مواضيع اليوم

ثقافتنا في زمن الاسـتـلاب

ayoub rafik

2009-07-30 15:09:21

0

نشر بجريدة "المساء" عدد 174 - 11/04/2007


منذ زمن طويل واهتمام بعض مفكري الأمة منصب في تشخيص الأزمة الثقافية التي يعاني منها العالم الإسلامي في محاولة منهم إعطاء أجوبة ولو سطحية تمكن من القطع مع أزمنة الانحطاط الحضاري. وسنحاول في هذا المقال إبراز أهمية مكون الثقافة ضمن المعادلة الحضارية للأمم إضافة إلى أحد أهم تجليات الأزمة الثقافية، في أفق تكوين ثقافة ممانعة و متحررة.


أزمتنا أزمة ثقافية


المتأمل في صيرورة المجتمع الإسلامي مند قيام الدولة الإسلامية الأولى بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم، يجد أن شساعة الفارق بين ذاك العصر واليوم تكمن في مدى ارتقاء المستوى الثقافي"للنخبة " التي قادت التغيير آنذاك واستطاعت بتوجيه من الوحي الإلهي إنتاج ذلك الإنسان الواعي بانتمائه الثقافي والحضاري للأمة. ولما اعتبرت الثقافة هي مضمون المجتمع وكيانه النفسي والعقلي فإن ضعفها وتصورها هو ضعف "أوتوماتيكي" للإنسان، وبالتالي تراجع الدور الريادي للأمة والمتمثل في خيريتها على باقي الأمم.
غير أن أزمتنا لا تكمن في- كما يحلو للبعض أن يفكر- وجود نمط سياسي معين وجب الانقلاب عليه أو سياسة اقتصادية غير فعالة تحتم علينا تعويضها بسياسة اقتصادية أخرى. " لقد حصلت في مجتمعاتنا تغييرات متعددة في الأنظمة والقوانين، ورغم ذلك ظل التخلف والأزمات والمظاهر المرتبطة بها معلقا و مؤجلا في انتظار المعالجة الفعلية, إن التغيير الذي يحتاجه الوطن الإسلامي هو تغيير الإنسان بتغيير ثقافته"(1)


الاستلاب أهم تجليات الأزمة الثقافية


عاش العالم الإسلامي سلسلة من "الهزائم الفكرية" الناتجة عن توالي أزمة الانحطاط التي أنتجت عقل المسلم المعاصر المغترب في ثقافته والمستلب في فكره و إرادته. كما أن الغزو العسكري في القرن الماضي ما فتئ أن تحول إلى احتلال العقل والفكر مما " حول واقع الحياة العقلية الثقافية إلى واقع مقطوع الصلة بالتاريخ التفافي للمنطقة، واقع مغترب تطبعه الفوضى و التخليط"(2). فحتى مثقفونا لم يسلموا من هذا الاستلاب حيث أن من لم يتعطل عقله فقد "الاستقلالية" أو طبَََّل للغرب ونظرياته تحت أسماء وعناوين متعددة من قبيل "الحوار الحضاري" و "عالمية المعرفة" و "الحضارة الإنسانية" و "الفكر الكوني"و...التي لا تعدو أن تكون مجرد نظريات تختزل جغرافية العالم في الغرب. كما أن "تفكيرنا أصبح يرتطم بعائق آخر وهو الانحطاط الاجتماعي الذي ساد بلادنا، فكانت النتيجة أن الفكر أصبح عاجزا عن أن يقود الحياة في بلادنا، ورأينا لذلك مظهرا عندما انهارت جميع القيم وكثر الخونة، وأصبح كثير ممن يستطيعون أن يغيروا شيئا يجدون أنفسهم في ركاب الأجنبي عند ذلك ظلوا الطريق،...وكنت ترى الأمور الفكرية تدخلها أعراض السياسة الاستعمارية فتورط كثير من المثقفين ولكن مع ذلك ظل هذا هو المظهر المؤلم في حياتنا"(3)


نحو ثقافة ممانعة و متحررة


في ظل هذا "التيه" الثقافي والفكري الذي يعيشه المجتمع الإسلامي والمثقف بالخصوص وجب الوقوف من أجل تصحيح مسار النمو ليأخذ خطا تصاعديا. وهذا لن يتأتى إلا بإشعال "ثورة ثقافية" نابعة من المجتمع ومقوماته الحضارية. ونقصد بالثقافة الممانعة تلك السلوكات الإيجابية التي تؤسس لعملية المقاومة للتبعية والاختراق. "فلم يعد ممكنا أن نتحرر دون أن ننطلق من ذاتنا، وخصوصياتنا التاريخية والحضارية، أما الاندماج في الحضارة الغربية والتماهي في معطياتها، وما يسمى بلغة خادعة "العالمية" كذلك وهم يراد من ورائه محو الشخصية الثقافية الحقيقية للمجتمع"(4). والثقافة المتحررة من عقدة (الآخر)لن تكتسب إلا" بضرورة إجراء تقدم على مستوى الوعي الثقافي والاجتماعي والسياسي لما يقتضيه هذا الوعي من تكوين للاستقلالية عن النموذج الغربي"(5)، من أجل هيكلة الذات الثقافية الإسلامية من جديد.
من هنا يتضح أهمية مكون الثقافة ضمن المعادلة الحضارية لقيام الأمم وإعادة البعث الحضاري المفقود في زمن تطبعه الهيمنة والهرولة نحو النموذج السائد الذي لا يعترف بوجود الآخر ويسخر كل الإمكانيات لفرض النموذج الواحد في العالم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
1- الطيب بوعزة: مسألة الثقافة في العالم الإسلامي، سلسلة الحوار، الطبعة الأولى، الدار البيضاء 1992 ص:20
2- نفس المصدر.
3- عبد الله إبراهيم: ثورة العقل، منشورات الزمن، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء ص: 31
4- بلال التليدي: العقل وسؤال النهضة، مطبعة طوب بريس، الطبعة الأولى نونبر2002 ص43.5- مصدر سابق.

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات