مواضيع اليوم

ثقافة التلقين..والخطاب الفكري المدجن..

جمال الهنداوي

2011-05-07 19:42:58

0

 قيل الكثير من الكلام ..وأعيد القول وتكرر وتطاول بشأن ضعف مساهمة الثقافة العربية في الجهد الفكري الانساني العالمي وغياب التفاعل المنتج المثمر للمبدع العربي مع حركة التدافع الحضاري التاريخي والاكتفاء بدور المتلقي العاجز المستقبل للمنجز الابداعي للآخر..

خلل وانعدام للتوازن وتقاعس مؤسف كانت هي الصفة التي يمكن اطلاقها على هذا الوضع الذي يعبر عن تبعية واتكالية قد تكون شديدة الوطأة على المشهد الثقافي العربي ولا تليق بالثقل الابداعي لمفكريه..

خلل لم يأل مثقفونا جهدا في محاولة فهمه وتبريره وتعليل مسبباته والتي غالبا ما كانت تحال الى اتهام الآخر بالتآمر على العقل العربي والسعي الى ابقائه داخل قوقعته المحلية ومقاومة محاولاته في التوشج مع الفضاء الفكري الانساني..

تبريرات كانت تنهك الامر بحثا وتحليلا ولكنها تتغاضى تماما عن مسؤولية  ثقافة التلقين التي كانت العلامة الفارقة التي تسم الحراك الثقافي العربي المحكوم بفضاء ومحددات العقيدة بصورتها السلفية المنغلقة..تلك الثقافة التي تعتمد العلاقة الشخصانية والتراتبية الصارمة المبنية على مبدأ الهامية الفكر وفوقيته وكليته وترفعه عن التفاعل والفهم المشترك المبني على الاستيعاب والنقاش والحوار وطرح الاسئلة والاكتشاف ما بين المبدع والمتلقي  مما كان له الدور الاساس في التحنط الذي اصاب الفكر وأفقده حس العفوية والمشاركة والحوار..

وقد يكون للظرف السياسي المتسم بنمط الاستبداد والتسلط السائد في المجتمعات العربية دورفي اضفاء بعض القدسية واللامساس بتلك الثقافة لما تمثله من تأميم والحاق لآليات الفكر والتنوير وربطها بمؤسسة ومتبنيات الحكم من خلال فقهاء ومثقفي التكسب والولاء والارتزاق ..وهذا ما انتج حالة تلقين عامة لا تقتصر على الثقافة بل تمتد الى الوطن باكمله وناسه وقضه وقضيضه..

ومثل هذه الثقافة هي المسؤولة تماما عن شيوع حالة الوهن الفكري والاستلاب وفقدان المناعة امام الافكار الوافدة التي تضرب باطناب المجتمع العربي مخلفة اجيالا من العاجزين عن التفاعل العقلاني المتحضر..وكذلك عن انتاج هيمنة واستحكام التلقي على حياة الفرد المدجنة بالاجترار والابتعاد عن التفكير الحر المنفتح على الآخر واعلاء ثقافة الانغلاق والتوجس والتعميم والتنميط والاستعصاء وعدم تقبل تعددية الرأي او نسبية المعطيات ومصادرة الوقائع واحالتها الى الشعارات التي تمثل الكليات المقولبة الملقنة ..

واول الصواب يجب ان يكون من خلال الاعتراف بمسؤولية هذه الثقافة عن تحول الانسان الى مكب لصب المعلومات الممنهجة حسب ضوابط عليا مقننة بما لا يؤثر على ديمومة واستمرارية السلطة المستبدة..

كما ان حالة اقتران الثقافة بمفهوم التلقين والاستقبال الطائع المسلم المذعن ..هي المسؤولة عن خيار اللامبالاة التي يقصر عليها الفرد مع اول تجربة حقيقية يمر بها مع الواقع المعاش..وهي المسؤولة عن التنابز الفكري مع الآخر والتمترس خلف مقولات التقديس والخصوصية والاصالة مما يحرم المجتمع من الاستفادة من تراث انساني ضخم وفخم مكون من نتاج وابداع الفكر الانساني للقرون التي تشكل عمر الحضارة البشرية..وهي المسؤولة عن تدجين الخطاب الفكري المعاصر بما يخدم التسلط والاستبداد..اي انها مسؤولة عن الصورة الشوهاء التي تحكم مجتمعاتنا الان..




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !