لن يمر الكثير من الوقت حتى تتبدد روح الصدمة التي اصابت المجتمع السلفي الالكتروني وتنتهي حالة التخرسن التي طرأت على الشعارات والخطاب الجهادي لمرحلة ما بعد الغياب الذي طال زعيم القاعدة اسامة بن لادن..ولن يطول الزمن بالمنتديات المتعطلة الكسولة لنفض ايام الحداد وبدء فورة نشاط من قبل فرسان الشبكة العنكبوتية ومناضلي لوحات المفاتيح لتخليق وابتكار واستنباط المواقف والاحداث البطولية والمستحيل من ضروب المقاومة الباسلة التي رافقت عملية تصفية المجاهد الاكبر..
مواقف وبطولات اسطورية ستولد وتتناسل وتنسب لفضيلة الشيخ..وارقام ستتضخم يوميا عن قتلى وجرحى سقطوا امام اقدام المجاهد مع وقع تواتر الانباء والنمو المتزايد لشهود العيان الذين سيقدمون الذخيرة المطلوبة للتحليل والتنظير خصوصا مع شح المتقاطر منها عن طريق الجانب الامريكي..
تنظير وتحليل لن يعدو موضوعتي النفي والتشكيك بالروايات المطروحة واللهاث المسرف نحو اضفاء بعض الاسطرة المطلوبة لمقاومة باسلة ابداها الشيخ واظهر خلالها من الكرامات ما ابهت الاعداء واسقط المروحيات ولم تنتهي الا بخيانة وغدر من خلان وذوي قربى وضعهم حظه العاثر في موقع الحدث..ممارسة شهدنا سوابق لها من خلال تغطية بعدية متغاضية عن الوقائع لحالات اصطياد اخوان للشيخ سبق سقوطهم في قبضة القوات الامنية-الكافرة منها والمؤمنة-واصبحت اقرب الى اللازمة والفقرة الثابتة في هكذا مناسبات وفعل ينتحل التبرير ويتزلف انقاذ ماء وجه لم يكن ليراق لولا التضخيم الاستباقي المبالغ به لقدرات وبطولات وهمية اسبغت على سير اشخاص بعينهم تهويلا وتعظيما من شأن ما يمثلونه من افكار ومفاهيم..
تنظير وتحليل قد يوافقه النجاح والتوفيق في استجلاب بعض التهليل والتصفيق من مريدي هذا النوع من الممارسات ولكنها لن تقوى على الاجابة على التساؤل المر الذي قد يطرأ على الذهن وهو لماذا لم يكن فضيلة الشيخ ولا اي من رموز الجهاد وعناوين البطولة والفداء يرتدي حزامه الناسف عندما تم القاء القبض عليه او تصفيته برصاص القوة المهاجمة..ولماذا لم يكن اي من القادة العظام يسكنون الجبال او البراري التي تشكل خلفية دائمة لاشرطتهم ورسائلهم المصورة المنتجة بحرفنة وذكاء لاظهار هؤلاء الشيوخ او اولئك المجاهدين شعثا غبرا معفرين وجوههم بتراب النضال والكفاح من اجل القضية..وليعودوا بعدها متسللين الى بيوتهم وعديد زوجاتهم وزينة حياتهم الدنيا..
فلو استثنينا صدام حسين وحفرته الباسلة فان جميع القيادات المتوارية قد تم كشف الغطاء عنهم وهم في منازل مجهزة ومحصنة ومؤمنة وبصحبة طيبة من الاهل والبنون وليس في مواقع الجهاد وساحات الوغى التي لطالما دمغوا من لم يرابط بها بالخيانة والخذلان..وكم من شباب لبسوا احزمتهم الناسفة وتشظت عظامهم وتفتت اجسادهم على ارصفة الموت المجاني تأسيا بصورة الشيخ المجاهد الذي ترك حياة القصور وسكن المفاوز والمغارات ورافق الوحوش انقطاعا لله ورسوله ولفكرة الجهاد المقدس..
ان سقوط هذه الصور التي تم تسويقها لادامة زخم تجنيد الشباب في اطار التنظيمات الجهادية المسلحة..وتلاشي الهالة التي كانت لتلك التنظيمات وغياب نظرية انتشارها الواسع وتموضعها كثاني اثنين لا ثالث لهما الا الشيطان مع الحاكميات القمعية المستبدة..قد تكون بالغة الاهمية لايقاف هذا التقوت الطويل للسلطان على هذه الثنائية الزائفة ولسنوات وعقود..خصوصا بعدما بددتها قوى الشعب الثائرة والمسلحة بالتجاهل الكامل للخطاب التصعيدي الاقصائي وتبني التوجه الليبرالي الوطني الشامل والمعلي الصوت بشعارات المواطنة العادلة المتساوية..
المطلوب الان البناء على هذا التوجه السائد في اوساط الشباب الحريص على وحدة الوطن وبناء الدولة الديمقراطية الحديثة والبعيد عن الممارسات الاقرب الى الاوهام الهادفة الى انشاء كيان دولة خلافة عابر للحدود والنظم السياسية ومؤسس على صورة رومانسية لابطال زائفين لم يكن اسهامهم الا في حرف مسيرة النضال والكفاح ضد الانظمة الديكتاتورية المستبدة المناهضة لآمال وتطلعات الشعوب..وادخال المجتمع في صراعات فئوية وجانبية وطائفية وتبني اهداف ذات صفة تدميرية لاستقرار وتطور وتنمية الدول الاسلامية..
نأمل ان يكون للروح الديمقراطية الوطنية التي تعطر اجواء المنطقة..والانكشاف المخزي للحجم الفعلي للافكار الاقصائية المغلقة التي اريد لها ان تكون المعبرعن خيارات المجتمعات العربية والاسلامية..وسقوط رموز هذا الخط في وحل التبعية والعمالة لاجهزة المخابرات القمعية..دور في تصحيح مسار الحراك الفكري والثقافي العربي باتجاه بلورة ملامح خطاب وطني يتماهى مع الاهداف الواقعية للمجتمع والتي لا تتقاطع مع المبادئ الانسانية العامة بخطوطها العريضة..وهذا الخطاب الحضاري المنفتح هو الكفيل بوضع الاسس الصحيحة لمسيرة التظور والنماء تجاه بناء دولة العدل والقانون والمؤسسات وحقوق الانسان..
التعليقات (0)