مخيرا كان ام مسيرا..لا يمكننا ان ندعي ان التوقيت الذي اضطر فيه الرئيس علي عبد الله صالح فيه الى السفر الى المملكة العربية السعودية هو اللحظة المناسبة لمغادرة البلاد وترك اليمن في خضم تساؤلات جمة حول ماهية هذا الخروج وان كان للعلاج فعلا ام للهروب ام للتباحث او التفاوض على مرحلة ما بعد سنوات حكمه الطويل لليمن والتي يبدو انها شارفت على نهايتها..ويزيد من عمق علامات الاستفهام واتساعها هو الخروج في هذه اللحظة المفصلية القلقة والحاسمة من تاريخ المعترك السياسي والامني الذي يعصف بامن واستقرار ومستقبل اليمن والذي كان دخول عنصر الصدام القبلي المسلح فيه سببا لتحول آلياته واشتراطاته وضوابطه وادخاله في منعطفات خطيرة قد لا يمكن التنبؤ بنتائجها..
فمن العسير على الفهم ان تضيق اليمن بقضها وقضيضها وشوارعها وساحاتها..وبما رحبت..وفي هذا الوقت بالذات..عن سرير يستلقي عليه الرئيس لتلقي العلاج عن جروح يبدو ان الكثيرين لا يرغبون ان يبرأ منها سريعا..والاكثر صعوبة هو في اختيار المملكة الضجرة المتبرمة المحبطة علنا من مراوغات وتحولات الرئيس كمحطة لرحلة الاستشفاء هذه التي قد تحدد الكثير من المسارات التي من المنتظر ان تلجها الازمة اليمنية في القريب القادم من الايام..
رحلة استشفاء وعلاج من جروح وحروق وشظايا منتشرة على الرأس والرقبة كانت نتيجة لذلك الهجوم الذي تبرأ الجميع منه على مسجد القصر الرئاسي ..والذي يبدو ان الرئيس اصبح من جرائه مقتنعا بانه كان تنفيذا لقرار سامٍ بقطف رأسه الذي اينعته سياساته الحربائية المخاتلة..ذلك الرأس الذي يبدو انه مطلوبا بشدة كجزء من ترتيب اكبر يستهدف تنظيف الفوضى العارمة التي تحدثها سياسات الرئيس المشوشة والتي ارهقت وحيرت الحلفاء وافقدته الاصدقاء واحدا بعد الآخر ساحبة من بين يديه آخر اوراقه التي لم يحسن ترتيبها تحسبا لمثل هذا اليوم..
هجوم تشير كل الدلائل الى انه اكبر بكثير من امكانات وقدرات القوى القبلية المتقاطعة مع النظام ..ويمكن الاستناد على قيمة الجهد الاستخباري المطلوب لتحديد مكان الرئيس والامكانات المطلوبة لتنفيذ مثل هذا الهجوم بكل تلك الدقة والكفاءة بانه قد يكون عملية اغتيال مدبرة من الممكن ان تكون اشارة جيدة لانطلاق انقلاب عسكري يطيح برأس النظام القائم ويضمن لبعض القوى الاقليمية تحقيق رغبتها اللاهثة الشبقة في مسك مفاصل الازمة اليمنية والتحكم بمغاليقها ومنعرجاتها تطويقا وحصرا لابقاء الأتون الشعبي الملتهب ضمن مستوياته المسيطر عليها وضمان ابعاد القوى الثورية الداعية الى الدولة المدنية الحرة عن مراكز القرار المستقبلية في اليمن السعيد..
انقلاب قد يراه البعض اكثر من ضروري للسيطرة على تداعيات الموقف المتأزم الناتج عن تباعد وتصاعد التعارض في مواقف اقطاب الحكم اليمني وتفكك عرى التحالف السلطوي الذي كان يتقاسم الحرث والنسل تقليديا في البلاد تحت رعاية ورضا بعض القوى الاقليمية الهلعة من الحرائق القريبة من الحدود والتي يؤججها الرئيس وسياساته المرتبكة..
تلك السياسة التي يزيد من مخاطرها اصرار النظام على اتباع الخيار الامني والعسكري لمواجهة الحراك الشعبي السلمي والتعامل السلبي مع المبادرات السياسية ومحاولة الهاب الشارع وجره من تلابيبه نحو التوحل في مستنقع الحرب الاهلية وأداً للثورة في مهدها وتقاطعا مع سلميتها وصرفا للانظار عن شعاراتها الوطنية الداعية لبناء دولة الامن والنظام والقانون وحقوق الانسان..
المهم..ان الواضح الان هو ان الرئيس يحاول ان يبحث عن مبادرة جديدة قد توفر له الخروج الآمن هو وعائلته واستباقا للمسائلة القانونية التي يبدو انها ستتخذ طابعا دوليا في المستقبل القريب كنهاية متوقعة لحكمه الذي تجاوز ثلاثة عقود من الجمر
وهذا الواقع وان كان من الممكن توقعه من خلال العدد الكبير من المرافقين الذين اصطحبهم الرئيس معه الى الجار الشمالي ..ولكن التثبت منه سيكون استنادا لمن تخلف منهم في صنعاء..فكما هو معتاد من قبل الرؤساء العرب..يكون سفر الانجال الى الخارج علامة اكيدة على قرب الزوال في حين ان بقائهم في الوطن وقرب مراكز القرار قد يكون هو العامل الذي قد يدل على استمرار تشبثهم بالبقاء..
والامر المؤكد الذي لا يحتمل اللبس هو ان كل يوم يمر على الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بعيدا عن بلاده يقربه خطوة جديدة من ان يكون ثاني اثنين ممن ستحتضنهم ارض جدة من الرؤساء الذين لم يحسنوا الحفاظ على ملكهم العتيد..
التعليقات (0)