تُركيا السُلطان
لطالما شكل الإستئثار بالسُلطة مادة خصبة للحركات والتيارات السياسية ،فذلك داء ومقاومته تجلب الدواء ،الحركات والتيارات الإسلامية ترفع الشعارات الفضفاضه وتُمارس نقيضها فهي ضد الإستئثار بالسُلطة وضد الإستبداد وضد القمع والفساد لكن ما إن تطأ قدميها السلطة فإنها تبدأ بالإنسلاخ من تلك الشعارات وتبدأ معها الشعوب رحلة الدم والقمع والتشويه الفكري بإسم الشريعة الإسلامية تاره وبإسم للمجتهد المُخطيء اجران تارة أخرى .
منذ أن وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة التنفيذية "رئاسة الوزراء" والقائمين عليه يحلمون بكرسي الرئاسة ليس طمعاً في الصلاحيات المحدودة للرئيس بل طمعاً في تعديل الدستور ليتناسب مع طموح قيادات حزب العدالة والتنمية الفكرية والجيوسياسية.
وصل اوردوغان لرئاسة الوزراء وبعد مدة اعتلى كرسي الرئاسة وهاهو اليوم يُجاهد لنقل تُركيا من حقبة النظام البرلماني إلى حقبة النظام الرئاسي الذي سيحول تُركيا لجمهورية يحكمها حزب واحد وشخص واحد لا شريك له في الحُكم.
اوردوغان شخصية براغماتية يعرف من أين تؤكل الكتف فما أن وصل لسدة الرئاسة بدأ في استثمار محاولة الإنقلاب الفاشلة لضرب خصومة وحلفاءه على حدِ سواء ليضمن عدم وجود أصوات تعارض تعديلات الدستور المقترحة من حزب العدالة والتنمية والمقدمة للبرلمان التركي ، هناك خلل ما فالتحديث السياسي يكون إلى الامام وليس العودة إلى الوراء ،النظام الرئاسي الذي تترقبه تركيا وستعيش في كنفه حيناً من الدهر سيكون مختلفاً عن النظام البرلماني الذي ازدهرت في كنفه ،فالنظام الرئاسي يعني وجود رئيس بصلاحيات مُطلقه يعين ويعفي رئيس الوزراء وفي احسن الأحوال يوافق على تعيين رئيس الوزراء بعد أن ينتخبه نواب الشعب وفي كلتا الحالتين رئيس الوزراء سيدين بالولاء للرئيس وليس للشعب والدستور وقس على ذلك ضباط الجيش وقضاة المحكمة الدستورية العليا الذين سيكونون ادوات بيد الرئيس بعدما كانوا ضمانات حقيقية تضمن الاستقرار وتصون القيم التي قامت عليها تركيا الحديثة.
عقلية اوردوغان مسكونه بالتاريخ العثماني القديم وحزب العدالة والتنمية حزب سياسي يعيش بكنف الماضي يحلم بعودة السلطنة العثمانية من جديد ،تلك هي الحقيقة ومن أجلها يجري اليوم محولات تمرير التعديلات الدستورية وتصفية الخصوم وضرب الاقليات والاعراق الغير تركية بعصى الإرهاب واستثمار ملفات المنطقة لمصلحة السيد الرئيس وليس لمصلحة المنطقة التي تقف على شفا جرفِ هار ، القوى السياسية التركية بدأت تتخلى عن مشروعها النهضوي خوفاً من البطش وذلك ليس مبرر فتركيا لم تنهض بسبب حزب واحد كما يعتقد البعض بل نهضت لأن جميع الاحزاب عملت واتفقت من أجل النهوض وقدمت الكثير من التنازلات والتضحيات ، على تلك القوى الوقوف بوجه محاولات ادلجة تُركيا التي ستكون أولى خطواتها تعديل الدستور وتمرير رغبة الحزب الواحد فإن حدث ذلك فاليوم نظام رئاسي وغداً سلطنة تبعث التاريخ العثماني الأسود من جديد ؟
@Riyadzahriny
التعليقات (0)