خــبـراء الـقانـون: الدستور لا بدّ أن يعبّر عن روح الثورة والتحرّر وحقوق الإنسان
تونس تبدأ من جديد، وتكتب الآن دستور الثورة بعد مضي أكثر من نصف قرن على الاستقلال وكتابة دستور الدولة، لكن هذا الدستور يستلزم عدة موجبات، يرى عديد المختصين ضرورة انجازها حتى يكون معبّرا فعلا على روح التحرّر والانعتاق، وعلى المسار الجديد الذي لم يتدخّل المستعمر في رسمه، ولا تقف وراءه كاريزما زعيم يأمر وينهى، بل يجب ان يكون مطابقا لروح الشعب، متأقلما مع أنساق العالم، مسايرا لتطوّر التاريخ.
في هذا المجال يرى عديد المختصين القانونيين أن الدساتير لم تعد تحتمل ذاك الكمّ الهائل من القوانين التي تتراكم حتى تعيق العمل بمقتضياتها، وتحجب جوهرها، وتجعلها في منأى عن ادراك المواطن البسيط وفهمه.
جسم قانوني أعلى
ولعل المتداول هذه الأيام بكثرة في الساحتين السياسية والحقوقية، هو الدستور التونسي وكيفية تخفيفه ومحاولة تجنيبه كل ما من شأنه أن يجعل منه ترسانة قوانين بلا روح، ويعقّد معانيه على القارئ، ويعقد محتواه على المشرّع.
ومن أهم الاقتراحات التي لاقت صدى واسعا في وسائل الاعلام، هي مسألة تخفيف الدستور، وعدم اثقاله بمواد يمكن ان تكون المجلات القانونية مكانها الطبيعي، ويمكن أيضا أن تكون غير قارة، أو يضطرّ المشرّع الى الغاء البعض وتنقيح البعض منها، وهو ما يؤثّر سلبا على المكانة العليا للدستور، كجسم قانوني أعلى، يحوي المبادئ العامة، ويترك التفاصيل للقوانين.
ولاستيضاح هذه المسألة القانونية المطروحة اليوم على المجلس التأسيسي الذي يستعد لاولى جلساته، اتصلت «الصحافة» بالاستاذ قيس سعيّد، استاذ القانون الدستوري بالجامعة التونسية، الذي أكّد لنا أنه لا يمكن الحديث عن تخفيف بل هناك «تصور للدستور يقوم على تضمينه أهم المبادئ والقواعد المتعلقة بالحقوق والحريات، وبتنظيم السلطة، ومن الأفضل في كل الأحوال، ودون تحديد أي سقف لعدد الفصول، أن لا يكون الدستور مجلة قانونية على غرار سائر المجلات الأخرى أو على غرار بعض الدساتير التي تصل موادها إلى المئات».
ويضيف الاستاذ سعيّد «ان النصوص القانونية بوجه عام، ونصّ الدستور بوجه خاص، لا تقاس بعدد أبوابها وفصولها، بل تقاس بتعبيرها عن تطلعات صاحب السيادة وهو الشعب».
دستورا مخففا ومبسطا
وفي سؤالنا عن مغزى ما طرحه بعض القانونيين حول التسعين فصلا التي لا يجب أن يتجاوزها الدستور الجديد، أكد الاستاذ سعيّد أنه «لا يمكن في كل الأحوال وضع سقف لعدد الفصول، فذلك يعود إلى السلطة التأسيسية، أي المجلس التأسيسي المنتخب، لكن من الأفضل في كل الأحوال أيضا، عدم إثقال الدستور القادم لتونس، بمواد قد تدعو الحاجة سريعا الى تنقيحها والى تعديلها».
وعن سؤالنا حول الدساتير المقارنة، وضرورة الأخذ في الاعتبار ما حقّقته بعض التجارب الدستورية العالمية من تقدّم في هذا المجال التشريعي، أفادنا أن «التجارب في هذا المجال كثيرة ومتنوعة، ففي بعض الدول الإفريقية في تسعينات القرن الماضي مثلا، تم إدراج عدد من المسائل الفنية وعدد من القواعد الإجرائية، اثبت التاريخ فيما بعد أن مكانها ليس في الدستور، من ذلك على سبيل المثال إدراج طريقة الاقتراع في الدستور الملغاشي (نسبة إلى جزيرة مدغشقر) أو إدراج إجراءات التقاضي أمام المحكمة الدستورية في احد الدساتير الإفريقية الأخرى، وغيرها من الأحكام الإجرائية التي حوّلت هذه الدساتير إلى مجلات قانونية مثقلة بعديد المسائل والمواقف التي تجد مكانها الطبيعي في نصوص القوانين».
ويرى الأستاذ قيس سعيد أنه «من الأفضل الاكتفاء بالمبادئ العامة والقواعد الأساسية مع الإحالة إلى القانون ولكن أيضا مع ضرورة وجود محكمة دستورية مهمتها ضمان علوية هذا الدستور».
اعتبار الواقع التونسي
وكان عدد من المختصين في القانون، قد تداولوا هذه المسألة مباشرة بعد انتخابات الثالث والعشرين من أكتوبر الفارط، مبينين بالخصوص ضرورة عدم إثقال الدستور بفصول وأحكام وتفاصيل وجزئيات، بل يُفترض أن يكون نصّا شعبيا يفهمه المواطن التونسي مهما كان مستواه المعرفي كما أكد ذلك لوسائل الإعلام، الأستاذ عياض بن عاشور، رئيس الهيئة العليا لحماية الثورة سابقا، الذي انتقد الدساتير التي تصل فصولها إلى ثلاثمائة فصل، معتبرا أن أول ما يجب تحديده عند الشروع في مناقشة الدستور هو المنهجية والاشتغال انطلاقا من الواقع التونسي ومقارنته بتجارب مغايرة.
أما الأستاذ عبد المجيد العبدلي، المختص في القانون الدستوري فقد أكّد لـ«الصحافة» أن «الدستور لا يمكن ان يتحمل الجزئيات، بل مبادئ وقواعد عامة». ويرى الأستاذ العبدلي ضرورة «ان لا تزيد فصوله عن سبعين فصلا، لكي لا يصبح هناك حشو».
كما يرى أن من ميزات الدستور ان يكون مبسّطا وسلسا حتى «يفهم المواطن العادي البسيط القواعد الموجودة في الدستور، لان أهم خاصية له أن يفهمه المواطن العادي، ففي العهود السابقة أضفنا فصولا معقّدة للدستور لا يفهمها معظم الشعب».
التعليقات (0)