الضحية مراد سائق النقل المدرسي
تعرض المواطن مراد سائق النقل المدرسي التابع لمؤسسة "دار الحكمة" القنيطرة، يوم الخميس 22 دجنبر 2011 لاعتداء شنيع بالضرب والشتم بأحط الألفاظ والإهانة والتنكيل والدوس على الكرامة وصفة المواطنة بالشارع العام ومكتب قائد الملحقة الإدارية (المقاطعة الخامسة) بأولاد اوجيه، وهذا ما تقزز له المواطنون وانتفض ضده الحقوقيون لأنه لا يمكن بأي وجه من الوجوه السكوت على الدوس على الكرامة مهما كانت الجهة التي اقترفته ومهما كانت ملابسات الظرفية التي حدث فيها.
إن ما حصل للمواطن الضحية يعدّ خرقاً سافراًَ للدستور ومواثيق حقوق الإنسان ومختلف القوانين وتجاوزاً صارخاً لمذكرة وزارة الداخلية رقم 218/و.خ.ت. بتاريخ 5 ماي 2010 والمذكرة الولائية والعاملية حول الوحدة الخاصة لتتبع شكايات وتظلمات المواطنين.
النازلة:
وقفت سيارة النقل المدرسي التابعة لمؤسسة دار الحكمة للتعليم الحر، محملة بالأطفال غير بعيد عن سيارات القوات المساعدة الفارغة المركونة بالقرب من مقر الملحقة الإدارية الخامسة بأولاد اوجيه لتمكين أحد التلاميذ من النزول قرب مقر سكناه، وهذا أمر يقع كل يوم. لكن هذه المرة تفتق اجتهاد أحد أفراد القوات المساعدة واعتبر أنه لا يمكن لسيارة النقل المدرسي أن تقف بالقرب من "صاحبة المهابة جلالة سيارة القوات المساعدة الفارغة"، ربما اعتقاداً منه أنها من المقدسات. مما جعله يندفع إلى السائق ليمطره بالسّب والشتم والضرب على مسمع ومرأى التلاميذ الراكبين بالسيارة. لم يجاريه السائق في تصرفاته، علماً أن الكثير من عناصر القوات المساعدة مازال وعيهم –على قد الحال- سيما فيما يخص ثقافة المواطنة وحقوق الإنسان ومازالوا لم يستوعبوا بعد أن مغرب "الذلقراطية" والخنوع و "الخوفقراطية" قد ولّى بلا رجعة أراد من أراد وكره من كره، وأنّه لم ولن يُسمح بالنيل بكرامة المواطن والدوس على صفته الإنسانية من طرف أي كان.
فضل السائق عدم مجارات "المخزني" الذي أزبد وأرعد، وتوجه صوب مكتب القائد للشكوى، لكن ما قام به القائد أدهى وأمرّ مما صدر من "المخزني" المعتدي، إذ شتمه و أهانه وانضمّ إليه "المخزني" وأشبعاه ضرباً ولكماً وركلاً ورفساً، وقد وصل الأمر إلى تهديده بالاغتصاب. على إثر هذا الحجز بمكتب القائد وجراء الاعتداء السافر الذي تعرض له السائق تم نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج وقد سلمه الطبيب شهادة تؤكد عجزه لمدة 20 يوماً.
استياء وتنديد:
لم يتفهم المواطنون الأمر، إذ كان رد القائد المعتدي –في عهد المفهوم الجديد للسلطة وفي ظل التأهب لتنزيل الدستور الجديد تنزيلاً ديمقراطياً ومواطناً- مفاجئاً وغير منتظراً البتة. وهذا ما دفع الكثيرين إلى التساؤل: هل قائد من هذه الطينة بمعية المخزني إياه، ألا يسيئون في العمق والصميم بتصرفاتهم الإقطاعية والاستبدادية الرعناء –التي تنم عن الجهل والتخلف وعدم الكفاءة المهنية والأخلاقية- للملك والبلاد والعباد على حد سواء؟ لذا خلقت هذه النازلة استياء وتذمراً وتقززاً وسط كافة المواطنين، حيث أن هذه الواقعة أكدت من جديد –إذا كان الأمر يحتاج لتأكيد- أن مدينتنا مازالت تحتضن رجال سلطة ومعاونيهم من القوات المساعدة مازالوا لم يستوعبوا بعد رغم مرور أكثر من عقد من الزمن، عن الإعلان عن المفهوم الجديد للسلطة والتصريح بإلزامية اعتماده.
وقد ندد حقوقيو مدينة القنيطرة بهذا الاعتداء الشنيع الذي تعرض له السائق، واعتبروا الأمر شططاً في استعمال السلطة وحرقاً سافراً لحقوق المواطنة وكل المواثيق الدولية لحقوق المواطنة وكل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والقوانين المحلية وأعراف الآداب و الأخلاق والقيم، وكذا دوساً صارخاً على الصفة الإنسانية. وطالب الحقوقيون بالتدخل السريع والمسئول لفتح تحقيق نزيه وشفاف في النازلة واتخاذ ما يترتب عن ذلك من إجراءات إدارية وقانونية وقضائية. لقد اعتبروا أن ما لحق بالمواطن الضحية من امتهان لكرامته ومس بسلامته البدنية وبأمانه الشخصي لا يمكن السكوت عنه أو طمسه لأن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس. علماً أنه يوم الوقفة الاحتجاجية عملت الإدارة على الترويج إلى أن القائد المعتدي في إجازة، وهذا سبيل لن ينفعه في شيء لأن المنددين باستبداده عازمون على تتبع الملف من منتهاه، سيما وأن سوابق ذلك القائد تكاثرت ووصلت حداً لم يعد يطيقه المواطنون الذين أضحوا يفضلون تحاشي التوجه إلى المقاطعة الخامسة.
قائد من طينة قواد سنوات الجمر والرصاص:
أن يجمعوا على أن القائد المستبد أضحى يذكرهم برجال السلطة في عهد الوزير المخلوع إدريس البصري إبّان أوج سنوات الجمر والرصاص، ومن المعروف أن الأمة لا تجتمع على ضلال أو بهتان أو ظلم أو تصفية حساب.
لقد غاب على قائدنا والقياد من طينته أن اليوم لم يعد أي مغربي يسمح بالدوس على كرامته مهما كانت الجهة التي يواجهها، ولم ولن يتسامح مع أي أسلوب من أساليب الإهانة مهما صغر شأنها وكيفما كانت الجهة التي تقترفها. وذلك لأن مغرب اليوم –خلافاً لمغرب الأمس- القانون فوق كل اعتبار. وعلى قائدنا أن يعلم –علم اليقين- أن صفة قائد –التي يحملها عن استحقاق أو العكس- لن تنفعه للإفلات من تفعيل مقتضيات القانون، هذا علاوة على أن عليه أن يعرف أن تصرفاته تطعن من الخلف، مع سبق الإصرار والترصد، سياسة القرب وترسيخ المواطنة كما ظل يدعو إليها الملك محمد السادس.
إن تصرفات من قبيل تصرفات قائد المقاطعة الخامسة، برزت هنا وهناك في بعض جهات المغرب، فهل المفهوم الجديد الذي جاء بفضل الإدارة الملكية توقفت حركيته وجدواه، لذلك أضحينا نعاين تراجعات وانعكاسات في مجال ترسيخ دولة الحق والقانون وحقوق الإنسان وتدبير سياسة القرب؟
فهل قائدنا ورجال السلطة من طينته، لم يعوا بعد أنهم كأيّها الناس في الواجبات والحقوق دون تميز وامتياز؟ وهل بمثل هذه التصرفات يمكن تكريس المفهوم الجديد للسلطة في علاقته الوثيقة –التي لا انفصام لها- مع قيم المواطنة الحق؟ وهل مفهوم السلطة هذا مازال ثقيل على كاهل رجال السلطة الذين يسكنهم الحنين لمغرب الأمس، علماَ أن الدولة مافتئت تضع سياسة استرجاع ثقة المواطن في الإدارة العمومية وسياسة تقريبها منها على رأس أولوياتها نظراً لما يؤول إليه أمر انتفاء ثقة المواطن في الإدارة من مظاهر سلبية تذكي مختلف المعضلات التي مازالت بلادنا تتخبط فيها؟
ربما قائدنا ورجال السلطة من طينته، يعتبرون أن المفهوم الجديد للسلطة كان لمجرد الاستهلاك ليس إلا، أطلق في أكتوبر 1999، وليس ليكون ساري المفعول دائماً. ألم يع هؤلاء بعد ما قاله الملك محمد السادس في خطاب افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الثامنة: "إننا نؤكد على أن المفهوم الجديد للسلطة، الذي أطلقناه، في خطابنا المؤسس له، بالدار البيضاء في أكتوبر 1999، يظل ساري المفعول (...) ليس إجراء ظرفياً لمرحلة عابرة أو مقولة للاستهلاك، وإنما مذهب في الحكم، مطبوع بالتفعيل المستمر، والالتزام الدائم بروحه ومنطوقه. كما أنه ليس تصوراً جزئياً، يقتصر على الإدارة الترابية، وإنما هو مفهوم شامل وملزم لكل سلطات الدولة وأجهزتها، تنفيذية كانت أو نيابية أو قضائية".
إن الداعي لكل هذا التذكير، ليس التوق للتضخيم المجاني، وإنما استوجبته معاناة الساكنة من شطط هذا القائد واستبداده، كما فرضته صورة رجال السلطة التي كرّسها بتصرفاته، والتي أقل ما يمكن أن تنعث أنها صورة منافية، بالتمام والكمال، لما يصبو إليه المغرب بعد الإقرار بالدستور الجديد، ورغبته الأكيدة في إقبار تصرفات قياد سنوات الجمر والرصاص عندما كانوا يعتمدون الاستبداد والتعسف والظلم كنهج للتدبير.
كان بودنا أن نعرف موقف ورأى القائد المعني بالأمر في الواقعة لكن تعذر علينا ذلك رغم عدّة محاولات.
الوقفة الرمزية بداية مسلسل نضالي:
تم تنظيم وقفة احتجاجية رمزية يوم الخميس 22 دجنبر 2011 أمام المقاطعة الخامسة، ثم أمام مقر رئيس الدائرة الذي تسلم شكاية رسمية في الموضوع، وقد شارك فيها أغلب سائقي النقل المدرسي وفعاليات حقوقية. وتشكلت "لجينة" قامت بالاتصال بالباشا قبل الاتصال بالوالي لتسليمه بلاغ الوقفة الاحتجاجية الذي أعدته جمعية "الأمان" للنقل المدرسي ورابطة التعليم في شخص مكتبها الجهوي المندد بشدة وحزم لإنصاف السائق المظلوم ولمساندته ومؤازرته.
وألقى مدير مؤسسة "دار الحكمة" خلال الوقفة كلمة مقتضية لكنها نارية مما جاء فيها: "حضرنا اليوم لمناصرة زميلنا الذي تعرض للاعتداء والاضطهاد والتعسف (...). وقفة اليوم هي مجرد وقفة رمزية، أما المسيرة النضالية مازالت مستمرة حتى بلوغ وزارة الداخلية، لماذا لا حتى جلالة الملك، لأن كرامة المواطن فوق كل اعتبار، سيما ونحن على أبواب تنزيل الدستور الجديد على أرض الواقع. نحن عازمون كل العزم على الاستمرار في النضال المستميت بأسلوب حضاري رغم أن السيد القائد المعتدي لا يعرف هذا الأسلوب لأنه يبدو أنه مجبول على العنف والتعسف، وله سوابق في هذا المجال مع أكثر من مواطن، ولا يعقل في المغرب اليوم التعامل مع هذا الصنف من رجال السلطة الذين كنا نظن أنهم في طور الانقراض مع حلول العهد الجديد.
وأملنا أن يتعامل المسئولون مع هذه النازلة بكل مسؤولية ونزاهة وشفافية وجدية لأن هناك ظلم وجب رفعه ومظلوم وجب إنصافه. ولن يتم هذا إلا بمحاسبة ومعاقبة الظالم".
على سبيل الختم:
يبدو أن قائد المقاطعة الخامسة بأولاد اوجيه نزّل الدستور الجديد على أرض الواقع المعيش بطريقته، فماذا يا ترى يقول الوالي ووزيري الداخلية، القديم والمرتقب، بهذا الخصوص؟
والحالة هاته، إن استمرار القائد المعتدي في موقعه يعاينه مواطني الأحياء التابعة لنفوذ المقاطعة الخامسة يومياً في حد ذاته إهانة لصفة المواطنة ولكرامة المواطن جراء تصرفاته المتناسلة والتي بلغت أوجها الاستبدادي في تصرفاته بمعية مساعده المخزني مع سائق سيارة النقل التابعة لدار الحكمة.
فماذا هم فاعلون؟
مرزوق الحلالي
التعليقات (0)