عبد الهادي فنجان الساعدي
العودة الى الماضي تثير الشجن او الاحساس المرهف بالحزن الشفيف لانها مرتبطة بايام الشباب والقوة واللحظات الجميلة. اما العودة الى الماضي سياسيا فلا تثير الشجن او الاحساس المرهف ولا حتى الاحساس المثقل بالثورة ، انما تدفع بالانسان بقوة مليون حصان نحو الياس والقناعة بانتظار الموت في ظل حالة حصار وعمى وطني لا يمكن تجاوزها حتى لو كان الثمن ثلاثة ارباع الشعب العراقي لان التضحيات بشكل اكيد ستذهب الى اناس اخرين هم ليسوا ضمن الربع الباقي من هذا الشعب البائس وهذا مما يدمر الروح الوطنية ويقتل حالات العطاء ويخلق عوالم نفسية انكفائية وحالة ياس واحباط جماعي كارثية .
في احدى الاحتفاليات اليتيمة التي اقامها وزير علماني واحد في كل الدولة العراقية ، قلت في بداية كلمتي بان السلام واجب كفائي ولذلك سنلغي هذه الفقرة التي سبقني اليها العديد من المتكلمين ونبدأ باعطاء (الزبدة) للموضوع الذي اجتمعنا من اجله، ضحك الحاضرون .. وكلما كنت اعدد لهم مآسي الوضع الذي تمر به المرأة كان الحضور يضحكون وكانهم لا يعرفون شيئا عن الكوميديا السوداء او السخرية الماساوية .
قارنت بين هذا الوزير المتفرد وبين بقية الوزراء الذين التقيت بعضهم او عايشت احدهم من خلال تفاصيل بسيطة حيث عرض علي بعض المسؤولين احد المناصب فرفضتها لسببين لانني اولا احب العطاء الفكري والثقافي اكثر من حبي للمنصب وهذا يعتبر كذبة لا يمكن ان يصدقها احد وحتى زوجتي رفضت تصديقها . والسبب الثاني لان هؤلاء المسؤولين الذين عرضوا علي هذا المنصب (لا يعرفون ما في الانجيل) ، فلقد تم شغل هذا المنصب من قبل احد الشخصيات التي تسير في تيار السيد الوزير قبل اربعة اشهر من هذا التاريخ الحافل بالمنغصات والانفلات الوظيفي ، حيث ان هذا المسؤول الجديد يحمل تركيبة خاصة وحاضنة للاساءات البعثية بشكل ايديولوجي ديني لا يمكن ان تخرج دون ان تكون من ضمن التركيبة الفلسفية والنفسية التي تكون منها هذا الملاك المليء بالتفاهات .
عندما نعود الى الحلقة الثانية في سلم الوظيفة نجده من تيار السيد الوزير ايضا وهو مليء بالوعود المليونية التي لا تقف عند حدود التعليمات الوزارية انما تتجاوزها الى حد الضيافة العشائرية على حساب الدولة .
لقد أمر الوزير أن يغير كل الكادر السابق ، لان الكادر السابق هو بطانة حمراء علمانية وهم بقايا الجيش الاحمر السوفيتي في العراق ، دون النظر الى الكفاءات او النزاهة التي من المفترض ان ينظر اليها او يقف عندها متاملا الاساسيات في اتكاء الوطن على ركائز صلبة تعتمد الكفاءة والنزاهة ولم يقف سيادته يوما لألتقاط الانفاس لان ذلك يُعد خروجا على الاعراف السياسية التي ينتهجها تيار السيد الوزير في توحيد المسيرة .
وعندما نحلل هذا الكائن الخرافي نجده قد تكون من بقايا العصور الغابرة ، عصور (الثارات) و (الشرف الرفيع) و (السيف اصدق انباء من الكتب) . وهذا الكائن الخرافي ولد كائنات اصغر منه لتقود مؤسسات الدولة الجديدة التي كتب عليها ان تبدا من الصفر بعد سبعة الاف سنة من التكوينات الحضارية و 1400 سنة من التكوينات الفلسفية الاسلامية و 83 سنة من التكوين الحديث للدولة العراقية وغير عابئين لكل التكوينات السابقة و (لنبدا من الصفر) وكأن اللعبة ما زالت تعتمد على عملية (الصح والخطأ) والاعتماد على التجريب او اعتماد ما في ذهن السيد الوزير او السيد المسؤول من خطط كان يلعبها في ايام الطفولة او ايام المراهقة السياسية خلف السدة .
وما دمنا نسير خلف تيار السيد الوزير وفلسفته في الاعتماد على الثقة وليس الكفاءة في التعيين في المراكز القيادية فسنبقى نسير للخلف في مسيرة البحث عن المجهول في عصور الظلام وكهوف التخلف .
(وكانت هناك مقولة ترى انه كلما اقترب شعب من مركز الاديان كان اكثر تخلفا سياسيا وتقليدية من الشعوب الاخرى البعيدة عن مركز الاديان وهذا ينسحب في بعض الاحيان على النواحي الاخرى الاجتماعية والعقلية والاقتصادية لما لهذه الاديان باوامرها ونواهيها وقوانينها المتناقضة من اثر اجباري وقسري على الشعوب القريبة من مراكز انتشارها)(1).
عندما يتم الحديث عن السلوكيات الدينية ترتفع الايدي كلها لتطلب نقطة نظام وكان الحديث عن السلوكيات الدينية للمسؤولين هو اقتراب اكثر من المسموح به عن الخط الساخن او الخطوط الحمراء التي خلقت المقدسات الحاجزة لكل تطور فكري او اجتماعي او فلسفي او بقلب العبارات السابقة لجعل الفلسفة في اول المحرمات التي دمرتها المقدسات الحاجزة .
وبالرغم من كل ذلك فسنبقى ننتظر دورنا في ظل حالة الحصار الثقافي وتجاوز الامية الثقافية للكثير من الكوادر القيادية التي تقود الدولة بالتاكيد الى عصور العجمة الثقافية .
متى يقف هذا النزيف الكارثي لهجرة الشباب وبالمقابل تجاوز الحدود المعاكس لعناصر اكثر شباباً ولكن اكثر دموية ؟!! اننا ازاء حالة من الامية الثقافية يتسع معها نزيف القتل والتهجير وحالة اللاوعي العام الذي يدخل ضمن الهدر الماساوي لقيمة الهوية والانتماء للوطن ويحيد المواطن الفقير لا لعزلة من اجل السلامة بل من اجل جعله هدفا للممارسات التصفوية للمسلحين من جهة وهدفا للشروط المجحفة في ظل قانون لم ينضج ولم يكتمل وفي حالة اكتماله فسيخرج مشوها بالتاكيد .
أن الأهم من التحييد هو جعل المواطن في مركز الحدث والغاء حالة اللاوعي واللامسؤولية التي خلقتها مؤسسات الدولة وذلك بخلق دولة المؤسسات اولا واعطاء الكفاءات دورها القيادي ونقل الانسان من حالة اللامبالاة والاستسلام لقدره المكتوب وحظه العاثر الى دور الانسان الذي يشارك بكامل وعيه في صنع القرار الذي يمس حياته بعيدا عن تيار السيد الوزير .
الحواشي:
(1) أنظر خالد القشطيني : الجذور التاريخية للسلطوية العربية ص186 .
التعليقات (0)