عبد المنعم الاعسم / دعوني اطرح الفكرة التالية: ليس بالضروري ان يقع الجمهور البسيط الثقافة والمحدود الحصانة وحديث السباحة في بحار الاخبار الحرة ضحية للجملة الاعلامية التهريجية،...
وليس بالضرورةان يكون هذا الجمهور القليل الخبرة في التمييز بين الصح والصائح هو الاسرع الى ابتلاع المعلومة الزائفة المغلفة بصنعة الصوت والصورة ، والاسرع الى اعادة انتاجها والتعايش معها كحقيقة ،فان أرقى المجتمعات وعيا وذخيرة ثقافية ومعرفية عرضة للاصابة بفايروس التهريج الاعلامي ، على الرغم من ان التهريج هنا اكثر فجاجة في المعايير المدرسية الاعلامية فيما هناك يتسم بالتماسك الشكلي الى ابعد الحدود.
ودعوني ادافع عن هذه الفكرة، بالقول: نعم لقد عبرت (وتعبر طبعا) على جسورنا العراقية الكثير من الاباطيل الاعلامية في صورة من التهريج، ووقعنا(ونقع كل يوم) كجمهور، انتقل من مناخ اعلامي صارم القيود الى آخر بلا قيود، ضحايا تهريج مصنع باقل ما يمكن من المهارة ، ويكفي التدليل على ذلك بالاشارة ان الاقنية الاعلامية، عابرة الحدود والقيود، تصفعنا يوميا بكومة من المعلومات والافكار والتحليلات الباطلة والكاذبة باسم "محلل استراتيجي" او" مفكر"أو"مختص في الشؤون الدولية ".
اقول: نعم عبرت على جسورنا بضائع مغشوشة كثيرة ، واللافت اننا تعاطينا مع تلك البضائع بحسن ظن فائض، وربما باقل ما يلزم من التدقيق، لكن الامر المعروف في شارع الاعلام يقول بان مثل هذه البضاعة المغشوشة عبرت على جسور امم كثيرة كانت قد قطعت شوطا بعيدا في بناء المعارف والمصدات المعرفية، وليس ادل على ذلك من الصورة التي كرسها النائب البريطاني جورج غالاوي في المحافل الشعبية البريطانية والاوربية على حد سواء، وقد برع المختبر الاعلامي الذي يديره في تصنيع هذه الصورة وبخاصة حين اوقع اكبر الصحف الشعبية اللندنية في فخ وثيقة جرى التلاعب بها عن علاقته بصدام حسين ليكسب معركة قضائية في نهاية الامر عن براءته من هذه العلاقة..هذه البراءة المطعون بها وفق الف وثيقة ووثيقة.
ومنذ سنوات نشر اشهر مراسل لصحيفة نيويورك وقائع تزوير تقاريره التي كان يبعث بها من سايغون خلال الحرب الامريكية الفيتنامية من قبل رئاسة التحرير لكي تتلاءم مع خط التجهيز الاعلامي السائد، آنذاك، وقد فعلت تلك التقارير المحرفة بعناية كبيرة فعل التهريج بجمهور مستعد للقبول بانصاف الحقائق على انها حقائق.
والغريب ، هنا، ان علماء نفس غربيين اكتشفوا ان المجتمعات الحديثة التي ينتشرفيها مرض الكآبة على نطاق واسع احوج ما تكون الى التهريج الذي صار بمرور الايام بمثابة عقار فاعل للجمهور المكتئب، وقد كتب الخبير الالماني في العلوم النفسية يول ريتشارد ان الحضارة الغربية تبدو الان كمجموعة من الاصوات المختلفة الايقاع وصار للتهريج مكان في هذا الصخب "وقد انتبهنا الى ان ما اخترعناه من تقنيات بدأت تبث سمومها في حياتنا وليس تلوث البيئة إلا صفحة واحدة مما اصابنا من اخطار تلك الاختراعات".
المشكلة ان مهرجينا لا يتقنون فن التهريج، فأضاعوا المشيتين.
ــــــــــــــــــ .. وكلام مفيد
ـــــــــــــــــــ
"نأكل كل شيء يقف على اربع فوق اليابسة باستثناء الطاولة".
مثل صيني
التعليقات (0)