ألا تجدون معي أننا فى أواخر الأيام التي كانت تحمل في ثناياها شيئاً من نكهة خاصة بنا كأمة لها خصوصيتها؟
لن يختلف اثنان في أننا نتعرض لخسائر لا تعوض في الإنسان من مبدعين ورواد ومفكرين، وتغيرات أحالت كل شيء إلى ضده. كل جمال أصبح قبحاً، وكل ما كان مقدراً له الاكتمال بدأ يتقهقر، كل ما كان يملأ أيامنا بهاء ونوراً فتر وخمد. مختصر القول إننا في الطريق إلى فقد كل أصيل وخاص ليحل محله ما ليس منا أو لنا.
ربما نظن في بداية الأمر أنها حالة انحسار طبيعي في مرحلة الانتقال نحو حضارة جديدة تفرض نفسها، لكن لا يخفى على العين البصيرة دواخل الأمور وأنها علامة خطرة على الطريق.
من تلك العلامات الخطرة فقدنا حماسنا وإحساسنا بالأشياء التي تصنع لنا الحياة مادية كانت أو معنوية، أصبحنا نرى ونحس وندرك كيف تنحسر وتختفي وراء مبررات لا تقنع طفلاً صغيراً ومع ذلك نتحمس لما حل مكانها، نتبناها، نرفع الأسلحة بعضنا بوجه بعض لنثبت شرعيتها.
في السابق كانت لنا طفرات خصبة، كثيراً ما تجاوبنا معها في حياتنا، حفلت بأفكار خلاقة في كثير من الميادين تابعتها الغالبية العظمى من الناس بعقول مفتوحة وقلوب عامرة بالنبض، تتجمع خيوطها لتبث فينا عزيمة مرة وعنفوانا جديداً مرة، ثم انقلبت الأحوال، فالخيوط التي تتجمع واهية إلى درجة مذهلة تخاف من هواجس نفسها وخطرات قلوبها أو أي خاطر يخطر على بالها فنراهم الآن مستسلمين لاهين غافلين.
كان الأمل معقودا على إنسان الحياة. أعني المفكرين الذين لهم دور رئيسي وفعال في صياغة الحياة، وتقع على عواتقهم مهمة الحفاظ على كل ما تستقيم به، ببث أفكارهم التي تساعدنا على الصمود فلا نقع فريسة لأفكار تنادي بشعارات هدامة أصبحت هدفا نندفع نحوها بلا وعي ولا روية، بذلوا محاولات مستميتة لخلق وعي يساهم في تطوير شخصيتنا، في الوقت الذي نحافظ فيه على طابعنا المميز وقيمنا المتعارف عليها ونلحق بركب الحاضر المتطور. نخلق طابعاً يحمل الإرادة الحرة والنظرة العلمية، ننتفع بكل جديد ونتمثله إلى أن ننتهي إلى أصالة وابتكار.
ها هم أولاء يرحلون عنا، أعلامنا، مبدعونا. ولا نقول إنهم أحياء فيما تركوه لنا لأن كل ما بذلوه من جهد وما قالوه أو كتبوه أو أبدعوه ليس أكثر من مخطوطات، أحرف وكلمات، نصائح وإشارات أودعت طي الكتب. أعدت لمن يريدها. اتساع الشوارع لمن يعرف كيفية السير خلالها وكيفية عبورها، كيفية جعل كل خطوة صعودا نحو الهدف الأسمى لا هبوطاً نحو درك أسفل أصبح هدفا بحد ذاته واعتنقناه دون أن ندري.
أراني أحوم حول أمور أصبحت متاهات في زماننا هذا ويحتاج شرحها إلى مجلدات ووضع اليد على موضع العلة. قد تكون مجرد عملية تنفيس لأنني ما أردت في هذه الكلمات إلا رفع كل آيات التقدير والاحترام إلى كل العباقرة الذين سبقونا وقدموا كل تجاربهم لربما نعيها وندركها ..
التعليقات (0)