ثقافة التحفيز ام صناعة التحبيط
لست أدري بماذا يمكن أن ننعت بعض ردود الافعال التي تصدر عن الأهالي ومن في فلكهم عقب صدور نتائج امتحانات الشهادات الدراسية –سواء التاسع (الشهادة الاعدادية او البريفيه) او البكالوريا (الثانوية العامة). ربما هي غريبة مريعة، او خطيرة، او لا مبالية، او ايجابية محفزة.
ساركز في كلامي في هذا المقال على بعض ردود افعال الاهالي مع اولادهم اثر صدور نتائج التاسع او الاعدادية او البريفيه بالتحديد، حيث تغدو هذه المسالة بالغة الحساسية، وذلك لان ردود الافعال هذه تتجه سهامها صوب من هم بعمر الزمن اطفال، وجل تصوراتهم عن ذاتهم وعن محيطهم انما تنبع عن كيفية تقييم اهليهم لانجازاتهم او اخفاقاتهم. فان افترّت شفاه ابائهم عن ابتسامة رضا واستحسان، ترى الدنيا وقد أزهرت وطويت ملعبا لهم، وان قطّبوا في وجوه ابنائهم استحالت الارض سجنا عليهم بما رحبت ووسعت.
من ردود الافعال الغريبة والمريعة هي ان ترى أسرة وقد حصّل فيها الابن او البنت على معدل عال او جيد، ورغم ذلك ترى الكثير من الاهل ينظرون الي ولدهم وعيونهم تقول بامتعاض " اي بس هيك! ... والله كنا متخيلين انك راح تجيب علامة افضل" ولسان حالهم يقول " والله لو شدّيت ع حالك شوي تانية لكنت جبت علامات احسن وكنت جمعت اكتر من ابن الجيران فلان وفلان". بالنسبة لهؤلاء الاهالي موضوع مقارنة مجموع طفلهم باخوته اواقاربه واترابه هو معيار النجاح والتميز. وعندهم غالبا ما تختتم جلسة المحاكمة بان يٌقال له او لها "مو مشكلة هلق خلصنا من التاسع بس بدنا منك تشد حالك هاه من شان البكالوريا".
ومن ردود الافعال التي اصفها بالخطيرة هي أن يعمد الكثير من الاهالي الى تعنيف اولادهم، سواء جسديا بنكزهم او ضربهم، او لفظيا بتقريعهم بالفاظ من قبيل "انقلع من قدّامي.. ما بدي اشوف خلقتك...تضرب على هالمجموع وع هالشكل" اوامطارهم بوابل من السباب والشتائم وغالبا ما يتم تحميل أمه مسؤلية التقصير والفشل. وختام تلك الجلسة هي اعلان الندم الشديد على كل "فرنك صُرف على دورات التقوية واساتذة الخصوصي" مضافا الي ذلك نظرات الشزر والاحتقار، لحتى يتمنى ذلك الطفل ان يتبخر من فوره اوتنفسخ الارض فتبتلعه.
ومن ردود الافعال اللامبالية ان ترى فيها بعض الأباء أو الأمهات وهم يهزّون بأكتافهم ويرفعون حواجبهم متلمظين بطرف شفافهم لتنفرج افواههم معلنين "اي والله تصطفل...للجهنم الحمرا انشالله ...هذا مستقبلك وانت حرّ فيه... انشالله بتصير زبال أخر هالنهار".
واخيرا ترى الايجابية والمحفزة منها، في صورة الأب والأم يجتذبون ابناءهم لأحضانهم، يباركون نجاحهم ويربتّون على أكتافهم ويملؤون عيونهم منهم- حتى وان كان معدل نجاحهم دون سقف توقعاتهم. الى ذلك ترى الأب يبارك لولده ويمد يده لمحفظته ليعطيه مكافئة مالية -وان رمزية- عرفانا وتحفيزا. وترى الأم تقول "اليوم بدي اعمل قالب كاتو كرمال عيونك الك و وبس لانك بتستاهل" وترى الاقارب بمحيطه يشجعونه على الخروج من اي شعور سلبي قد يلفّه ان كان مجموعه او نجاحه متواضعا.
ذلك لا يعني السكوت أومباركة تقصيره وانما يعمد اولئك الاباء الى احتواء اولادهم وتجنب كسر شأفتهم وتحطيم بقية الروح لديهم إيمانا ويقينا منهم ان التحصيل المدرسي ليس المعيار الاوحد او الأصدق لسبر نجاح او فشل اولادهم. وايمانا منهم ان ردة الفعل الاولى تعيش لتترك بصمات مهمة في خلد ذلك الطفل. رسالة هؤلاء الاباء مفادها "بابا نحن هون لنكون معك ولننصرك كيف ما كنت ما دمت تبذل ما لديك".
ربما يتندّر البعض بالقول اننا نفسد اولادنا حينما لا نضرب على أيديهم وقتما يقصرّون في واجباتهم علما اننا حرمنا انفسنا لقمة العيش لنتدخرها في سبيل تعليمهم وتحصيلهم. ولكنني اقول ما ينفع التقريع والضرب ساعة لا ينفع لا الندم ولا الضرب. فالاحرى بنا ان نكون سندا لاولادنا ان اردنا ان نخرج بانسان متوازن مع نفسه ومع محيطه. انسان متوازن جسديا وفكريا ونفسيا بدل ان نصنع من اولادنا نسخا صغيرة من انفسنا او حتى روبوتات ألية وبيدنا جهاز التحكم في حركة مستقبلها.
واخيرا لست أدري كيف ستكون ردة فعلي حينما اغدو أبا في مكان هؤلاء الأهالي فربما "من ياكل العصيّ ليس كمن يعدها".
التعليقات (0)