مواضيع اليوم

توظيف الدبلوماسية الصوفية في الصراع الإقليمي بين المغرب والجزائر

شريف هزاع

2010-02-18 13:45:36

0



   يتجدد من جديد الصراع السياسي المغربي الجزائري حول الزوايا غداة الاحتفالات المئوية لتأسيس الزاوية العلاوية، بعد اتهام الكاتب العام لفرع هذه الزاوية بالمغرب لشيخها خالد بن تونس المقرب من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، بسعيه الحثيث لجمع "لفيف عدلي" لتسجيل الزوايا العلاوية بالمغرب باسمه الخاص، وبوضع "ترتيبات وتخطيطات جزائرية للتدخل في الشأن الديني بالمغرب"، والتخطيط لتشكيل "لوبي سياسي يتحرك عند الحاجة إليه، تستطيع الجزائر توظيفه ضد المغرب في الصراع حول ملف الصحراء الشرقية.
   وكشف الكاتب العام المغربي لفرع الطريقة العلاوية بالمغرب أنه يتوفر على حجج ودلائل قوية تؤكد السعي الرسمي الجزائري لسحب البساط من المغرب في تسيير شؤون الزوايا داخله أو في أوروبا، واستدل على ذلك بتنظيم جمعية "عيسى" بأوروبا سلسلة من الأنشطة باسم الجزائر.
   وقد تأكد وصول الصراع الصوفي بين المغرب والجزائري إلى مداه بتأكيد متصوفة المغرب المنتمين للطريقة العلاوية أن طريقتهم مغربية، بالنظر إلى سلسلة الشيوخ المغاربة الذين تعاقبوا عليها، إضافة إلى أن بناء مقر هذه الطريقة بمستغانم الجزائرية على طراز زاوية "الشيخ الكامل بمكناس"، وبما أعلن عنه الناطق الرسمي بديوان لجنة الأنساب الشريفة بـ"الزاوية الإدريسية بسبتة" مما أسماه بـ"زحف الجزائر على الحقل الديني المغربي والدولي"، ملمحا إلى عدم تعليق العلم المغربي بقاعة الندوات بالجزائر خلال احتفالات الطريقة بخلاف تعليق رايات الوفود الأخرى، ورسم خريطة المغرب بدون صحرائه في دعوات الجمع العام.
    وقد تطور الصراع حول الزوايا والطرق الصوفية ضمن التفاعلات الرسمية بين البلدين، بتوجيه وزيري الأوقاف والشؤون الإسلامية والداخلية المغربية لمراسلتين تتهمان مسؤولين جزائريين من الطريقة العلاوية بـ"تحويل الأموال من المغرب وأوروبا صوب الجزائر بطرق مختلفة تخدم مصالح الجزائر"، ومحاولة إحداث أكبر أكاديمية للتصوف العالمي وأكبر متحف عالمي لمعالم التصوف بمدينة مستغانم الجزائرية.
    وانطلقت الشرارة الأولى للصراع السياسي بين المغرب والجزائر حول التحكم في الزوايا والطرق الصوفية، مع بداية الثمانينيات حين حاولت الجزائر تنظيم الملتقى الدولي الأول للتيجانيين، إلا أن تدخلات ملك المغرب الراحل الحسن الثاني حالت دون ذلك، وبعدها أعاد المغرب توجيه دعوته للمنتسبين للتيجانية جميعا إلى أول ملتقى دولي لهم بفاس عام 1986. واعترف زعماء الطائفة التيجانية في ذلك الملتقى بمغربية الصحراء وأدانوا موقف الجزائر منها.
    واشتد الصراع المغربي الجزائر حول التحكم في الطرق الصوفية حين إعلان المغرب عن تنظيم ملتقى التيجانيين بمدينة فاس المغربية، وبعد تنظيم الملتقى العالمي سيدي شيكر سنة 2009، حيث ردت الجزائر على ذلك بتنظيم ملتقى دولي آخر للتجانيين بداية شهر نوفمبر 2009، دعوا إليه وفودا من التيجانيين لزيارة قرية "عين ماضي" بمدينة الأغواط، باعتبارها مسقط رأس مؤسس الطريقة "أحمد التيجاني". فأصدرت وزارة الشؤون الدينية والأوقاف الجزائرية حينها بيانا جاء فيه "إن قيام وفد من هذا النوع وبهذا الحجم بزيارة الجزائر يؤكد من جديد أن الطريقة كانت وما زالت جزائرية الأصل، وأنه لا يمكن لأي نشاط ديني أو ثقافي أو علمي أن يغير هذه الحقيقة التاريخية".
    لكن الوفد المغربي رفض التجاوب مع الدعوة الجزائرية لأسباب يقولون أنها أمنية، وهو العذر الذي وصفته وسائل الإعلام الجزائرية بأنه أقبح من الذنب، واعتبر حينها المنظمون أن "المغاربة ولأسباب سياسية يختلقون مثل هذه المبررات للنيل من سمعة الجزائر الدولية". وأكدوا أن المغاربة يريدون بذلك دق مسمار آخر في نعش العلاقات الجزائرية المغربية المتأثرة بقضية الصحراء الغربية.
    وأعاد هذا الرفض التنازع المغربي الجزائري على شرعية عقد الملتقيات العالمية للتيجانيين إلى الواجهة، حيث يبرر المغرب شرعيته في ذلك من معطى كون الأب الروحي للتيجانيين اختار مدينة فاس على سائر المدن كي تشهد الميلاد الفعلي لطريقته، ومن جهة ثانية أن وفاته تمت بهذه المدينة، لكن الجزائر ترى غير ذلك، فهي تعتبر أن الطريقة جزائرية التأسيس لأن زعيمها "أحمد التيجاني" ولد بقرية (عين ماضي) الواقعة بولاية الأغواط جنوب الجزائر، وتوفي بمدينة فاس المغربية بعدما أسس طريقته في بلده الأصلي الجزائر.
    ويظل اهتمام المملكة المغربية بالدبلوماسية الدينية قويا لأن الدستور المغربي ينص على أن الملك هو أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، ولذلك يرتبط الملك بعلاقة دينية وثيقة مع عدد من الطرق والزوايا الصوفية بالمغرب وإفريقيا. وهو ما جعل الملك الراحل الحسن الثاني يستثمر تلك العلاقات الروحية والثقافية التاريخية في النزاع حول الصحراء مع الجزائر.
    وكانت علاقات التجانيين بالمغرب هي التي أبقت على حبل الود قائما بين المغرب ونيجريا بعد اعتراف رئيسها الأسبق بابانغيدا بجبهة البوليساريو، ثم تكرر الأمر مع الرئيس أوباسانجو الذي سمح للبوليساريو بفتح مكتب لهم، لكن الدبلوماسية التيجانية عادت بفعالية لتصحيح الوضع.
     ولذلك قررت الجزائر الالتفات إلى الجانب الديني من خلال تعبئة مريدي الصوفية واحتضانها، مع وصول عبد العزيز بوتفليقة إلى سدة الحكم في الجزائر، وتعزز التوجه الجزائري، بعدما بات بإمكان المغرب تحقيق اختراقات دبلوماسية دينية على الصعيد الإفريقي، بعد حصار طويل دبرته الجزائر على مستوى منظمة الوحدة الإفريقية، حين ضمنت لجبهة البوليساريو عضوية المنظمة، وانسحاب المغرب منها احتجاجا على قبول عضوية البوليساريو.
     ومعلوم أن السلطة المركزية الجزائرية ظلت تتهم الطرق الصوفية جميعها بضلوعها المباشرة في المخططات الاستعمارية، وأن هذه الزوايا جرى ترويضها فرنسيا، فأعلنت الحرب الرسمية عليها لسنين، واستمر تهميشها وإقصاؤها عن الحقل السياسي على الرغم من تواصل أنشطتها الإشعاعية والاجتماعية.
   لكنها بعد مجيء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة صارت توظف كأداة لإنجاح برنامج المصالحة والوئام المدنيين، وضمان عهدته الثالثة لرئاسة الجزائر، وقد تجسدت معالم التماهي الديني لبوتفليقة مع الدبلوماسية الدينية المغربية في حرصه على بناء مسجد ضخم بالجزائر العاصمة، يضاهي مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء.
    صراع سياسي إقليمي ذي طابع ديني جعل عدد من المراقبين ينتقدون التوظيف الأمني والسياسي للزوايا والطرق الصوفية وتحولها إلى مراكز للانتفاع السياسي والإيديولوجي في الداخل، (تأطير واستقطاب الجماهير الشعبية)، وفي الخارج (الحصار الدبلوماسي الدولي في إفريقيا وأوربا).
     وينتقد علماء دين استغلال البلدين لأنشطة الزوايا وشبكاتها ومريديها في تفعيل أجندة سياسية صرفة، وأنكروا عليهما التوظيف السياسي للصوفية للتشويش على بعضيهما البعض، واستغربوا سعي الخارجية الجزائرية إلى تجنيد التيجانيين ضد المغرب ووحدته الترابية في إفريقيا والعالم، واستدلوا بالدعاية السياسية التي واكبت الملتقى الدولي المنعقد تحت شعار "التصوف في زمن العولمة" بمدينة الوادي جنوب الجزائر ومحاولة المنظمين أخد التزكية لزعامتهم ووصايتهم على الزاوية التيجانية، وتوظيف هذه الأخيرة في أمور داخلية وخارجية.
    واعتبروا ذلك بأنه سلوك غير عقلاني ولا ينسجم والغايات الروحانية التي تنشدها الصوفية كالتخلق والتفوق من خلال الذكر، وتنقية الذات والتقرب من الله عز جلاله، لا الدخول في اعتبارات سياسية دنيوية ظرفية، بعيدة كل البعد عن العقيدة الإسلامية الحقة.
   ويحاول الجاران الجزائر والمغرب كل من جهته "سحب البساط" من تحت الآخر، وجعل الطريقة التيجانية عاملا إضافيا في المعركة السياسية والدبلوماسية التي يخوضانها ضد بعضهم البعض، ومن هذا المنطلق وجدت كلتا الدولتين في الطريقة "التيجانية" التي تعد من أكبر الطرق الصوفية في العالم من حيث أتباعها ومريديها الذي يتجاوز عددهم 350 مليون شخص، أرضية خصبة لكسب المزيد من المواقع على ساحة النزاع الحاصل بينهما بسبب قضية الصحراء.
     ورأى العديد من المتتبعين أن الجزائر استشعرت تزايد النفوذ الدبلوماسي المغربي أخيرا داخل منظمة المؤتمر الإسلامي بفضل تركيزه على احتضان المتصوفة الذين يبلغ تعدادهم قرابة 50 مليون في إفريقيا و400 مليون في العالم كلها تتلقى هبات مالية من المملكة المغربية وهو ما تخشى الجزائر تأثيره لصالح المغرب في نزاع الصحراء.
    ويفسر تزايد اهتمام الملك محمد السادس بالطرق الصوفية بأنه محاولة لتأطير الإسلام الشعبي وتهذيبه من مظاهر الغلو والشعوذة، وتجديده لصيانة تراث ديني ثقافي خاص بالشعب المغاربي، وتنسجم هذه الغاية بما ورد في كلمة العاهل المغربي خلال الدورة الوطنية الأولى للقاء (سيدي شيكر للمنتسبين للتصوف) "إنكم في لقائكم هذا كطائفة واحدة مشربكم واحد وقصدكم واحد.. خدمة الدين والوطن. أما خدمة الدين فمنهجكم القويم فيها يتمثل أساسا في الاعتصام بالكتاب والسنة وإشاعة العلم وتهذيب النفس بالإكثار من الذكر.
    ومعلوم أن البلدين كانا قد دخلا في تنافس مفتوح حول الزاوية التيجانية، في الوقت الذي يعتبرها المغرب أنها زاوية صوفية مغربية لها نفوذ هائل في إفريقيا جنوب الصحراء، ولها أتباع بالملايين، أن شرعية تنظيم مهرجان سنوي لمريدي هذه الطريقة بفاس (حيث مرقد شيخ الطريقة الذي ولد بالجزائر وهاجر إلى المغرب وعاش به وتوفي بفاس)، بينما تعتبر الجزائر أن أصل الزاوية جزائري بحسب أصل مؤسسها، وتصر بالمقابل على تنظيم مهرجان مواز ببلدة ميلاد شيخ الطريقة ببلدة الأغواط، دون أن تنجح في استمالة الأسماء الوازنة في هذه الطريقة الصوفية إليها.
     ويستمر الصراع من المدخل الصوفي بمحاولات كثيرة للجزائر ومنذ 3 سنوات لاختراق قوة الزاوية البودشيشية الصوفية، التي مركزها في مداغ، قرب مدينة بركان على بعد كلمترات قليلة من الحدود الجزائرية.
      ويختلف المتتبعون حول في قراءة دلالات التكتيكات السياسية في ما ينتهجه ملك المغرب محمد السادس في دعم الصوفيين المحليين ليصبحوا حصنا للبلاد ضد الأصولية المتشددة، في حين يجعل بوتفليقة من دعم الطرق الصوفية استراتيجية سياسية متكاملة تعزز موقعه السياسي كمرشح مثالي لا تجد الجزائر مثيلا لرئاستها.
     ولقد تزايد الاهتمام بالطرق الصوفية في العالم، عقب صدور توصيات واضعي إستراتيجية البيت الأبيض لدعم الصوفية في العالم الإسلامي، فقد دعا "الأستيفن شوارتز" إدارة حكومته الأمريكية إلى تعلم المزيد عن الصوفية، وأن تتعامل مع شيوخها ومريديها، وأن تتعرف على ميولها الأساسية،.. يجب على أعضاء السلك الدبلوماسي الأمريكي في المدن الإسلامية من بريشتينا في كوسوفا إلى كشعار في غرب الصين، ومن فاس في المغرب إلى عاصمة إندونيسيا جاكرتا أن يضعوا الصوفيين المحليين على قائمة زياراتهم الدورية".
      وتنطلق إستراتيجية الأمريكية في دعم الطرق الصوفية من نتائج بحث أنجزته إحدى مؤسسات الثينك تانكس الأمريكية للتعرف على الحركات والمذاهب الدينية القادرة على التغيير والتأثير في المشهد الديني والسياسي في العالم الإسلامي. البحث جرى تمويله من المجلس القومي للاستخبارات في واشنطن، ويقول عن الطرق الصوفية "أفرادها يشكلون غالبية المسلمين اليوم وهم محافظون على معتقداتهم الإسلامية وتقاليدهم المحلية، غير متشددين، يعظمون قبور القديسين ويؤدون عندها الصلوات، يؤمنون بالأرواح والمعجزات ويستخدمون التعاويذ، ومجموعة الاعتقادات أزالت تماما التعصب التشدد الوهابي وأصبح الكثيرون منهم لا يرون تضارباً بين معتقداتهم الدينية وولائهم لدولهم العلمانية وقوانينها". ويضيف البحث واصفا بنية الارتباط التصوفي في التدبير والتبعية بالقول: "يلعب مشايخ الصوفية على اختلاف طرقهم التي ينتمون إليها دورًا مركزياً في السياسة والدين، وفي طقوسهم المعروفة بالذكر، يقومون بتراتيل وحركات تمايل وغناء، هدفها بلوغ النشوة الروحانية التي يعتقدون أنها تقربهم من الله".
     ولا يستبعد رجال السياسة قبل رجال الدين أن الفكر الصوفي يوظف كلعبة أمريكية قذرة للتحكم في العالم الإسلامي، ولتحويل الإسلام من دين الدنيا والآخرة إلى دين الاستعراض والطقوس الروحانية الموسمية، إضافة إلى أن بين الطرح الأمريكي وطرح الجزائري والمغربي في تدبير الصوفية، ومحاربة التطرف والغلو، يختلط الروحي بالسياسية فتضيع غاية الدين الإسلامي الحنيف.
     والحق أن الطرق الصوفية تتعدد شعبا ومذاهب عدة بشكل بات مسيئا لأمة الكتاب الواحد، وترتبط بأضرحة شيوخ الزوايا والأولياء طقوسا وسلوكات لا تتصل بمبادئ الدين، بل ومغالية في التطرف، ومنها قيام البعض برقص جنوني على إيقاع موسيقى مرتفعة إلى لحظة اللاوعي، لحظة يسمونها بالنشوة، ويعقب نهاية هذا الرقص الجنوني افتراس تيوس حية وشرب الماء في درجة الغليان.
     وارتبطت بعض المواسم بذلك في دول المغرب العربي، ومنها موسم مولاي بوعزة أو أبي يعزى أحد كبار التصوف بالمغرب، التي تقام به طقوس الشعودة والسحر، ارتبطت بالروايات التاريخية التي تشير إلى أن أبا يعزى كانت له كرامات خارقة، حتى صار مقصدا لجموع كثيرة من الناس، حتى أن الدولة كانت تخافه، وفي ذلك يقول ابن صعد في النجم الثاقب [541ه ج] "تواترت إليه كثرة الجموع وقيل له هذه الجموع يخشى على الدولة منها حتى أن السلطان عبد المومن بن علي الكومي الموحدي تأكد بنفسه من كراماته في قصة يوردها الصومعي في المعزى في مناقب أبي يعزى".
      ورغم أن الإسلام يضع قيودا صارمة على زيارة الأضرحة ويُحرم الدعاء عند الأولياء الصالحين فإن العادات الموروثة مازالت تجعل الناس يتوسلون بالدعاء إليها، بل ولا تزال الأضرحة تشكل مزارا يحج إلى الناس من كل مكان قصد العلاج وجلب الحظي الجيد. 
         وهكذا تصبح الصوفية بدل ربط المسلمين بخالقهم الأوحد اعتبارا للمبدأ القرآني واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تتفرقوا فيه، تقيم في الدين الواحد مذاهب شتى. حتى أن شابا صوفيا من سوريا سبق وأن ابتدع رفع الآذان مصحوبا بموسيقى البيانو، ويأتي هذا الاجتهاد غير المحسوب من الحضور القوي للآلات الإيقاعية في الحفلات الإنشادية الصوفية، ودافع عن بدعته بالقول: "أن رفع الآذان مصحوبا بالموسيقى يزيده روحانية أكبر".

Elfathifattah@yahoo.fr




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات