كثيرا ما نسمع أن الاختلاف في المسائل الفقهية إنما هو رحمة , وأنا أجد هذا مقبولا لو كان الفقه مقصورا على شؤون العبادات , إذ أن المصلي حر في أن يسر بالبسملة أو يجهر بها وفق ما المذهب الذي يتبعه , كذلك هو حر في الجهر بالتامين أو السر به .. أما إذا كان الأمر له علاقة بالدولة و النظام وحكم ولي الأمر , مثل الأمور التي تتصل بالأموال و الأعراض و الدماء , فلا يمكن أن تبقى الحكومات بمعزل عن خلاف الفقهاء في هذه الميادين , فعلى الحكومة ان تتبنى مذهبا وتهمل غيره .. هنا تقع المشكلة .. فكثير من الدول يوجد بها أكثر من مذهب سني , هذا أذا ما كان بها مذاهب غير سنية و لا تخلوا هي أيضا من مذهب مختلفة .. وطبيعي أن يتنافس أتباع المذهب المختلفة في جعل الدولة ألي جانبهم .. وفي ظل التوجه الحكيم من لدن خادم الحرمين الشريفين للحوار في كل جوانبه الوطني أو حتى العالمي مثل الحوار بين الأديان ,فلا اعتقد انه اصبح هناك حرج من الدعوة لتوحيد الذاهب في دولتنا ومن ثم باقي بلاد المسلمين ان شاء الله .
أن المذاهب السنية المعروفة و المشهورة هي الأربعة : مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل ,وقد نمت وامتدت على أنقاض مذاهب أخرى ليست - من الناحية العلمية – اقل منها قيمة , كمذهب الليث بن سعد , وسفيان الثوري , والاوزاعي , وابن جرير الطبري , وأبي ثور وآخرين .. و الواقع ان المذاهب الاربعة التي اشتهرت كان أصحابها نماذج جليلة للتقوى والعلم , ولذلك التفت الجماهير حولهم وارتضت الأخذ عنهم .
وقد تضخمت هذه المذاهب على مر الزمان وكثرت التأليف فيها , ولا يمكن أن نجزم بان هؤلاء الأئمة الأعلام مسئولون عن كل ما صنعه المتأخرون , كما لا يمكن حصر الفقه الإسلامي في اجتهاد أولئك الأربعة الكبار أو إغلاق أبوابة بعدهم ,فان فضل الله لم يحتكره نفر من العلماء مهما علت منازلهم , ومصالح الشعوب تتجدد على اختلاف الزمان و المكان , وتحدث فتاوى واقضيه لم تتم إلا في هذا العصر , ومن المعلوم أن كل مذهب من المذاهب الرابعة تأثر بالعصر الذي عاش به صاحبة و بالظروف التي عايشها, وكذلك بصفاته وطباعه الشخصية من مرونة ألي تشدد ونحوه , ثم أن احد من الأئمة الكبار لم يزعم لنفسه العصمة فيما روى.
إذا الاجتهاد الفقهي مطلوب الي قيام الساعة , ورفع الخلاف لا بد منه كي تمضي الحياة في طريقها , وهنا دور الدولة , فإذا رأى مثلا أبو حنيفة أن المسلم يقتل في ذمي ورأى غيرة أن المسلم يعزر وحسب فلن تبقى القضية معلقة إلى الأبد ان حكم القاضي أو رأي ولي الأمر يحسم الأمر , وكذلك إذا رأى ابن تيمية أن الطلاق ألبدعي لغو , ورؤى غيرة أمضاءة فان الدولة لن تترك هذا الخلاف نظريا إلي الأبد .
وبما أن المذاهب الفقهية الشهيرة توزعت بين أقطار المسلمين , وعند العامة و الدهماء يعتبر هذا النسب الى مذهب معين دين , وبما أن ثورة الاتصالات جعلت العالم اجمع يسمع بعضة بعض , وأصبح رجال الدين يتصدون للإفتاء على القنوات الفضائية , ويطلب فتواهم من يعيش في قطر يتبع مذهب مغاير لمذهب هذا العالم الذي يفتي فضائيا , فقد وجب على علماء الأمة الثقات ان يجتمعون ويجعلوا المذاهب الكبرى تجارب محترمة ويجعلون الأمور الطارئة على الأمة والتطور العلمي بين أعينهم ويمعنوا النظر في تراثنا الفقهي كله ويعملوا على توحيد المذاهب على أساس :
· تقرير الأحكام المتفق عليها بين فقهاء الإسلام , أي التي لم يثر حولها خلاف .
· في المسائل المختلف عليها اختلاف تنوع يؤخذ بجميع الآراء ما دامت ثابتة في الشريعة ولا معنى للاقتصار على واحد منها , ومخاصمة غيره.
· في المسائل المختلف عليها اختلاف تضاد ينظر في دليل كل مذهب , ويؤخذ بأقوى الآراء وأرجحها دون تعصب لمذهب.
· في المسائل التي يصعب ترجيح رأي من الآراء فيها , وتتساوى أدلتها في القوة , يجوز الأخذ بأي رئي منها ويحسن تقديم ما يحقق مصلحة عامة للمسلمين .
· يترك من الآراء ما ظهر بطلانه آو ضعفه .
( ويسمى هذا المذهب مذهب الكتاب والسنة وجميع الأئمة )
إن النقاط السابقة لم أتي بها من عندي , بل هو كلام الشيخ محمد عيد عباس , واقره الشيخ محمد الغزالي رحمة الله تعالى , إن علماء المذهب الكبار رجال, وفي عصرنا هذا أيضا علماء رجال , فان فضل الله لم يحتكره نفر من العلماء سواء السابقين أو ألاحقين , ولن نملك زمام الحياة , ولن نثبت صلاحيتنا للقيادة وصلاحية ديننا لنفع العالم ألا إذا راجعنا تراثنا الفقهي وأزلنا عنه الشوائب و وحدناه , وبهرنا العيون في النواحي العبادية دون المساس بالثوابت وجعلنا ذلك التنقيح من مهام العلماء الربانيين دون تدخل سياسي او معنوي من غير المتخصصين , واني اجزم اننا بذلك سنبهر العالم سياسيا واجتماعيا واقتصاديا ,,
والله من وراء القصد ,,
التعليقات (0)