إنتهيت منذ فترة وجيزة من قراءة كتاب "تهذيب أحاديث الشيعة" (1) لأحمد القبانجي (2) . وهو كتاب أظن علينا جميعاً أن نقرأه بعين النقد ، إذ على خلاف زكريا أوزون (3) الذي تشعر معه أحياناً أنه يريد الهدم أكثر من إعادة البناء ، أشعر أنه يحاول أن يبني . هل نجح أم لا ؟ ليس هذا محل الإجابة حالياً ، وإن كانت الأيام ستكشف لنا مقاصده وجدوى محاولاته .
إن علينا إعادة قراءة مصادر تراثنا مجدداً ، عسانا بذلك نملك غدنا بشكل أفضل . إذ ليس من الممكن البناء على الخزعبلات والخرافات والأحاديث الموضوعة والمجعولة حضارة تليق بالإسلام . ولا يمكننا بناء إنسان يرقى إلى مستوى الكمال على هذا الكم من الكذب والعقائد المشوهة .
يقول الكاتب "يجب الإعتراف بكذب هذه الأحاديث وتطهير كتب المسلمين منها" (4) . فـ"إلى متى نداهن هؤلاء الأحبار والكهنة على ديننا ؟ وإلى متى نسكت عن إنحرافاتهم ودكاكينهم ؟!" (5)
وهي صرخة محقة ، أن نتأمل هذه الأحاديث بروية ورعاية إذ يقول الإمام في نهج البلاغة : ’’إعْقِلُوا الْخَبَرَ إِذَا سَمِعْتُمُوهُ عَقْلَ رِعَايَةٍ لَا عَقْلَ رِوَايَةٍ فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ وَ رُعَاتَهُ قَلِيلٌ‘‘. (6)
وأقدم فيما يلي عرضاً موجزاً لأقسام الكتاب :
قُسّم الكتاب إلى أربعة فصول تسبقها "همسة" ، هذه الهمسة كمقدمة يشرح فيها الكاتب سبب التأليف ، ومنهجية العمل ، ونفهم منها أن في الكتاب قسماً مؤلفاً وقسماً مترجماً ، وإن لم يحدّد لاحقاً أيهما المترجم ! ولا نعرف متى يتدخل بالصياغة ومتى يقتبس من الكتب ومتى يشرح ويفسر ! وهذه واحدة من الهنات التي وقع فيها .
بالطبع لا يخلو الكتاب من بعض الأخطاء المطبعية ، إلا أنها لم تؤثر على سياق النص أو فهمه ، وإن كان من المفضل خلوه من أي أخطاء .
في الفصل الأول : يتكلم الكاتب بداية عن الأحاديث التي تؤكد وضع الأحاديث ، ثم يوجه نقده لأربعة علماء هم : الكليني ، الصدوق ، المجلسي ، والحر العاملي .
في الفصل الثاني ينتقد أحاديث تفسير القرآن ، وكتب الدعاء والزيارة .
في الفصل الثالث : يقدم قراءة نقدية للأحاديث في كتب مختلفة .
وفي الفصل الرابع والأخير : يشير إلى الموضوعات في الأخبار والسنن .
لكن ينقص الكتاب خاتمة يشير فيها الكاتب إلى ما توصل إليه ، ويحدد الإستنتاجات التي يمكن أن يستقيها القارئ من كتابه .
إن طريقة العرض ومنهجية الكاتب توصلك إلى قناعة بأن هناك أحاديث موضوعة (وهو أمر متفق عليه بين العلماء أنفسهم) ، لكن يبدو أن هناك تسامحاً من قبلهم (7) مع كم هائل منها ! أو ربما قلة جدية في الإلتفات إليها ! وعلينا كمثقفين يقع عاتق تشذيبها وتيسيرها .
ومن الأمور التي أزعجتني بشدة في الكتاب مسألتين ، الأولى التكرار كما حدث خصوصاً ضمن الفصل الثالث من الصفحة (216) وحتى الصفحة (255) . والثانية ما ورد في الصفحة (167) من تعميمات يعرف أهل العلم (8) أنها غير دقيقة وغير صحيحة ، وإن وجدت حالات لما يذكره ، فهي حالات فردية ، لا يمكن تحميل الشيعة ككل وزرها ، يقول العزيز الحكيم في محكم كتابه : «وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى» (9) .
هذه قراءة موجزة جداً للكتاب ، تؤكد وما سبق أثرته أكثر من مرة ، أن علينا تقع مسؤولية كبيرة في إعادة النظر في تراثنا لنقرأه ضمن سياقه وبما يخدم معاشنا ، بحيث لا نخسر الذاكرة ولا العصر .
الهوامش :
(1) أحمد القبانجي ، (2009) ، تهذيب أحاديث الشيعة ، بيروت – بغداد ، منشورات الجمل ، ط 1 .
(2) موقع القبانجي على الشبكة : http://www.alwjdan.org ،
وصفحته على فيسبوك : http://ar-ar.facebook.com/AhmadKabanji#!/AhmadKabanji?sk=info
(3) أنظر على سبيل المثال كتابيه : جناية البخاري وجناية الشافعي (منشورات دار رياض الريس – بيروت) .
(4) م.س. ، أحمد القبانجي ، تهذيب أحاديث الشيعة ، ص 129 .
(5) م.ن. ، ص 167 .
(6) علي بن أبي طالب ، (2004) ، نهج البلاغة ، تحقيق : صبحي الصالح ، بيروت ، دار الكتاب اللبناني ، ط 4 ، ص 485 .
(7) أي من قبل العلماء .
(8) وأقصد تحديداً متخصصي العلوم الإجتماعية والإنسانية .
(9) سورة الأنعام ، الآية : 164 .
التعليقات (0)