في أبريل من العام 2000 قَتَلَ طالبانِ 12 من زملائهما وإحدى المدرسات بعد أن راحا يطلقان النار بشكل عشوائي في إحدى مدارس دينفر بولاية كولورادو. وفي مايو/ أيار من نفس العام أصاب طالب ستة من زملائه بجروح حين أطلق النار عليهم في مدرسة ثانوية قرب بلدة كونييرز في ولاية جورجيا . وفي عام 2007 قام رجلا امريكيا من أصل كوري بقتل 32 شخصا وجرح العشرات في جامعة فيرجينيا للتكنلوجيا الأمريكية، بعد أن فتح عليهم النار عشوائيا . وفي شهر مايس – مايو الماضي قام جندي امريكي ليس من اصل عربي بقتل خمسة من زملائه وجرح عدد آخر منهم . وهناك عشرات الحوادث المماثلة قام بها أمريكان لا يمتون الى العرب والأسلام بصلة.
لم نسمع أحدا من المتأمركين يلوم ثقافة العنف المستشرية في الولايات المتحدة بعد هذه الجرائم ، حيث ملايين قطع السلاح تنتشر بأيدي المواطنين الأمريكيين وحتى بيد أطفالهم . وملايين الكتب والأفلام والقصص اللتي تمجد العنف ، مما أدى الى أنتشار جرائم العنف والقتل والأغتصاب والعنف الأسري باعتراف الأمريكان انفسهم .
كتبت سوزان بروكس "البروفيسورة في علوم اللاهوت " في الواشنطن بوست ."وانا هنا اترجم مباشرة من النص" .
ان ضغط الحروب يؤدي الى أضرار تفوق الخيال .. فحتى بعد سنوات وسنوات من ترك الخدمة في الجيش فأن افراد الوحدات العسكرية يظلون يعانون من اضطرابات نفسية سببها "ما بعد الصدمة" اللتي تسببها الحروب . ولكن يبقى هناك شيئا واحدا لم نعطه حقه من التقدير بعد . وهذا الشيء هو أن الصدمة اللتي تسبب الأضطرابات النفسية هذه ،هي شيء "معدي" ؟!.
فحتى الأشخاص اللذين يحتم عليهم عملهم سماع شهادات الجنود عن العنف المصاحب للحروب اللتي خاضوها عمليا ممكن أن تسبب لهم صدمات وأضطرابات مماثلة لتلك اللتي تصيب الجنود .
وتسائلت الكاتبة " هل أصابت عدوى الصدمة هذه الطبيب النفسي الرائد نضال مالك حسن فتسبب بحالة الهياج المروع في قاعدة فورت هود " ؟ .
ثم راحت تجيب نفسها وتقول " لا يزال الوقت مبكرا للأجابة على هذا السؤال . ألا أن التقارير أشارت الى أن عمل هذا الرائد هو معالجة الجنود العائدين من الحرب والمصابين بأعراض (PSTD) وهو أختصار المصطلح العلمي لحالة "أضطرابات مابعد الصدمة " . وجزء من هذا العلاج يتمثل بأن يروي هؤلاء الجنود مشاهداتهم وتجاربهم بالتفصيل الممل للطبيب المعالج . "هذا العلاج المسمى (( talking cure)) او العلاج بالكلام" . وهو تسمية ثانية للعلاج او المشورة النفسية . ولكن ما اللذي يحدث لهؤلاء اللذين يستمعون يوميا للقصص المروعة اللتي يرويها هؤلاء الجنود المصدومين من تجاربهم في العراق وافغانستان .
جوديت هيرمان في عملها المسمى "الصدمة والشفاء" تشرح وتبين الآثار الناتجة عن انواع العنف، من الأسري وحتى الأرهاب السياسي في تكوين أضطرابات ما بعد الصدمة .
وهؤلاء اللذين يعملون في علاج قضايا الأغتصاب والضرب المبرح والتعذيب وهؤلاء اللذين شهدوا ويلات الحروب ، يصبحون ضعفاء أمام الضغط المتواصل اللذي تولده القصص اللتي يسمعونها من هؤلاء اللذين مروا بهذه التجارب .
لايمكنك أن تصبح أستشاريا نفسيا ناجحا ما لم تتفهم الى حد ما آلام الضحايا اللذين يستشيرونك . بل ويجب أن تشعر بهذه الآلام .
لقد قضيت عدة سنوات في العمل بدوام جزئي كأستشارية نفسية لضحايا العنف الأسري. وفي النهاية أضطررت الى التخلي عن هذا العمل . فلقد بدأت أرى نفسي وأنا أتعرض للضرب في أحلامي . واصبحت لا آكل ، وكثيرة السرحان والذهول . الى أن شخص مسؤولي حالتي على أنها حالة خفيفة من(PSTD) او "أضطرابات مابعد الصدمة " سببها تعاملي مع النساء ضحايا العنف الأسري . ونصحني بأن أتوقف عن العمل لفترة . ومن ثم عدت إلى هذا العمل عن طريق القيام بحلقات عمل لتنمية الموارد الروحية لأولئك الذين يعملون مع النساء اللواتي تعرضن للضرب. حينها كنت أعرف عن ماذا أتحدث .
اخبر الرائد حسان أقاربه بأنه منزعج من كونه مسلم . بل أن ملفه العسكري لا يشير أبدا الى أنه رجل متدين . وهو قد ولد في فيرجينيا من والدين مهاجرين من بلدة صغيرة قريبة من القدس . فهل كانت لخلفيته هذه اثرا جعله أكثر عرضة للاصابة بأعراض ال(PSTD) . هذه النظريات من الممكن ان تضهر في مثل هكذا حالات .
كم من الضغط يمكن ان يتحمل مجتمع الجنود في قاعدة فورت هود . هناك العديد من هؤلاء يبعث الى مناطق القتال للمرة الثالثة او الرابعة .
أن مثل الصدمة كمثل حجر ضخم يلقى في حوض ماء مولدا موجات تتسع شيئا فشيئا فتصيب الجنود وعائلاتهم ، جارفة حياة حتى هؤلاء اللذين من المفترض ان يقوموا على خدمة وراحة هؤلاء الجنود ، وبالتالي سينعكس تأثير هذه الصدمة على الأمة جمعاء .
أن التأثير اللذي أحدثته حربين مستمرتين لما يقارب العقد من الزمن قد اصاب أمتنا بالأذى البالغ . جاعلا أياها هشة وضعيفة ومنقسمة على نفسها .وأذا ما اضفنا ضغوط الأزمة الأقتصادية فأن كل ذلك يؤذينا نفسيا وجسديا وبالطبع مجتمعيا ايضا .
ونحن اليوم ننظر الى فورت هود لنتمعن في الآثار الآخذة بالأتساع للحرب ، ولنحسب جيدا كلفة هذه الحروب .
الى هنا ينتهي كلام البروفيسورة الأمريكية . وبالرغم من ان كثيرا من المعلقين العرب على خبر جريمة قتل الرائد حسان لزملائه في مواقع الأخبار على الأنترنت قد ذهبوا الى ما ذهبت اليه البروفيسورة سوزان . ألا ان عبدة الغرب ظلوا يرددون بأن الاسلام هو اللذي سبب ارتكاب الرائد حسان لجريمته . وهو نفس الكلام اللذي ردده معظم الأمريكان اللذين ردوا على البروفيسورة . وان كان بعضهم قد صادق على كلام البروفيسورة ومنهم من حمل سياسات بوش الرعناء مسؤولية هذه الحادثة وأمثالها .
نقول جريمة لأن حسان مواطن امريكي قبل أن يكون جنديا في جيش بلاده بمحض ارادته . ولأنه تعهد بان يخدم بلده ولا يخونه ، وهو بجريمته قد خان الأمانة وقتل زملاء له عزل من السلاح . لذا فلا يمكن تسمية هذا اللذي صنعه الا بالجريمة شرعا وقانونا.
ولكن ما هي الاسباب اللتي ادت لأرتكابه جريمته وهو اللذي ولد وترعرع في ولاية فيرجينيا . واللذي تشير سجلاته العسكرية الى انه لم يكن متدينا لفترة طويلة من حياته ، وانه لم يكن يوما متطرفا في أفكاره ؟.
بالرغم من أن بعض الأخبار قد قالت بأن الرائد حسان قد اتصل باحد قادة القاعدة في اليمن ألا أن الأخبار اللاحقة أثبتت أن الرائد نضال مالك حسن، "ليس طرفا في مؤامرة إرهابية " . وأن مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي كان يتابع في العام الماضي تحركات حسن حيث إعترض إتصالات له مع شخص ذكر أنه رجل ديني متشدد في اليمن لكن هذه الإتصالات إعتبرها المكتب أنها تنسجم مع بحث أكاديمي كان حسن يقوم به ولهذا قرر عدم إجراء مزيد من التحقيقات بشأنها.
لذا فأن " آثار ما بعد الصدمة" او اعراض (PSTD) كما أسمتها البروفيسورة سوزان ، تظل النظرية الأكثر قبولا في تفسير جريمة فورت هود .
يحاول المتأمركون الصاق تهمة الأرهاب بالأسلام خدمة لأسيادهم . ويستغل الصهاينة مثل هذه الحوادث لتشويه صورة الأسلام ، لذا يجب أن يحاول العرب والمسلمون أو على الأقل المواطنين والمقيمين في الولايات المتحدة تبيان مثل هذه الحقائق لدفع تهمة الأرهاب عن أنفسهم وأتقاء شر من يحاول الأيقاع بهم .
www.bbc.co.uk/arabic/worldnews/2009/11/091110_mek_us_forthood_shooting_tc2.shtml
news.bbc.co.uk/hi/arabic/news/newsid_8044000/8044972.stm
www.bintjbeil.com/articles/2003/ar/0411_alsayegh.html
رابط مقال جميل عن انتشار ثقافة العنف في امريكا
التعليقات (0)