حتما تصدمك حالة التناقض والمفارقة الكبيرة بين أحياء مكة والمدينة ، فبالقرب من بيت الله الحرام تماما حيث تنتصب أفخم الفنادق تناطح السحاب ، وتعانق النجوم ، برفاهية عالية جدا ، وبكثرة كثيرة جدا ، ستجد بيوت آلية للسقوط لا زال الكثير من الناس يعيشون فيها ، فمن حيثما دخلت أو تجولت في مكة ستجد المفارقة الكبيرة بين البيوت وما يحيط فيها ، ولو تعمقت أكثر في بعض الإحياء ستجد الفقر ينطق ويتكلم بلسان فصيح ، فكل ما حولك يوحي بالتردي والنقص ، وأكوام النفايات في كل مكان ، فمثلا في شارع العتيبية ( شارع الشهداء ) إذا ما دخلت الى عمق حي العتيبية ستجد مالا يسر . فالبنايات قديمة خربة آيلة للسقوط ، وأكوام النفايات حول الحاويات منتشرة بكثرة .
ترى دولة بحجم السعودية .. وبفائض يزيد عن ستين مليار دولار .. كيف نقبل مدينة كمكة المكرمة بهذا الوضع ، وكيف يستقيم الأمر .. بالمقارنة بجدة والرياض ، نجد الفارق العظيم والذي لا يمكن لأحد أن يخفيه . لماذا لا يكون مدخل مدينة مكة المكرمة كرامة لله والرسول والمؤمنين مدخلا مميزا بشوارع وطرق وممرات واسعة ، ومسطحات خضراء ، واستراحات ومواقف سيارات حديثة ، وبنايات تخضع لقانون موحد ، يجيز للأمانة العامة للعاصمة المقدسة أن تكون بمظهر يليق بجلالها ومكانتها التاريخية والدينية والاجتماعية والعالمية .
هل يمكن أن توجد مدينة في العالم أشهر وأهم وأقدس من مكة المكرمة ، هل يمكن أن توجد مدينة يرتادها الناس أكثر من مكة ، هي قبلة العالم ، ومركز الكون ، وهي مهبط الأفئدة والقلوب والعقول ، ما ينزل الإنسان من حافلته وهو يكاد يسقط أرضا من التعب ، ويشاهد من بعيد الحرم ، حتى يذهب تعبه وتبث فيه طاقة غريبة عجيبة ، تدفعه وتشجعه ، فيركض الى الطواف والسعي والصلاة ، قبل الماء والطعام والراحة ، الأولوية هي الدخول ومشاهدة الكعبة المشرفة .وما يغادرها مغادر الى وفي قلبه الم الفراق وموعد للقاء قريب ، وأمل بزيارة قادمة وهو يخزن عشرات بل مئات الصور في عقله وذاكرته وهاتفه الخلوي وآلة التصوير خاصته .
لماذا لا يكون قلب المدينة وما يحيط بها مكانا يمنع فيه الدخان ويجرم من يقترف هذا ، ولماذا لا يكون قلب المدينة مكانا تمنع في السيارات الخاصة من الدخول في حدود مساحة معينة منعا للتلوث والازدحام والاكتظاظ ، لماذا لا تكون الشوارع واسعة مبلطة ، مزدانة بالأشجار كما في جدة والرياض ، ولماذا تخلوا من المساحات الخضراء الواسعة والأزهار ، ونوا فير وشلالات المياه ، التي تسهم في ترطيب الجو وإشاعة جو من البهجةوالجمال في المكان ،ولماذا لا يكون هناك حافلات للركاب ( حافلات كبيرة تنقل الناس من أماكن تواجدهم حول الحرم ( الفنادق ) على مدار الساعة لمنع دخول السيارات الخاصة وسيارات الأجرة وسيارات ممن يعملون كسرفيس ولا يجوز لهم ذلك ، مما يعرض الحاج والمعتمر للاستغلال وسوء المعاملة على أكثر من مستوى ، ويمكن أن يتم ذلك بالتنسيق مع الفنادق على أن يحتسب مبلغا من المال يخصم من أرباح الفنادق ،لغايات الإنفاق على تلك الحافلات .
لماذا لا يتم فرض كودات بناء معينة على الفنادق تضمن أن تكون الفنادق بمستوى يليق بالمدينة ، من حيث الشكل والوظيفة ، ولماذا لا يتم فرض كودات على المطاعم والاستراحات لتلتزم بشروط السلامة والصحة والنظافة والأسعار .(يصل فنجان القهوة الى أكثر من ثلاثة دولارات في أماكن شعبية جدا ).
ولماذا لا يتم توزيع منشورات سياحية للمملكة و ومكة والمدينة توضع المعالم الأكثر أهمية وما دونها ، وتبين الأماكن التي يمكن للمعتمر والحاج ان يقصدها ، من المطاعم والأسواق والأماكن الدينية ( المزارات )
وطبعا هذه الاقتراحات ، وتلك الأمنيات ، لا تقلل أبدا وعلى الإطلاق من قيمة العمل الجاد والمخلص الذي تقوم به الحكومة السعودية وأمانة العاصمة المقدسة ، فالخدمات كثيرة والانجاز عظيم ، يحق للحكومة السعودية أن تفتخر به أيما افتخار .
فالحاج والمعتمر العادي قلما يجد ما ينغص عليه زيارته ، ولكني اكتب بعين الناقد المحب ، وعين الزائر المنتفحص ، وهكذا أتمنى الوضع أن يكون ، لقد زرت العديد من الأماكن في العالم ، فمكة تستحق أكثر من كل تلك المدن العالمية وتستحق أكثر مما هي عليه .
التعليقات (0)