ثم ماذا بعد (فتوحات) البراري؟
مصعب المشرّف
9 مارس 019
استغلت مليشيا مجهولة فراغ حي بري الدرايسة من شبابه. وانشغالهم عصر الجمعة 8 مارس 019 في مظاهرات في شارع المعرض . فدخلت هذه المليشيا الى حي بري الدرايسة . واعلنت عبر مكبرات الصوت واصوات السرينات احتلالها ميدان الدرايسة داخل بري . وجالت هذه المليشيا داخل الميدان يصاحبها خطاب استفزازي غير مبرر من احد قياداتها ..... ثم ما لبثت هذه المليشيا ان اخلت الميدان وانسحبت سريعا ، بعد توافد طلائع مجموعات من شباب بري يحملون العصي والعكاكيز...... وبذلك إنقلب السحر على الساحر . وتحول نصر البُرهة القليلة إلى هزيمة معنوية ممتدة نكراء .. وإنهالت من جرائها عديد السخريات.
بداية أشير هنا إلى بيان المتحدث الرسمي بإسم وزارة الداخلية على إعتبار أنه جاء بمبررات مقنعة وسليمة. وأن هذا الفعل وفق السيناريو والحوار الذي حدث يه والذي إنتهى به لم يكن ولن يكون من أساليب الشرطة خاصة أو القوات النظامية عامة.
وفي هذا السياق ؛ فإن الذي يعزز حديث المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية هو أن عملية دخول الميدان والإنسحاب منه لم يكن وفق خطة عسكرية أو أمنية منظمة محكمة ... ثم أن الشرطة لا تشغل نفسها بإحتلال الميادين الخالية من أهلها ـ وتنادي على الأهالي (على طريقة البلطجية) للخروج من بيوتهم ومواجهتهم....... لم نسمع بقوات شرطة نظامية تفعل ذلك حتى في عصور الحجاج بن يوسف ، و تيمور لنك.
كذلك لوحظ ذلك الخطاب "الكوزي المؤدلج" الذي تحدث به أحد قيادات هذه المليشيا بواسطة مكبر الصوت داخل الميدان ...... ,وإعلان الشُهرة النمطي عن "أدائهم للصلاة" في الجامع ..... وكذلك كانت "النبرات" تفضح صاحبها ، وتؤكد أنه خريج مراكز ساحات دعوية وليس خريج كليات شرطية أو عسكرية . وأنه لم يتلقى تدريباته في قشلاقاتها على أيدي وأبجديات صولاتها.
الذي أرغب في توضيحه على ضوء هذه السابقة في بري الدرايسة هو ان العنف لن يُولّد سوى العنف ..... وان "الاستفزاز" بوجه خاص هو اكثر ما يثير حفيظة الانسان السوداني ويخرجه عن طوره وطبيعته الطيبة المسامحة المسالمة.
والشاهد أن الاحول قد هدأت بعض الشيء هذه الأيام لأسباب تتعلق بإمتحانات طلاب الشهادة السودانية . ولكونها مرحلة دراسية مفصلية في حياة الطالب .... وكان ينبغي لهذه المليشيات الغير نظامية ان تتفهم اسباب هذا الهدوء . فلا تسارع إلى جرد المخازن على وهم بأن الناس قد خافت واستسلمت للهزيمة ، وانفض السامر .... وحانت ساعة الحساب الوَلَدْ.
وبدلاً عن المسارعة بالتشفي كان ينبغي استثماره سويعات الهدوء على نحو ايجابي لمصلحة إصلاح ذات البين وجبر الخواطر لتحقيق بعض هدوء الاحوال وبعض الاستقرار .. هذا إذا كان حاضر ومستقبل البلاد يهمهم ، ويشغل بالهم ويسيطر على تفكيرهم وقناعاتهم ... ولكن يبدو ان البعض اما انه لا يفهم ولا يحسن قراءة المشهد او انه يسعى من اجل مصالحه الخاصة الى الضغط في اتجاه استحداث اضطرابات مسلحة داخل العاصمة ؛ بما تتمكن به قيادات هذه المليشيات من فرض مبررات وجودها ثم الاستيلاء على الحكم او نصيب الأسد القضنفر منه على اقل تقدير .
إن على البعض في القيادات المرجعية والعليا لهذه المليشيات أن يدرك أن إستنساخ حلول الجنوب السابق ـ، ودارفور وجبال مرّة غير ممكن لأسباب تتعلق بالحاضنة والمجال الحيوي سواء لقيادات هذه المليشيات العليا أو الدنيا خاصة .....
في دارفور والجنوب السابق كان هؤلاء يذهبون إلى هناك فيفعلون ما يشاءون على إدراك منهم أنهم سيعودون عاجلً أو آجلاً إلى مناطقهم ، ويحتمون بحواضنهم القبلية والإجتماعية ومجالهم الحيوي في الوسط والشرق والشمال . وأنهم سيظلون بمنجاة من الحساب والمساءلة والعقاب ...... ولكن في الحالة الراهنة نرى أن هؤلاء يمارسون هذه الإستفزازات والعنف داخل حواضنهم هذه المشار إليها ... وهو ما قد يعني أنهم بذلك إنما يهدمون المعبد فوق رؤوسهم.
إن على البعض في قيادة هذه المليشيات ان يدرك ان استنساخ النموذج السوري في السودان مستحيل ومحال . فالنظام السوري لم ينجو بجلده من السقوط الاّ بعد تدخل الجيش الروسي بتكنولوجيته المتقدمة واسلحته الفتاكة وطيرانه المدمر .... وكذلك تدخلت الى جواره ايران وحزب الله اللبناني ..الخ. من قوى وامكانات ومليشيات طائفية عراقية ..... ومثل هذه الظروف المواتية لنظام بشار الاسد العلوي في سوريا لا تتوفر منها حتى 1% في الحالة السودانية... ولن تتوفر حاليا او مستقبلا.
ثم أن القبلية في السودان ليست كالقبلية في صحاري ليبيا ... أو القبلية والطائفية معاً في جبال اليمن.
وعليه فان الحرب الاهلية لن تكون باي حال من الاحوال الخيار الممكن (ناهيك عن الافضل) لقيادات هذه المليشبات التي افصحت اليوم عن وجهها الحقيقي ومرادها الاشمل في حرصها على استفزاز المواطن السوداني بكافة الاساليب ولامر في نفس يعقوب اوضحته اعلاه.
التعليقات (0)