مواضيع اليوم

ثالوث الأزمة العالمية: المال والديموغرافيا والموارد

ممدوح الشيخ

2009-04-10 01:57:55

0


بقلم/ ممدوح الشيخ


ربما يبدو غريبا أن يكون من النتائج المترتبة على تراكم المعرفة البشرية بالقدر الكبير الذي تشهده البشرية الآن، أن يتصاعد القلق على المستقبل، وأن تتكشف أمام الجنس البشري مخاطر غير مسبوقة، وكأن الإنسان الأقل علما أقل خوفا وقلقا، فالجهل يمكن أن يكون مؤهلا لموقع "ثالث الراحتين" (الموت إحدى الراحتين – اليأس إحدى الراحتين)، فالعلم بقدر ما يزيد بدائل الإنسان وقدرته على التأثير المخطط في واقعه، فإنه وبالقدر نفسه يزيد همومه، وقديما صدق أبو الطيب المتنبي حين قال:
ذو اللب يشقى في النعيم بجهله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
فبقدر تقدم علمي الاقتصاد والإدارة أصبحت الأزمات الاقتصادية أكبر وأخطر وأكثر تعقيدا، وبقدر تقدم علوم الطب ونجاحها في القضاء على الكثير من الأمراض التي كان بعضها فيما مضى يحصد ملايين الضحايا، وبقدر ما حققته من تقدم ملحوظ في متوسط الأعمار، وقلة وفيات الأطفال، و.. .. فإن هذا التقدم كان له وجه آخر هو كشفه عن مشكلات في نمط الحياة المعاصر يمكن أن يصيب البشرية بما هو أقسى من الأوبئة.
فالعلم أعطى الإنسان ثقة في القدرة على التصرف بحرية في عالمه وعالم الأشياء، وهو ما يصوره القرآن الكريم في قوله تعالى: "حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا"(سورة يونس: 24). لكن هذه الحرية كانت لها نتائجها السلبية التي تتفاقم بشكل متزامن: سكانيا وبيئيا واقتصاديا.
والعالم الآن يقف أمام أزمة ثلاثية الأبعاد في: المال والموارد والديموغرافيا. فأما الأزمة المالية فقد كتبت عنها عشرات الآلاف من الصفحات، وأما أزمة الموارد فكانت موضوع صيحات تحذير كثيرة أولها "تقرير روما" الشهير (حدود النمو) الصادر عام 1972 ليطرح إشكالية استمرار النمو الاقتصادي في ظل عدم كفاية الموارد الطبيعية، وعلى الأرجح، لن يكون آخرها التحذير الذي أطلقه قبل أيام جمع كبير من المتخصصين في مجالات اقتصادية عديدة من أن العالم مقبل، في الأجل المنظور، على حقبة من "الندرة المؤلمة" في الموارد، وأهمها النفط، ميشال فوس، مديرة مركز اقتصاد الطاقة بجامعة تكساس تقول إنه على المدى المتوسط والبعيد سيقل معروض النفط عن الطلب وهو ما سيبقي أسعاره مرتفعة. ويوافقها هذا الرأي معظم خبراء الطاقة. وطبقا لإدارة معلومات الطاقة الأميركية، لدى العالم ما يكفي من النفط لتلبية الطلب حتى عام 2030، وهو العام الذي تشير إليه التنبؤات المتشائمة. والاكتشافات النفطية الحديثة نادرة، كما أن إنتاج الوقود الإحيائي ساهم في غلاء أسعار الغذاء.
والمدهش أن التحذيرات من ندرة موارد وشيكة تتزامن مع تحذيرات من تغيرات درامية ستطرأ على التركيبة الديموغرافية لمناطق بأكملها من العالم، فظاهرة "شيخوخة المجتمعات" أحد التحديات الكبيرة في أوروبا واليابان والصين..وتونس!
وقد أطلق عالم بريطاني مرموق تحذيرا يتناول جانبا آخر من جوانب أزمة الديموغرافيا، فقد أعلن ستيف جونز اختصاصي علم الوراثة بجامعة "كولدج لندن" وصول تطوّر الجنس البشري إلى "أفق مقفل". وأرجع الشلل في تطوّر الإنسان حالياً إلى النقص في عدد الرجال القادرين على الإنجاب في الغرب، وخصوصاً في أوساط الذكور كبار السن الذين تزايدت أعدادهم في إطار ظاهرة "شيخوخة الأمم الغربية". وهو لاحظ أن الرجال الذين تتعدى أعمارهم 35 سنة أكثر عرضة لنقل الطفرات الجينية التي تلعب دوراً محورياً في تطور الأنواع الحيّة. واستناداً إلى جونز، تتضمن مرحلة التطور ثلاثة مكوّنات: الانتقاء الطبيعي والطفرات الجينية والمصادفة.
وهو بين أن التغيرات التي تظهرها الرسوم البيانية للإنجاب عالمياً تدل على انخفاض قوي في معدلات الطفرات لدى الجنس البشري الآن. ولاحظ أيضاً أن التغيّرات الاجتماعية غالباً تغير مستقبلنا الجيني، والتلوث الكيمياوي والإشعاعي يؤدي دوراً مهماً في حفز التغييرات في جينات البشر. وشدّد جونز على أن أحد أهمّ عوامل الطفرات الجينية يكمن في عمر الرجل المُنجب، فقدرة الخلايا الجنسية عند الذكر على التكاثر تتزايد بتقدم العمر. وأضاف جونز أنه في الماضي كان بإمكان "الرجل القوي البنية" إنجاب مئات الأطفال. والمثال الأشهر لذلك "مولاي إسماعيل" سلطان المغرب (1645 – 1727) الذي أنجب أكثر من 800 من الأبناء خلال 60 سنة (548 ولدا و340 بنتا).
وحسب جونز فإن العناصر الأخرى التي تعيق تطور الإنسان، تشمل انتفاء عامل الصدفة، فلقد سمحت الزراعة ومجتمعاتها للكائن البشري أن يضاعف أعداده بواقع 10 آلاف مرة أكثر من الحقب التي سبقتها، ومن ناحية أخرى يتضاءل دور المصادفة في المجتمعات المعزولة ويبدو البشر راهناً وكأنهم مجتمع "معزول"، بأثر الترابط القوي في عناصر الوراثة بين المجتمعات البشرية، ما يعني تراجعاً أيضاً في إمكان حدوث تغيّرات بفعل الصدفة. والخلاصة أن الوضع يبدو كما لو كنا نتوجه نحو كتلة بشرية عالمية، لكن مستقبلها كئيب بسبب انسداد آفاق التطور في جيناتها.
نحن إذن أمام تحذيرات من ندرة في الثروات الطبيعية، وندرة في الجينات البشرية، وأزمة مالية كبيرة، والأهم أننا أمام حالة تشاؤم عميقة وشاملة إزاء المستقبل..




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !