للعام الثاني على التوالي يجمعني القدر بثلة نوعية من المهتمين – ذكورًا وإناثا - بقضايا المرأة العربية ودروها في الحوار الإسلامي المسيحي، وبل وحوار الأديان والمذاهب والأفكار والثقافات حيث كان الحضور المشارك من مختلف الدول العربية والإقليمية "إيران والعراق وسوريا والأردن ولبنان وفلسطين ومصر والسعودية والبحرين" أي قرابة الخمسين مشاركا اجتمعوا في ورشة عمل استمرت لأربعة أيام من 24 يوليو حتى 28 من الشهر نفسه 2010م. فمن المؤكد وعلى الرغم من اختلاف جنسياتهم واعتقاداتهم وربما توجهاتهم أيضا من أن يجمعوا أمرهم ويوحد كلمتهم على جملة من المشتركات الإنسانية والمقاربات الدينية من خلال العيش الواحد والمشترك، وحسب قيم التسامح والمحبة والإخاء، وعملا في تعزيز مبادئ الحرية والعدالة والمساواة وقوانين حقوق الإنسان. إلا أن أجندة الحوار أتت بشكل كبير ومناسب لمناقشة واقع المرأة العربية وما تواجهها من تحديات، فضلا عن كل ما هو بالإمكان أن يهيء لها الفرصة لأن تلعب دورًا مهما في الحيز الاجتماعي.
تأسيسًا على ذلك فمن الطبيعي جدًّا عندما يكون الكلام خاصا بالحقوق والحريات في العالم العربي، يكون في مقدمته المرأة العربية باعتبارها البوابة الرئيسية التي تمر عبرها مختلف عناصر التنشئة التربوية وكافة مقومات التنمية والنهضة، فضلا عن نضالها المستميت لاستعادة دورها الطبيعي والفاعل في المنظومة الاجتماعية، لذا لا وجه للغرابة أن يبقى الكلام ملازمًا لكافة النواحي المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية معًا، إلى القدر الذي يمكنها من المشاركة في صناعة القرار ومستلزمات التنمية بعد رحلة لمًّا تتوقف بعد من الحوارات المكثفة واللقاءات المتواصلة، كل ذلك أملا وسعيا لأجل تبديد الصورة النمطية السلبية والتي هي عبر مواقف وترسبات وظروف عديدة استحوذت على جزء كبير من الذاكرة - العربية تحديدًا - الاجتماعية والبشرية والتأريخية أيضا.
ولا شك بأن العمل على مثل ذلك لا يتطلب مجهودًا مكثفًا فحسب، بقدر ما يكون جهدًا يتسم بطابع التنسيق والتنظيم عبر دوائر شبكية محدودة وخلاقة في الوقت نفسه، وفق خطط وبرامج واستراتيجيات شفافة وواضحة، فالمرأة العربية على الرغم من المحاولات الإصلاحية لدى بعض الدول العربية إلا أنها ما تزال بعيدة كل البعد عن مستحقاتها الطبيعية؛ الحقوقية منها والسياسية وكذلك التنموية. وكما يبدو بأن ثمة مجموعة تخرصات كانت وليدة عوامل عدة؛ سياسية أو دينية أو عرفية؛ ألقت بظلالها على مسيرة المرأة في المجتمعات العربية تحديدا، وإنه ولمجرد البحث عن حلول ناجعة ومناسبة، تعيد لها تموضعها الطبيعي من منظومة الفعل الإنساني والحضاري، يتطلب ذلك استدعاء بعض العوامل الملازمة لحراك المرأة باعتبارها عنصرا لا يمكن استثناؤه أو تهميشه، عوامل تساهم بصورة أو بأخرى إما في علو شأنها وتعاظم قدرها وإما في النكوص والارتكاس، إذ ليس من الموضوعية النظر في تصحيح وضع المرأة العربية دون إلى النظر في متلازمات القوانين والممارسات الإنسانية عامة، سواء أ كانت عوامل خارجية ومؤثرة على مسيرتها في الواقع، أو داخلية، متعلقة بنظرتها هي لذاتها أو نظرة أخيها الرجل إليها.
المرأة العربية تحديدًا وبالرغم من ارتفاع نسبة الوعي الاجتماعي لدى المجتمعات العربية تجاهها؛ مما أدى إلى تقدم ملموس وعلى أكثر من صعيد وفي أكثر من بيئة عربية، غير أن ذلك لم يشفع لها بأن تحظى على الأقل بالحد الأدنى من الحقوق المدنيّة والسياسيّة والاقتصادية. فهي أشبه ما تكون بجسم غريب في محيطها، والمؤشرات الحيوية والتنموية في العالم العربي ما تزال تسجل تراجعًا خطيرا تجاهها، كحقها في التعليم أو المشاركة في سوق العمل وحقها في نظام الأحوال الشخصية، أو حقها في المشاركة السياسية وصناعة القرار، أو حتى كفالة العمل المدني في التأسيس والإدارة والتخطيط والتنفيذ فيما يتعلق بالمشاركة في مؤسسات المجتمع المدني. إذ يصبح رهان النهضة بالنسبة لها مُناطًا بالحرية، والحرية باعتبارها استحقاقا إنسانيًّا بالدرجة الأولى بحيث لا ينحصر مضمونها في تحقيق مبدأ "المواطنة" فحسب، بقدر ما يكون أيضا السعي إلى تحررها من العبودية والجهل والمرض والعوز، ومناهضة كافة أشكال العنف والاستضعاف على المؤشر العربي بالتحديد.
وما زلنا نستحضر حقائق وأرقام تقرير التنمية الإنسانية العربية حسب برنامج هيئة الأمم المتحدة الإنمائي والذي خُصّ بعنوان نهوض المرأة في الوطن العربي، والذي أشار ارتفاع طفيف في منسوب الحريات العامة مما انعكس إيجابًا على بعض الاستحقاقات الحقوقية والتنموية معًا، ساهم ذلك ولاشك في التأسيس لمناخ أفضل، لا يُهيئ المجال بالنسبة للمرأة أن تظل في دوائر الدفاع الدائم؛ بل يحفزها إلى أن تلعب أدوارًا حقيقية تسم بشكل جاد في كافة عوامل التنمية المدنية والسياسية على حد سواء. مع ذلك كله يبقى التقرير وبالمقارنة عن تقارير أخرى صدرت في فترة ماضية قد حقق كشفًا ملموسًا – ولو كان محدودًا – بأن تتبوأ المرأة العربية مكانة أفضل عمّا كانت عليه في السابق.
ولو حاولنا حصر دور المرأة في الاستحقاق السياسي مثلا، ولوجدنا الفرق واضحًا، فقد أشار التقرير إلى العمل بمبدأ "الكوتا" ودخول المرأة في مواقع صنع القرار، حيث حظيت المرأة العراقية بتمثيل في البرلمان ما نسبته تصل إلى 25% في عام 2005م، وكذلك المرأة المغربية حيث ارتفعت نسبة تمثيلها في البرلمان إلى 11 % عام 2003م، وأيضا بلغ النسبة في الأردن بالنسبة للمراة ما يصل إلى 5.5 % في العام نفسه، وفي تونس ارتفعت النسبة إلى 11.5% ، وقد تطرق التقرير على حصول المرأة الفلسطينية على 17% من انتخابات المجالس المحلية والتي جرت في عام 20004م، إلا أن المرأة في اليمن مثلا بقيت في ذيل القائمة حيث ما تزال نسبة تمثيلها في البرلمان ما يصل إلى 0.3%، والحال لا يختلف عن المرأة المصرية وإنه وعلى الرغم من أن مصر هي أول دولة عربية أعطت المرأة حق الانتخاب عام 1956م، إلا أنه وفي عام 2008م لم تبرح نسبة تمثلها 2% فقط، أي وصول تسع نائبات في مصر من بين 454 مقعدًا فى البرلمان.
بينما وفي المقابل حَظيت المرأة في عمان وقطر ولأول مرة في تاريخيها الحق في التصويت والترشيح للبرلمان، فيما نالت النساء الكويتيات على استحقاقات سياسية شاملة في عام 2005م وذلك وبعد كفاح دائم لأكثر من 40 عامًا، وفي عام 2010م وصلت أربع سيدات كويتيات للبرلمان، بينما التجربة البرلمانية في البحرين والإمارات قد أوصلتا امرأة واحدة لقبة البرلمان على الرغم من القوانين السياسية لم تعمل بمبدأ "الكوتا" المحاصصة والتخصيص الذي عملت به بعض الدول العربية إزاء المرأة. وظلت المرأة في السعودية بعيدة عن المشاركة في مجلس الشورى أو منحها حق التصويت في المجالس البلدية!.
من البديهي جدًّا القول بأن إصلاح حال المرأة العربية لا يكون بمعزل وبمنأى عن إصلاح سياسي شامل، فالنهوض بالمرأة لا يتم إلا عبر برنامج متكامل وشامل يستهدف الإنسان العربي نفسه، فضلا عن محاولة إنتاج التفكير الديني إزاء المرأة، إضافة إلى إخضاع العادات والأعراف لنظام اجتماعي يستند على مقومات المدنية، بيد أن ذلك لا يعني التخلي عن كافة المساعي للعودة بدور المرأة ليست كمربية في المحيط الأسري فحسب – كما يحلو للبعض أن يحصر دورها في ذلك – بقدر ما هي محور أساسي في كافة عوامل التنمية ومقومات النهوض.
وليس خافٍ بأن ثمة تحديات كثيرة تعوق من مسيرة تقدم المرأة العربية ولعل من أبرزها لا يغادر ثلاثة دوائر مهمة: دائرة الأنظمة السياسية، ودائرة السلطة الدينية، ودائرة العادات والأعراف الناشئة عن صورة العائلة أو القبيلة أو العشيرة، فقد تتقاطع هذه الدوائر مع بعضها البعض في أكثر من بيئة معينة وقد تفترق، وسواء اقتضت المصلحة على توافقها أو اختلافها؛ فهذا لا يلغي مضمون تخليق العراقيل والعقبات أمام تقدم المرأة ونهضتها، بل وتقدم المجتمع من خلال رافعة التكامل التي يصنعها الرجل والمرأة على حد سواء، وفق تحقيق مبدأ العدالة والمساواة، والسعي الحثيث إلى ترسيخ مضامين التنمية المستدامة وذلك على أكثر من صعيد، في الشؤون السياسية والاجتماعية وكذلك الاقتصادية أيضا.
نعتقد بأن الاحتكام إلى مبدأ "المواطنة" في البلدان العربية على وجه التحديد، ومحاولة العمل على مبدأ القانون الشفاف والواضح، ولربما لا يعالج هذا الأمر مشكلة المرأة بصورة جذرية إلا أن ذلك ولا شك يساهم في التأسيس إلى نظام اجتماعي متين، لا يتكفل في استحضار الحقوق والحريات، بقدر ما يحقق الحد الأعلى من الرضا الاجتماعي، عبر منظومة من العلاقات المتنوعة والمتعددة بين أبناء المجتمع الواحد، بالتالي ليس العمل بمضمون " المواطنة" يشكل كل الحل بالنسبة لأزمة المرأة العربية، بيد أنها ولا شك تُشكل حجر الزاوية لروح القانون الذي يستمد طاقته الاعتبارية من كافة أشكال الديمقراطية وحقوق الإنسان.
علي آل طالب – السعودية
مركز آفاق للدراسات والبحوث
a.altaleb@yahoo.com
التعليقات (0)