جرت العادة أن نسمع عن نفي الأشخاص خارج أوطانهم ، لكن النفي عن الأوطان بفعل فاعل لا يهم الأفراد فحسب وإنما يهم أيضا الأموال،إنها الأموال المغربية المنفية في الخارج. والأمران سيان لأنهما يهمان صنفان من رساميل أبناء الوطن،رأسمال بشري ورأسمال مالي،وكلاهما يعتبر من مقومات التنمية المستدامة، وإحدى دعائم ضمان مستقبل الأجيال المغربية القادمة.
وقد حجزت مصالح الأمن بالمطار الدولي محمد الخامس مؤخرا مبلغ 70 ألف أورو مخبأة في حقيبة يدوية لأحد المواطنين المغاربة الذي كان يستعد لمغادرة البلاد في اتجاه اسطنبول (تركيا). وحسب العارفين عن قرب بمدى اتساع آفة تهريب الأموال المغربية إلى الخارج، لا تكاد تمثل هذه النازلة إلا نقطة في واد من الأودية التي تصبّ في بحر تهريب الأموال.
إن المراقبين والعارفين بملفات الفساد الكبرى التي أنهكت الاقتصاد الوطني يشعرون بخطورة هذه الجريمة في حق الشعب والوطن.
لقد ظل ملف تهريب الأموال من المغرب إلى الخارج في مقدمة الجرائم الاقتصادية والاجتماعية المسكوت عنها، بسبب ما تثيره من حساسيات سياسية،وبفعل موقع وتموقع مقترفيها، علاوة على ما تكشف عنه من قصور قانوني في زجر المهربين الكبار وتغاضي الجرف عنهم،لكن يبدو أن ثلج الصمت المطبق السميك الذي طل يتستر على هذه الجرائم بدأ في الدوبان بعد أن أصبحت بلادنا تصنف ضمن في مقدمة الدول التي ينتشر فيها تهريب الأموال.
فما هو حجم الأموال المهربة؟ وما هي سبل تهريبها؟ وما هي آثارها على البلاد والعباد؟
حقائق صادمة تكشفها لغة الأرقام
من الصعب الوقوف على رقم بعينه بخصوص تهريب الأموال خارج الوطن،باعتبار أن مقترفي هذه الجريمة الاقتصادية والاجتماعية في حق الوطن والشعب يجتهدون اجتهادا في تكتمهم على فعلهم هذا وغالبا ما يتمكنون من ذلك سيما وأن أغلبيتهم من أعالي القوم بالبلاد ويحتلون مواقع بارزة تسهل عليهم اقتراف جريمتهم دون ترك آثار.
لكن من حين لآخر تبرز أرقام هنا وهناك، وتصدر تقارير من هذه الجهة أو تلك تسلط بعض الضوء على هذه الجريمة.
ومن آخر الأرقام التي ظهرت مؤخرا الرقم القائل أن المغرب فقد خلال 38 سنة 328 مليار درهم بفعل تهريب رؤوس الأموال.
ومهما يكن من أمر إن الأرقام التي تبرز من حين لآخر- على علة دقتها وشموليتهما تكشف حجم الثروة المغربية ألمهربة كما قد يكشف بعضها فرص التنمية التي ضاعت على المغرب وشعبه.
ومن هذه الأرقام تلك التي نشرتها "هيئة النزاهة المالية العالمية"، وهي منظمة تضم خبراء أوروبيين وأمريكيين وتحظى بسمعة دولية، تثير الكثير من الأسئلة، خاصة أن تقريرها همّ الفترة الممتدة من 1970 حتى سنة 2008، وهي فترة امتازت بالتستر المدروس والممنهج عن هذه الجريمة.
ففي المعدل تفقد بلادنا سنويا أكثر من 15 مليار درهم تغادر خلسة الحدود كل سنة، لتقبع في الأبناك السويسرية أو الأوربية، أوتركن في الجنات الضريبية. وقد أقر تقرير "بوسطن الاستشارية"، وهي مؤسسة أمريكية مختصة في الدراسات المالية، أن بلادنا تخسر سنويا حوالي ملياري دولار عبارة عن أموال مهجرة. كما أقرّ أن ثلث أموال الأثرياء المغاربة تقريبا تخمل في حسابات ببنوك أوروبية،سيما ببريطانيا وسويسرا. وفي عملية تجميعية اعتبر تقرير "هيئة النزاهة المالية العالمية"، فقد المغرب 41 مليار دولار، أي ما يفوق 400 مليار درهم على امتداد ما يقرب من 4 عقود (مند 1970 حتى سنة 2008)، وأزيد من نصف هذا المبلغ المهول غادر البلاد خلسة خلال ثلاث سنوات فقط . وتظل سنوات التسعينيات،بدون منازع وبشهادة أغلب المتتبعين، أسوأ فترة عرف فيها المغرب نزيف فقدان رؤوس أمواله، حيث سجل واضعو التقرير تبخر 12 مليار دولار، أي ما يقارب 100 مليار درهم، ما بين 1992 و1999، وذلك بمعدل أكثر 12 مليار درهم سنويا، وهي الفترة التي عرف فيها المغرب تحولات سياسية متسارعة ومضطربة وأزمة مالية خانقة لم يسبق لها مثيل جعلت البلاد على حافة السكتة القلبية. وقد قدر واضعو التقرير أن الأموال المهربة كانت تكفي لسد ديون المغرب عن آخرها أو تشييد طرق سيارة على طول أكثر من 10 آلاف كيلومتر. كما خلص تقرير"هيئة النزاهة المالية العالمية"، الذي اعتمد واضعوه على الإحصائيات التي وفرها صندوق النقد الدولي، إلى أن البلدان النامية، وضمنها المغرب، تخسر 10 دولارات على كل دولار واحد ممنوح من قبل المساعدات الخارجية الخاصة بمشاريع التنمية، وإلى أن جرائم تهريب رؤوس الأموال تشكل عقبة كبرى في تعبئة المدخرات المحلية وتحد بشكل كبير من الموارد المتاحة للاستثمار من أجل التنمية بفعل ضخ أموالا ضخمة في اقتصاديات بلدان أجنبية والجنات الضريبية.
واعتبارا للأرقام السالفة الذكر فإنه تم تسجل ارتفاعا ملحوظا وتيرة تهريب الأموال إلى الخارج وصلت نسبته إلى 11 في المائة سنويا، هذا يعني أن المغرب يتعرض كل سنة إلى استنزاف فظيع لثرواته المالية، التي يستفيد منها المهربون في الخارج ويحرم منها المغرب وشعبه واقتصاده.
وبهذا احتلت بلادنا المرتبة الرابعة على الصعيد الإفريقي ضمن "البلدان المصدرة للمال غير الشرعي" حسب عبارة كل من "دايف كار"، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي وكبير الخبراء الاقتصاديين، و"ديفون كارترايت سميث"، كبير الاقتصاديين في هيئة "النزاهة المالية العالمية"،وهما المكلفان بإنجاز التقرير حول إفريقيا. علما أن الرقم المدلى به لا يتضمن الأموال المهربة الناتجة عن تجارة المخدرات والتهريب والدعارة وتجارة البشر.كما لا يتضمن الرشاوى المدفوعة من طرف الشركات الأجنبية للحصول على صفقات عمومية أو الأموال الناتجة عن الغش في الفواتير في ميدان المبادلات الخارجية، وكذا تحويل أرباح المقاولات الأجنبية العاملة في المغرب.
من جهة أخرى،تُستشفّ من الأرقام السنوية التي دأب البنك السويسري على نشرها ضخامة الأموال المغربية المهربة.ففي سنة 2007 أشارت الإحصائيات السويسرية إلى أن مجموع حجم الودائع المغربية، المملوكة لأشخاص ومؤسسات المستقرة ببلادنا، لم تكن تتجاوز سنة 2004 حوالي 8،3 مليار دولار، لترتفع سنة 2005 إلى 9،2 مليار دولار.في حين صعدت ودائع جهات غير بنكية، من 2،9 مليار دولار سنتي 2004 و2005 إلى 3،56 مليار درهم سنة 2007. وإذا كانت ودائع الأبناك المغربية بالخارج،المقدرة سنة 2007 بـ 9 مليار دولار، وهو إجراء عادي وقانوني وشرعي تستوجبه التعاملات الدولية،فكيف غادرت 3،5 مليار دولار المتبقية أرض الوطن ولأية غاية؟ ومن تم تهريبها؟.
طبعا، وكالعادة،إن الفرق شاسع بين الأرقام المعلن عنها من طرف جهات رسمية وتلك الواردة علينا من الخارج. علما أن ما تحجزه الجمارك من أموال كانت معدة للتهريب يبقى هزيل جدا غير ذي أهمية مقارنة بما يتم تهريبه بطرق شتى.
وقد سبق أن سُئل الوزير الأول الأسبق في فترة التناوب التوافقي ، إدريس جطو، في البرلمان حول تهريب رؤوس الأموال إلى الخارج إلا أن السؤال ظل دون جواب مجدي ومقنع. وكانت مساءلة إدريس جطو مساءلة الوزير الأول، وقتئذ، على إثر صدور معطيات عن المكتب الدولي للإحصائيات أشارت إلى أن حجم الودائع المغربية بالأبناك الأوروبية سنتي 1999 و2000 بلغ ما مجموعه 21 مليار درهم. علما أن هذه الأموال لا تتعلق بودائع المغاربة المقيمين بالخارج أو بودائع الأبناك المغربية ( أكثر من 9 مليار دولار زائد 3،5 مليار دولار تعود إلى مؤسسات غير بنكية، ويرجح أن تكون لأشخاص ذاتيين أو لمؤسسات)،التي ينظمها القانون ويسمح بها، بل برؤوس أموال جرى تهريبها ووضعها في حسابات مصرفية في عدة أبناك أوروبية. واللافت للنظر أن تلك الإحصائيات لم تتضمن الأموال المودعة بالأبناك السويسرية وإنما اقتصرت على الأبناك الأوربية، مما ذلّ أن الحجم الحقيقي للأموال المهربة أكثر بكثير من الأرقام التي كشف عنها المكتب الدولي للإحصائيات. وكانت هذه المبالغ التي نجحت من الإفلات من رقابة مكتب الصرف والجمارك قد بلغت سنة 1998 حوالي 23 مليار درهم.
سبل وطرق تسهيل تهريب الأموال
أرجع التحقيق الذي قام به الباحثان الأمريكيان السالفان الذكر، أن ظاهرة تهريب الأموال شجع عليها التواطؤ السلبي للبلدان الأجنبية بفعل اعتماد منظومة مالية غير شفافة تمكن من وجود جنات ضريبية،هذا علاوة عن تكريس قواعد حديدية للسر البنكي،وأيضا التغاضي السافر عن الشركات الوهمية والحسابات المصرفية المجهولة.
حسب تقرير"هيئة النزاهة المالية العالمية"، إن تهريب الأموال من المغرب يعتمد أكثر من سبيل وخدعة. فقد يتم عن طريق تهريب السلع والمخدرات والرشوة وغسيل الأموال، وهذا ما يمثل في نظر معدي التقرير ما بين 30 و35 في المائة من مجموع المبالغ المهربة، في حين تصل نسبة رؤوس الأموال المهربة بواسطة الرشوة والمسؤولين الكبار في الدولة إلى أكثر من 3 في المائة. وتظل حصة الأسد من الأموال المهربة تتم بطريقة تبدو "عادية" وتجتاز المراقبة التي تقوم بها أجهزة الجمارك بسهولة فائقة، وذلك باعتماد تزوير التصاريح المدلى بها. وهو ما جعل واضعي التقرير يستخلصون أن ما بين 60 إلى 65 في المائة من رؤوس الأموال المهربة ناتجة عن التهرب الضريبي، إذ يكفي النفخ في قيمة الواردات والتقليل من قيمة الصادرات، حتى تصبح ملايير الدراهم خارج المغرب رغم أنف عيون المراقبة.
وهناك أيضا التهريب السري لأرباح الأسهم والشركات، والتلاعب بالمساعدات الدولية سواء في المصدر أو بعد وصولها إلى خزينة الدولة. وقد دفع تهريب الأموال عن طريق التحايل في التصريحات الضريبية والمعاملات التجارية وأرباح الشركات إلى دق ناقوس الخطر مع التنبيه إلى أن الأنظمة البنكية "تخترقها اختلالات تساعد علي تسهيل تهريب الأموال، حيث تستغل بعض المؤسسات المصرفية أوضاع الأزمة المالية العالمية لعدم كشف أرقام معاملاتها الحقيقية.
وقد أجمع المحللون على أن النظام المالي الدولي يساهم بشكل كبير في تهريب رؤوس الأموال من البلدان الفقيرة والتي في حاجة ماسة إليها من أجل انطلاق آليات تنميتها لتحسين أوضاع شعوبها.
ويعتبر وجود الفساد المالي والإداري من ابرز الأسباب التي تساعد على تسهيل تهريب الأموال. ويعد الفساد المالي ونهب المال العام وتنامي الثروات بشكل غير طبيعي ومشروع احد أسباب عمليات تهريب الأموال التي تنامت وانتشرت خلال السنوات الأخيرة.
دأب البنك المركزي على التقليل من عمليات تهريب الأموال رغم اعترافه بوجودها سيما وأنه يراقب ويتابع جميع مصادر الأموال ووجهتها وحركيتها.
يُصنف اليوم تهريب رؤوس الأموال كعملية غسيل أموال إذا كانت متهربة من الضرائب، وهذا ما يختلف عن عملية غسيل الأموال الناتجة عن الجرائم وتجارة مخدرات.
الفرص الضائعة على المغرب بفعل جرائم تهريب الأموال
فقدت بلادنا خلال 4 عقود حوالي 14 ألف درهما بالنسبة لكل مغربي كأدنى معدل للرأسمال القابل للاستثمار والتوظيف المجدي والمنتج داخليا، وذلك نتيجة تهريب الأموال إلى الخارج بطريقة غير شرعية. لقد أضاع المغاربة عموما ما يفوق 56 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بسبب هذه الجرائم الاقتصادية والاجتماعية المقترفة في حق أجيال المغرب.
وتظل الدول الغربية هي المستفيد الأول من تهريب الأموال،إذ أن حجم هذه الأخيرة يفوق حجم المساعدات المالية الخارجية المرصودة للتنمية و يتجاوز أيضا حجم المديونية.
في واقع الأمر إن استشراء ظاهرة تهريب الأموال والتصاعد الملحوظ لودائع جهات مغربية بالبنوك الأجنبية، يكشف بجلاء عن درجة روح الوطنية والطبيعة الحقيقية للعلاقة التي تربط مقترفي جرائم تهريب الأموال إلى الخارج بوطنهم. كما تزيح الستار عن الكيفية التي يفهم بعض المسؤولين والقيمين على الأمور والسياسيين والأثرياء ورجال الأعمال والمهربين صفة المواطنة وحملهم للجنسية المغربية. وأقل ما يمكن القول بهذا الخصوص أنهم يكرسون الشعور بحالة عدم الاستقرار وسوء الارتباط بالأرض والموطن لديهم. فالبلاد والفضاء والمجال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والبيئي الوطني، ومختلف مجالات الأنشطة الفلاحية والصناعية والتجارية والخدماتية التي يستغلونها ويستفيدون منها أكثر من باقي المغاربة، وكذا مستقبل الأجيال القادمة، ليست سوى أرض عبور وفرص للاغتناء السريع، في انتظار الالتحاق بلدان أخرى للتمتع بتلك الأموال المهربة. حيث لا تربطهم بأرض الوطن ومناخها الاقتصادي ووضعها السياسي سوى عمليات الربح واقتناص الفرص والصفقات، وتوسيع نفوذهم المالي والاجتماعي أو النهب لجمع الأموال قصد تهريبها. ومع الأسف الشديد أن بعض هؤلاء يساهمون بقوة في صناعة القرار ببلادنا ويضطلعون بتدبير شأنه السياسي والاقتصادي.
وهذا التصرف يتناقض،بالتمام والكمال، مع تصرف المغاربة المقيمين بالخارج. إن هؤلاء يتصدرون لائحة تحويل الأموال إلى الوطن رغم أنهم لا يقيمون به إلا أياما معدودة في السنة، وذلك عبر تحويلاتهم من الخارج إلى بلادهم المغرب. فحسب الإحصائيات الرسمية جهتي سوس والريف أكثر مناطق المغرب استقداما للعملة الصعبة، حيث أن العمال المغاربة بدول أوروبا وأمريكا وأستراليا وأسيا والمنحدرين من هذه الأقاليم يقدمون بشكل كبير على تحويل ثرواتهم ومداخلهم المالية إلى بلادهم المغرب في شكل تحويلات واستثمارات اقتصادية واجتماعية. وعلى مهربي الأموال أن يأخذوا العبرة من هؤلاء. العبرة القائلة إن الارتباط الفعلي بالبلاد وبمصيرها يقتضي امتلاك حس التجدر في أرضها والانخراط في ترسيخ الانتماء إليها على أرض الواقع، والاستثمار في مجالها الحيوي اقتصاديا وسياسيا اجتماعيا وثقافيا،واستحضار المصلحة العامة إلى جانب المصالح الشخصية والفئوية، وربط مصير الإنسان بتطورات مجتمعه من أجل صناعة المستقبل المشترك المشرق.هذا هو سبيل العضوي فعلا بالموطن.
ومهما يكن من أمر، الأكيد أن تهريب الأموال وخاصة المتعلقة منها بالعملة الصعبة له آثار وخيمة على الاقتصاد الوطني لما له من تأثير على الاحتياطي النقدي وعلى الميزان التجاري وما يترتب عنه من نقص في العملة الصعبة التي تعتبر أداة التعامل على صعيد الاقتصاديات العالمية .
فتهريب الأموال أو تحويلها الغير القانوني غالبا ما يؤثر على قيمة العملة الوطنية في مقابل العملات الصعبة ولعل كميات التحويلات الغير القانونية والتي تتم عن طريق التهريب المباشر أو الغير المباشر لها آثار كبيرة على الأنشطة الاقتصادية الوطنية في مختلف أبعادها. لذلك باتت هذه الآفة تنخر الاقتصاد الوطني خلال الرخاء والأزمات.
وإذا أردنا تسمية الأشياء بأسمائها، ودب القول إن جريمة تهريب الأموال في الظرفية الحالية التي تعيشها بلادنا، هي واقع الأمر طعنة من الخلف – مع سبق الإصرار والترصد، لمشروع التغيير والمسار الديمقراطي، ناهيك عن اغتيالها للتنمية ونمو الاقتصاد الوطني.
التخطيط للتملص من أداء الضرائب هم نوع من التهريب
يرى البعض أن التخطيط للتملص من أداء الضرائب هم نوع من تهريب الأموال لأنه يحجب عن الأنظار أموالا مهمة لا يستفيد منها الاقتصاد الوطني.
وبخصوص هذا التملص قال الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي إن حوالي مائة مقاولة كبرى في المغرب هي التي تؤدي الضريبة على الشركات، بينما تصرح 66 في المائة من الشركات المغربية البالغ عددها حوالي 170 ألفا،بأنها تتكبد خسائر مالية سنوية أو أنها لا تحقق أرباحا وبالتالي فإنها تعفى من الأداء الضريبي. إن الامتيازات الضريبية والإعفاءات تضيع على خزينة الدولة أزيد من 50 مليار درهم ، علما بأن النفقات الضريبية المصرح بها من قبل السلطات المالية والتي تبلغ 32 مليار درهم، إنما هي مبنية على أساس 270 إجراء ضريبيا والحال أن عدد الإجراءات الضريبية يلامس الـ 400 إجراء يقول نجيب أقصبي.
كما أكد الخبير الاقتصادي،نجيب أقصبي، أن الحكومة تخفي حقائق مخيفة حول من يؤدي الضرائب فعليا في المغرب، إذ منذ سنوات وهو يطالب الجهات المسؤولة بالكشف عن الشرائح الضريبية التي تؤدي الضريبة على الدخل من خلال مساهمة كل شطر في مداخيل هذا النوع من الضريبة.. غير أن الدولة تفضل تقديم رقم فضفاض يناهز 25 مليار درهم وتخفي باقي التفاصيل .
ومن المعلوم أن المنظومة الضريبية في المغرب لازالت تعاني من ظاهرة التملص الضريبي، حيث أن حوالي 100 مقاولة الأولى في المغرب تؤدي ما نسبته 86 في المائة من المداخيل الضريبية على الشركات، وتتشكل هذه المقاولات الكبرى من حوالي 10 مؤسسات عمومية ومن مجموعة أبناك وشركات تمويلية أو تأمينية، ومن حوالي 50 مقاولة مدرجة أسهمها في البورصة.. ويقول أقصبي إن هذه المقاولات الكبرى رغم مساهمتها في القسط الأعظم من الضريبة على الشركات، فإنها هي نفسها لا تسلم من التملص الضريبي بحجبها لحقيقة الأرباح التي تجنيها فعلا.
كيف تتعامل الدولة مع تهريب الأموال
رغم أن المغرب ظل يرزح تحت تسونامي التهريب الدولي لأموال الشعب المغربي، إلا أن الحكومات المتعاقبة عجزت عن التصدي له، إذ لم تقدم على استصدار نصوص تشريعية قوية وجازرة لجريمة تهريب الأموال المغربية إلى الخارج، وتحول دون استفادة المهربين من هذه الأموال، عبر تجميد الحسابات في عدد من المؤسسات البنكية الأجنبية. كما أنها لم تعمل على تعقب الأموال المهربة رغبة في استعادتها إلى الوطن، كليا أو جزئيا، باستخدام كل الوسائل المتاحة لها،على غرار ما قامت به العديد من الدول الأوروبية ونجحت في استرداد مبالغ طائلة من الأموال المهربة منها.
مازال القيّمون على الأمور في المغرب يتعاملون مع جريمة تهريب ألأموال بالوسائل التقليدية التي تجاوزها ألعصر علما أن مهربي الأموال لا يتوقفون عن ابتكار يوميا الوسائل الجديدة ذات الطابع التكنولوجي لإنجاح مخططاتهم ، بما في ذلك شبكة الأنترنيت، التي تتيح فرصة الإطلاع على الحسابات البنكية، والإجراءات المصاحبة لها، ومن ضمنها التدخل لنقلها عبر أرجاء العالم في رمشة عين.
علما أن بلادنا لم تضطر إلى المصادقة على القانون رقم: 05ـ43 المتعلق بمكافحة غسيل الأموال، الذي أقره ظهير رقم: 79ـ07ـ1، الصادر في 17 أبريل سنة 2007، إلا بعد أن تسرب تبييض الأموال إلى مختلف القطاعات، وأضحى يشكل تهديدا قويا لمناخ الاستثمار في البلاد، وعائقا سلبيا أمام تطور الاقتصاد الوطني وآليات التنمية المستدامة.
فمتى ستتحرك الدولة وتبادر إلى غلق منافذ تهريب أموال الشعب، ووضع يدها على الحسابات المصرفية المشكوك في مصدرها قبل فوات الأوان؟
ويتعقد الأمر أكثر باعتبار أن تسونامي تهريب الأموال ربيب الفساد المالي الذي لازال ينخر المؤسسات العمومية، ويستنزف إمكاناتها، ذلك لأن تهريب الأموال المغربية إلى المصارف الدولية، ناتج عن غسل الأموال. علما أن الفساد المالي في بلادنا يظل هو القاعدة، وتكفي الإشارة إلى أنه في ظرف خمس سنوات فقط ، مابين سنتي 2002 و 2006 ، تم إهدار أو التلاعب حوالي 3.370 مليار درهم من أموال الشعب المغربي، أدت إلى إفلاس ستة مؤسسات كبرى تابعة للدولة ظلت بؤرا للفساد المالي على امتداد عقود ، قبل أن تكتشف فضائحها.
لقد تعاملت الجهات المغربية المسؤولة مع تقرير المنظمة الدولية الأمريكية، وكأنه لا يعنيها، في حين من المفروض – وهذا من باب أضعف الإيمان- عليها أن تتحرى في المعطيات التي تضمنها التقرير،سيما فيما تعلق بتقاعس المغرب عن مواجهة جريمة تهريب الأموال انطلاقا من حدوده وفي اتجاه البلدان الأوربية. لكن دولتنا فضلت اعتماد المثل القائل "سبّق الميم ترتاح" إذ ذهبت إلى التشكيك في مصداقية التقرير والطعن في أهدافه ومراميه ذات البعد السياسي، وبذلك ظنت أنها تخلصت من المشكل، لكن كل الغرابيل مجتمعة ستفشل في حجب أشعة الشمس.
قالوا عن تهريب الأموال
إدريس بنعلي
قال الخبير الاقتصادي والمحلل السياسي إدريس بنعلي إن حكومة بنكيران ستتعرض لضغوطات من قبل بعض اللوبيات. يمكن أن تجد الحكومة نفسها أمام ضغوط بتهريب رؤوس الأموال إلى الخارج،وهو ما ستكون له انعكاسات سلبية للغاية على معدلات الاستثمار. وفي هذه الحالة، يمكن للحكومة أن ترد بإقرار تدابير حازمة لمنع تهريب الأموال من المغرب وفرض إجراءات أمنية مشدد على الحدود وإنزال عقوبات بمن يثبت تورطه في هذه القضايا.
وفي تعليق على تطبيق الضريبة على الثروة بالمغرب قال إدريس بنعلي، إن "هذا النوع من الضريبة تراجع الكثير من الدول عن تطبيقها، لأنها تتطلب تكنولوجيا متطورة واقتصاد شفاف ومنسجم، وإدارة ضرائب قوية الشيء الذي لا يتوفر في المغرب، ما يجعله معتركا خاسرا، وحتى ولو كان ظاهريا قد يبين عن نوع من الترابط الاجتماعي، إلا أنه في حقيقة الأمر مكلف، وغير مورد للمال، وينتج ظواهر سلبية كالتهرب وأشكاله متعددة للتهريب ليخلص إلى أن المشكل في المغرب هو أن قواعد اللعبة غير واضحة.
عز الدين أقصبي
يقول عز الدين أقصبي،الباحث في الاقتصاد،إن تهريب رؤوس الأموال بالمغرب يعتبر أحد مظاهر الفساد التي تنخر الاقتصاد الوطني. وتضم هذه الجريمة الاقتصادية طرقا مختلفة منها العمولات التي يحصل عليها بعض المسؤولين من طرف مؤسسات أجنبية ويتم تحويلها مباشرة إلى حسابات مجهولة في أبناك سويسرية أو أبناك الجنات الضريبية. كما يتم أيضا التحايل على القانون من خلال القيام بمبادلات تجارية وهمية من أجل تحويل الأموال إلى الخارج،أو خلق شركات مجهولة بالجنات الضريبية تقوم بلعب دور الوسيط من أجل تبييض الأموال المتحصلة من التحايل في أثمنة وكمية السلع والبضائع المعدة للتصدير. وتظل بعض الممارسات المعروفة في قطاع تصدير المعادن من أشكال التهريب المعروفة من خلال عدم التصريح بالكميات الحقيقية المعدة للتصدير. هذا علاوة على تبييض أموال المخدرات الذي يتم إنجازها عبر سبل ووسائل مختلفة ومتعددة.
ويقرّ عز الدين أقصبي، أن الأرقام الحقيقية تتجاوز بكثير التقديرات المعلنة حول الأموال المهربة من المغرب، والتي تشكل نسبة هامة من الناتج الوطني الداخلي. علما أن لتهريب الأموال مضاعفات خطيرة على الاقتصاد والتنمية، لأنه يضعف الاستثمارات ويؤدي إلى تراجع في الاستهلاك،وله عواقب وخيمة غير مباشرة على ميزان الأداءات، لأن الأموال التي تهرب إلى الخارج لا تعود إلى الوطن ولن يستفيد منها.
وعموما إن الأرقام الحقيقية لتهريب الأموال إلى الخارج تتجاوز التقديرات المعلنة
ما المقصود بتهريب الأموال؟
عموما يعتبر تهريب الأموال عملية القيام بنقل الأموال بطرق مخالفة للمقتضيات القانونية والشرعية المسموح بها. ذلك أن المشرع المغربي حدد في العديد من النصوص القانونية الجهات المخول لها قانونيا القيام بالوساطة فيما يتعلق بتحويل الأموال وعلى رأسها مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها والمنصوص عليها في القانون رقم 34.03 . وهذا يدل على أن كل نقل أموال بشكل مخالف للنصوص القانونية والإجراءات المنصوص عليها يعتبر تهريبا يعرض مقترفه للعقوبة بقوة القانون.
الفرق ما بين التحويل و التهريب؟
إن تحويل الأموال هي العمليات التي تتم بالطرق القانونية من طرف مؤسسات الائتمان والتي تعتبر من بين أنشطتها وضع جميع وسائل الأداء رهن تصرف العملاء أو القيام بإدارتها بحيث تعتبر وسائل الأداء جميع الأدوات التي تمكن أي شخص من تحويل أموال كيفما كانت الوسيلة أو الطريقة التقنية المستعملة لذلك.
أما التهريب فهو نقل الأموال من طرف شخص غير مخول له مزاولة نشاط التحويل أو قيام الشخص المخول له ذلك ولكن بشكل مخالف للمقتضيات القانونية المنظمة لمؤسسات الائتمان.
هل من علاقة مابين تبييض او غسل الأموال وتهريبها؟
يعتبر تبييض أو غسل الأموال تعتبر من الجرائم الماسة بالاقتصاد ومقدراته المالية. وإذا كان المشرع المغربي لم يعرف بجريمة غسل الأموال فإنه عدّد مجموعة من الأفعال التي تقع في خانة جريمة غسل الأموال وتبييضها عندما ترتكب عمدا،ومنها اكتساب أو حيازة أو استعمال أو استبدال أو تحويل الممتلكات بهدف إخفاء أو تمويه مصدرها لفائدة الفاعل أو لفائدة الغير،عندما تكون محصلة من إحدى الجرائم المنصوص عليها في القانون الجنائي. ومن هذه الجرائم الاتجار في المخدرات والمؤثرات العقلية، المتاجرة بالبشر وتهريب المهاجرين، الاتجار الغير المشروع في الأسلحة والذخيرة،الرشوة والغدر واستغلال النفوذ واختلاس الأموال العامة والخاصة،الجرائم الإرهابية،وتزوير النقود وسندات القروض العمومية أو وسائل الأداء الأخرى. إن الأموال المحصلة من هذه الأفعال تعتبر مخالفة للقانون ومحاولة تحويلها يعتبر من باب إضفاء المشروعية عليها بصفة غير قانونية لذلك عاقب المشرع على غسل الأموال بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات و بغرامة من 20000 إلى 100000 درهم، علاوة على العقوبات الإضافية المتمثلة في المصادرة الجزئية أو الكلية للأموال التي استعملت لارتكاب الجريمة والمداخيل التي تنتجها .
وقد نص المشرع على عقوبات تأديبية وعقوبات جنائية على مخالفة النصوص التنظيمية لتحويل الأموال. على سبيل المثال لا الحصر،إن الفصل 136 من القانون 34-03 المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها ينص على معاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 10000 إلى 1000000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل شخص يحترف بصفة اعتيادية ومن غير أن يكون معتمدا قانونا لذلك مزاولة أحد الأشطة المحددة في البنود 7,6,5 بالمادة 7 من نفس القانون ومنها الوساطة في تحويل الأموال.
التعليقات (0)