادرة حكومة ذات قاعدة عريضة تارةً تُستثني منها الأحزاب المُقاطعة للانتخابات، وتارةً أُخري تُدعي للمشاركة فيها!.
- الأحزاب المُشاركة في الانتخابات ترفض الإعتراف بنتائجها، والميرغني يدعو لإعادتها بعد الإستفتاء. وهناك مرشحون مستقلون يسحبون وكلاءهم قبل عملية الفرز – إبراهيم هباني كمثال -؛ وبالتالي يعلنون عدم إعترافهم بنتائج العملية الانتخابية.
- الحركة الشعبية تعلن إحترامها لنتائج الانتخابات بعد إجتماع الثُلاثاء الماضي الذي ضم رئيس الحركة الشعبية الفريق سلفاكير، ونائب الرئيس السوداني علي عثمان محمد طه.
- مركز كارتر، وبعثة الاتحاد الأوروبي أصدرا تقريران منفصلان عن الانتخابات السودانية؛ وهما تقريران أوليان سوف تليهما تقارير أُخري نهائية تُرفع للجهات الدولية ذات الصلة بالانتخابات السودانية ( الإتحاد الأوروبي – الرئيس أوباما ).
- شبكة منظمات المجتمع المدني السوداني التي تضم ( تحالف تمام الذي نشر ألفي مراقب في تسع ولايات، المنتدي المدني القومي – 1420 مراقب في سبع ولايات؛ الجمعية السودانية لحماية البيئة؛ ومنظمة العدالة الإفريقية ). هذه الشبكات الأربع أصدرت تقريراً أوردنا بعضاً منه في مقالنا السابق؛ ولكن الجديد في الأمر أن هذه الشبكات طرحت توصيات بناءاً علي تقارير مراقبيها؛ أهم تلك التوصيات هي :
- حل المفوضية القومية للانتخابات، وتكوين مفوضية جديدة تحظي بالقبول والثقة من الأطراف المُختلفة .
- إجراء تعداد سُكاني جديد.
- تعديل القوانين المُقيدة للحريات.
- توفير مُناخ صحي يسمح لأهل دارفور بممارسة حق الانتخاب دون عوائق.
- إعادة الانتخابات بعد الإستفتاء علي تقرير المصير بالنسبة لشعب جنوب السودان.
عزيزي القارئ إذا أمعنا النظر في التوصيات المذكورة آنفاً فسوف نجد أنها تُمثل حقاً طبيعياً للموطن السوداني الذي يُريد أن يختار من يحكمه بشرط توافر إستحقاقات النزاهة والحياد. كما أنه وبنظرة واحدة إلي المواقف السياسية المُختلفة فسوف لن نختلف في أن كل الأطراف ذات الصلة بالانتخابات ترفض نتائجها سوي:
- الموتمر الوطني وأحزاب التوالي.
- مركز كارتر، وبعثة الإتحاد الأوروبي؛ وهؤلاء لم يرفعوا التقارير النهائية. ولكن واضح تماماً من تصريحات الرئيس أوباما، وبعض المسئولين في الإتحاد الأوروبي أنهم سيعترفون بنتائج الانتخابات، علي الرُغم من عدم مطابقتها للمعايير الدولية.
- الحركة الشعبية.
لا شك أن الأطراف التي قبلت بنتائج الانتخابات لها أجندة مُنتظرة مُقابل هذا القبول؛ تلك الأجندة هي أن الحركة الشعبية ومن ورائها المجتمع الدولي لا يأبهان بما يدور في شمال السودان؛ ولذلك فإن قبول هذه النتائج ليس مقنعاً لهم؛ ولكن في الوقت ذاته لا يكلفهم شيئا.
ولك أن تتصور إذا رفضت الحركة الشعبية نتائج العملية الانتخابية ماذا سيحدث ؟
سوف يُعطًل الحزب الحاكم في الشمال إستحقاق الإستفتاء علي تقرير المصير؛ وهذا ما تعتبره الحركة الشعبية خطاً أحمراً لا يجوز المساس به.
إذن كل الأطراف الوطنية الواعية ترفض نتائج هذه الانتخابات – بإستثناء الحركة- ؛ وبالتالي تقر هذه الأطراف ضمنياً بأن قرار المُقاطعة كان سليماً مائة بالمائة.
هناك سؤال محوري يجول في عقول الكثيرين؛ ثم ماذا بعد المقاطعة ؟
سوف أجيب علي هذا السؤال في إطار حزب الامة عبر خمس نقاط.:
أولاً: لابد من توظيف الزخم الإعلامي الذي صاحب العملية الانتخابية في إطار الإنتفاضة التنظيمية؛ وهذا يعني بالضرورة تفعيل أمانة التنظيم التي جُمدت ضمنياً. كما أري أن هناك ثمة إلحاح علي إلغاء فكرة المشرفين الولائيين؛ لأنها تُمثَل تضخيماً ورمياً للجسم التنفيذي دون جدوي، وقد ظهر كيف أن أبرز هؤلاء المشرفين كان أول من داس بحذائه علي قرار المكتب السياسي القاضي بضرورة مقاطعة الانتخابات.
ثانياً: هناك ضرورة مُلحة لعقد موتمر إستثنائي تمهيداً للوحدة التنظيمية بين حزبي الأمة القومي، والأمة بقيادة السيد مبارك. ولكن يبدو أن هناك تيار يعمل من أجل إجهاض هذه الوحدة. وقد قالها السيد الإمام في حوار مع مجلة الامة: ( أن هناك عناصر داخل الحزب تري أنه لا داعي لأي إجراء من هذا النوع؛ كذلك هناك عناصر في الأطراف الأخري غير معنية بالمصلحة العليا للحزب ).
ولكن ستظل هذه الاعداد قليلة كما أشار السيد الإمام. الأعداد الاكبر هي التي تُرحب بوحدة عاقلة وعادلة بين الأطراف المُختلفة.
ونحن نتمني في النهاية أن يقوم هذا الموتمر لهدفين، الأول: لكي تتم وحدة الحزب في الإطار التنظيمي، والثاني: لكي يتم إستيعاب الدماء الجديدة التي أفرزتها العملية الانتخابية.
ثالثاً: فكرة الموتمر التداولي بالنسبة للمرشحين مهمة، وقد علمت من مصادر مُطلعة أن هناك نقاش يدور حول الدعوة؛ هل تُوجه لمرشحي منصب الوالي فسحب، أم تضم كافة المرشحين.
وفي تقديري من الأفضل أن تتم دعوة كافة المرشحين إذا توفرت الظروف، وتهيأ المُناخ؛ لأن في ذلك تقديراً وإكراماً لكل المرشحين لاسيما أنهم صرفوا علي الحملات الانتخابية من مواردهم الذاتية.
رابعاً: مسيرة الإصلاح الحزبي تُوجب إصدار قرارات واضحة بشأن الذين لم يلتزموا بقرار المكتب السياسي فيما يتعلق بمقاطعة العملية الإنتخابية.
إن ترك هؤلاء دون محاسبة سوف يفتح الباب واسعاً أمام التمرد علي قرارات الحزب مستقبلاً. ولا شك أن حزب الأمة في الماضي تساهل في مثل هذه الإمور حتي قال أحد كوادر حزب الأمة مبرراً إنضمامه لتيار سياسي آخر: ( كان لقينا حاجة عند الجماعة ديلك يكون خير وبركة، وكان ما لقينا نرجع تاني للزريبة !). في إشارة إلي أن حزب الأمة يتهاون في أمر المتمردين علي الموسسة الحزبية.
التعليقات (0)