مصدر الشقاء في الدنيا للإنسان هو الإنسان نفسه فهو الذي يعتدي عليك ويضايقك وينازعك في بيتك وشارعك وبلدك وعملك وأكثر الناس إيلاما لك هم المقربون لأن جرح ذوي القربي أشد وآلم. ولا تجد حيوانا أو مخلوقا ينازعك أو يضايقك كالإنسان. وأنت أيضا كذلك تؤذي أخاك بتصرفك وحقدك وحسدك وطمعك وأنا أيضا أفعل كل ذلك ولا يعترف أحد بهذه الحقيقة أبدا رغم أنها واضحة جدا. إن من رحمة الله أن يكون بيننا من يعترف بخطئه ومن يعدل بينه وبين الآخرين ولا يعتدي علي أحد وهم علي كل حال قليلون. إن الحرية التي يتمتع بها الطيور التي تجوب السماء دون خوف ودون صراع إلا من الطيور المفترسة التي تفترس غيرها للحصول علي الطعام لكنه صراع بين أنواع مختلفة وليست بين نوع واحد فيما بينه. والإنسان غير ذلك فعدوان الإنسان يكون علي الإنسان وعلي كل المخلوقات. وإذن فمن هو المفترس؟ إنه الإنسان الأشد وحشية من غيره. وعقل الإنسان هو الذي أنتج المدمر من الأسلحة وقتل بوحشية لا نظير لها الملايين من أبناء جنسه وما زال يفعل وهو الذي دمر البر والبحر والغلاف الجوي بنفاياته ومخلفاته.
كلما تكشف المزيد من أسرار السياسة كلما زاد احتقارنا لهذه الدنيا التي نحيا فيها في ظل هذا الكذب والعدوان والتآمر والتجسس ممن يديرون شأن العالم وهم من البشر لكنهم تركوا كثيرا من صفات الرحمة والعدل والشرف وكلما ترسخت أقدامهم صاروا أشد اقتناعا بالقاعدة المكيافيلية (الغاية تبرر الوسيلة) ولا نجد أن القانون الذي يحكم يستند إلي ميزان العدل والحق ولكنه أقرب من قانون الغاب الذي يتسيد فيه القوي علي الضعيف ومن أراد أن يحمي الحق فعليه أن يمتلك أسباب القوة ليرد الظلم بقدر استطاعته حتي لا يستسلم كلية للعدو الذي لن يتركه في سلام وخاصة إذا كان لديه من الثروة ما يسيل لها لعاب العدو المتربص لاغتصاب الثروة وإذلال الضعفاء. إن ما نشاهده من العدوان الغربي علي أمتنا كان بسبب الثروة النفطية والمعدنية التي جلبت علي الشرق كل الحروب والويلات وليتنا لم نمتلك ثروة موبوءة كهذه أو بنينا قوة تحميها. إن الغرب لم يترك لنا فرصة لنتقدم علميا أو لنمتلك ما نحمي به أنفسنا وكلما بدأت دولة من دولنا في السير في طريق التقدم أشعلوا حربا عليها وحصارا يمنع خروجها من السيطرة. ولن يكون لهذه المنطقة شأن إلا بانتفاضة أبنائها ضد هذه الهيمنة البغيضة وقد برهن شباب ثورات العرب أن الشرقيين يمكنهم امتلاك أمرهم وتسيير شأنهم بالإصرار علي التمرد علي هذه الهيمنة وليت باقي دول الشرق تتبع هؤلاء الرواد في الانطلاق قدما إلي التحرر الحقيقي حتى تشعر شعوبنا بالآدمية ولا تبقى قطيعا مطيعا من الأغنام يسوقها راعي البقر.
الأمم ترتبط بقادتها وخاصة التاريخيين منهم الذين تكون لهم صفات استثنائية واحترام للذات وتغليب للمصلحة القومية الوطنية علي المصالح الشخصية حين تكون نظرتهم للحياة أشمل من الكرسي وأطول عمرا من الرئاسة. والأمم تتبع قادتها من حيث الشباب والرجولة والكهولة فهي تشب مثلهم وتبلغ أشدها في رجولتهم وتشيخ معهم ولكل مرحلة عمرية لمجموع القادة في أي دولة تأثير علي قرارها من حيث الثورية أو التعقل وتميل إلي الهدوء في حالة شيخوخة القادة الذين يميلون إلي السكون. إن الحياة متحركة والجهد يكون متوفرا عند الشباب. إن الأمل الذي يراود شباب الأمة لا يستطيع الكبار تلبيته فهو يحتاج للركض والعدو والمحاورة والجرأة وكل تلك الصفات تتوفر في الشباب وليس في من تضخمت ثروته فيخاف عليها أو من اعتاد علي الكرسي الوثير أو من اقتربت رقبته من مقصلة الموت والفناء. إن حكمة الشيوخ مطلوبة لكنها لا تكفي ولا تثمر دون جهد العلماء وطموح الشباب وتنظيم الخطى علي طريق تنمية الثروة البشرية وتأكيد أهمية البحث العلمي والصرف عليه دون بخل والبحث عن مصادر القوة في الوطن وتنمية الشعور بالانتماء لدي المواطنين بتحقيق العدل والمساواة والتوقف عن احتجاز المناصب لذوي القربى وأهل الولاء.
التعليقات (0)