ما طبع في مخيلتي منذو سنوات عديدة هو أن الفنان بطبعه – أي فنان – مثقف ، بغض النظر عن مدى تحصيله العلمي ومدى اضطلاعه على أمور الحياة ، وأعتقد أن هذا الاعتقاد الغريب طبع في مخيلة الكثيرين ، على الأقل ممن عرفتهم وحدثتهم في الموضوع ، ربما يكون ذلك عائد إلى كلمة الفن بأصلها اللغوي البحت ، أو عائد إلى القول السائد لكل شخص أنجز عملا بطريقة إبداعية ( يا فنان ) أو لأن الفن مرادف للإبداع ، أو أن ذلك الاعتقاد صحيح في الأصل إلا أن الفن دخل تحت مظلته الكثير من الفنون التي لا ترقى إلى مسماه .
بكل أضوح لست أدري ما مرد ذلك الاعتقاد القوي والغريب ، إلا أنني أدري أنني أصبحت مؤخرا أراجع ثقافة الفنان بكثرة وبشكل جدي ، وأقصد بالفنان هنا ( المطرب و الممثل ) .
وسيكون محور حديثي هنا فنانان كوميديان رائعان هما الفنان الكبير عادل إمام والفنان الرائع أشرف عبد الباقي ، وقد اخترتهما نموذجا لأن حوارا بينهم هو من دفعني إلى مراجعة ذلك الاعتقاد .
فقبل أيام كنت أتابع مقاطع متناثر من برنامج ( دارك ) في الموقع الالكتروني يوتيوب http://www.youtube.com/ ، هذا البرنامج الذي يقدمه الفنان أشرف عبد الباقي يعجبك كثيرا عندما تشاهد منه حلقة واحدة ، لكن – وهي نصيحة من مجرب – إن كنت تحب الفنان فلا تشاهد حلقة أخرى ، لأنها ببساطة نسخة مكررة من الحلقة التي سبق وأن شاهدتها ، وهو شيء ستشعر به بسرعة عندما يبدأ الملل يتسلل إليك تحت عباءة تلك الأسئلة المكررة في كل حلقة ، من تلك المقدمة المقيتة التي يقاطعها دخول الضيف ، موهما إياك الفنان الرائع والمقدم الفاشل أنها ستكون محور الحديث ، إلى الطبخة المفضلة التي تصنعها أمك ، إلى تعالو نلعب البلياردو ، لينتهي المشهد المكرر كما أنتهى على مدار الحلقات الماضية بتثاءب عميق من الفنان في إشارة إلى انتهاء الحلقة .
الفنان الرائع مقدم فاشل وذو ثقافة ضحلة ، سرعان ما يتجلى ذلك في حلقات استضاف فيها فنانين مثقافين ، كحلقة الفنان دريد لحام والفنانة منى زكي على سبيل المثال لا الحصر ، غير أن ما يثير الإشمئزاز حقا هو أن أغلب الفنانين الذين استضافهم الفنان يتحدثون بكل إعجاب عن فشلهم في الدراسة في جميع مراحلها ، وفي الوقت نفسه يحاولون إقناعنا عبر حالات صغيرة أنهم كانوا متقدي الذكاء في جميع مراحل الحياة ، كحالة الفنان أحمد حلمي الذي كاد أن يؤدي بأبيه في مستشفى المجانين عبر ابتكاره الغريب لوسيلة من خلالها تشتغل المسيقى بمجرد أن يغلق باب غرفته وتتوقف بمجرد أن يفتح الباب ، ليبقى أبوه في الخارج يستمع للمسيقى وبمجرد أن يفتح الباب ينتهي كل شيء ، ويبقى أبوه في حيرة من أمره غير مدرك لما يجري ، والحالات المشابهة كثيرة .
غير أن المقابلة التي أجبرتني على مراجعة شاملة لموضوع الفنان المثقف هي مقابلته مع الفنان عادل إمام ، فالفنان الكبير الذي لا يستطيع أن يأتي بموضوع متكامل أو بمعنى أصح ( جملة مفيدة ) يتحفك في هذه المقابلة بمقولات فلسلفية غريبة ، فمثلا عندما سأله الفنان أشرف عن قبوله لدور الجني في أحد أفلامه ، أجاب أن عدم أجوده في ذلك المسلسل هو وجود بحد ذاته ، فعلى الرغم من أن الإجابة لا علاقة لها بالسؤال إلا أنها تبدو غريبة وغير مفهومة ، فكيف يتحول عدم الأجود إلى وجود ؟ لست أدري .. ولم يكتفي الفنان الكبير بذلك بل أصدر حكما غريبا آخر بأن حضارة الشعوب يجب أن تقاس بالضحك ؟؟؟
تلك بحق مفاهيم لا أجد لها تفسيرا منطقيا رغم تصفيق الجماهير عند إطلاقها ، غير أنه ليس كل فنان مقدم ناجح بل ولا حتى مثقف ، لذلك من هذا المنطلق أدعو الفنانين لمزيد من القرآة والتعلم ، فعدم الثقافة والفن – في نظري – لا يتسقان .
في الهامش : الثقافة مفهوم واسع .. أريد لهم منها القليل فقط ، وفي الهامش أيضا تحدثت عن ثقافة الفنان لا عن فنه
التعليقات (0)