"أشكر ولاة أمرنا وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين على التوجيه بإخراجي من التوقيف، وهذا من عطفه المعروف بأبنائه وبناته من مواطني هذا البلد الكريم.وأما موضوع قيادة المرأة للسيارة فسوف أترك تقريره لولي الأمر الذي سيكون أعرف مني بتقدير مصالحه ومفاسده، وهو الذي سيراعي الظروف التي تجعله محققاً للمصالح ودافعاً للمفاسد، مرضياً لله تعالى، موافقاً لشريعته" ..
بهذه الكلمات الاقرب الى اسلوب الاعترافات المتلفزة المستلة عن طريق التعذيب والارهاب..القت الناشطة السعودية السيدة منال الشريف عصاها واعلنت توبتها من خطيئة التجاوز على ما رسمه لها العلماء واولو الامر من خطوط ودوائر وسواتر ومحددات وما غلفوها به من اغطية واستار ودثارات متراكمة من الفتاوى والاقوال المستلة من اعتق الكتب واتربها واشدها اصفرارا..
توبة السيدة منال كانت منتظرة بعد ان وجدت نفسها وحيدة دون من يقف مجاهرا بتأييده لها او على الاقل باعتراضه على سوء المعاملة التي تلقتها..وحيدة وسط الخرس الذي اصاب حتى المؤيدين الوجلين المتوافقين على اولية السلامة التي يوفرها الجلوس على التل..تاركين الساحة للاصوات المعارضة بشقيها المقتنع او المتزلف لما يبدو انه سيبقى الصوت الاعلى والركن المكين لسنوات اخرى قادمة..وحيدة وسط مجتمع لا يترفع عن سوق النساء الى السجون لمجرد تجرؤهن على اختبار الجلوس على المقعد الايسر للسيارة ويطالب بعضهم فيه بجلدهن في الساحات العامة لانهن تمردن على ما لا اصل له ولا سند في مجمل التراث الفقهي الاسلامي منذ عصر الرسالة وحتى الان..
ليس هناك من اصل لما يراد له ان يكون من ثوابت المجتمع السعودي ومن علاماته الفارقة..ولا صحة ولا دليل لكل ما يقال عن وجود اسطر ما في احد الكتب العتيقة يقول بما يجهر به بعضهم على انه من اكمال الدين واتمام النعمة..وكل ما سيق من مبررات ومسوغات لتحريم قيادة المرأة للسيارة التي منها "الخلوة المحرمة بالمرأة، ومنها: السفور، ومنها: الاختلاط بالرجال بدون حذر، ومنها: ارتكاب المحظور الذي من أجله حرمت هذه الأمور"وجعله من الامور والاسباب "المؤدية إلى الرذيلة بما في ذلك رمي المحصنات الغافلات بالفاحشة"..كل هذا لم يكن الا وسيلة للتعمية على الهدف الاصلي المتماهي مع المناخ السياسي العام وقتها و" حالة الرعب و الخوف والمستقبل المجهول وبداية الانفتاح الفضائي وقد تكالب علينا البعيد والقريب"و" تجمهر الآلاف، الغالبية العظمى منهم ممن يسمى بـ (المطاوعة) مساءً أمام دار الإفتاء في حين كان مجموعة من طلبة العلم و كبار العلماء مجتمعين في دار الإفتاء برئاسة سماحة الوالد رحمة الله"وليس الا وسيلة للتغطية على ان" من مخاض تلك الأبعاد السياسية و الاجتماعية والأمنية ولدت الفتوى بتحريم قيادة المرأة السيارة"..
لم يكن منع المرأة من قيادة السيارة فتوى ولا اجتهاد..بل نفحة من لدن الشيخ لتهدئة خواطر المطوعة الذين استفزوا من منظر ناقصات العقل والدين وهم يزاحمونهم فيما يرونه حقا لهم دون النصف الآخر المغيب من المجتمع الذي لا يجب النظر اليه خارج احاديث العورة والوطء والنكاح..وجزء من ممارسة قديمة في اضفاء الغطاء الديني على ما هو جزء من العادات والتقاليد المتعارف عليها في المجتمع وتساهل وتبسط وتهاون فيما يخص مسالة الحريات الاساسية للافراد..
لم يكن حظ السيدة منال باحسن من حظ اخوات لها قبل عشرين عاما من الزمان قاموا بما قامت به ولم يشفع لسبع واربعين منهن حجابهن اونقابهن من ان يقدن التحقيق ويرمون في "غرفة صغيرة لا تتجاوز مساحتها 12مترا" حتى الفجر التالي ولم يفلحن بالخروج من هذه المحنة الا من خلال كتابة تعهد بعدم قيادة السيارة أو الركوب في سيارة تقودها امرأة.. تعهد اعقبته حملة من "السعار التكفيري للسائقات وأقاربهن ومن يؤيدهن، بل لكل من لا يجرمهن، حتى كاد لا يبقى مسجد في الرياض وغيرها من مدن المملكة إلا وقد اكتظ بالمطبوعات وأشرطة الكاسيت والخطب التي تكفر أولئك النساء وتخوض في شرفهن وعفتهن زورا وبهتانا، بل وتستعدي الآخرين عليهن وتهدر دمهن ودم أقاربهن الذكور"فيما يعف عنه اللسان ويترفع عن ذكره القلم ومما يعد علامة فارقة للمتأسلمين تزداد حدته وتشتد وضاعته اضطرادا مع طول اللحى وقصر الجلاليب..
انتهت قضية منال الشريف بتوبتها..ولن يطول الوقت حتى تتلاشى من الفضاء الاعلامي وتختفي عن اذهان المتابعين..ولكن المجتمع لن يعدم من ينفخ جذوة الروح فيما طمر تحت رماد الزيف والتضليل..ولن يخل ممن يدق على الابواب المغلقة على الحقوق الاساسية التي اقرها الله والمجتمع للمرأة الحرة الواعية..ولن تقوى كل التبريرات على ازالة علامات الاستفهام الكثيرة حول لماذا تساق النساء الى السجون في الامر الذي تمارسه جميع بنات جنسها في كل دول العالم الاسلامي ودون ان يؤدي ذلك الى المفاسد التي اشار لها فضيلة الشيخ..
التعليقات (0)