د.ازهار رحيم
ـــــــــــــــــــــــ
الإسقاط .. هو إحدى الوسائل الدفاعية التي تحتمي النفس البشرية خلفها، من التقريع واللوم اللذين تحس بهما، جراء ارتكابها الأخطاء والهفوات.. قد يكون الإسقاط شعوريا ،واحيانا لا شعوريا .. المهم أن يؤدي بالإنسان الى مرفأ يشعره بانه ليس الملام، مادام الآخرون هم الذين يحملون إثمه او اوزاره على أكتافهم، فيرتاح ضميره وينام قرير العين ..
هذه الطريقة التي تمنحنا بعض العزاء والراحة وتمنح الضمير اجازة اجبارية ،تعلمناها واتقنا ممارستها منذ أيام الطاغية ،حين كانت سياسته التواري خلف حجج سطحية لتبرير أخطائه الكارثية ..الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثماني سنوات لم يكن هو السبب في إشعالها !! وغزو الكويت كان ردا للإهانة التي وجهها ممثل الكويت ملطخا شرف العراقيات!! فاهتزت شوارب الطاغية وجرنا الى غزو الكويت ،تحت غطاء إعادة الفرع الى الأصل، منظماً على إثرها عمليات سلب ونهب وتدمير لذلك البلد..اما أمريكا فهي من اتهمها بتدمير العراق اقتصاديا واجتماعيا خلال سنوات الحصار والجوع والمرض التي سلبت العراقيين الكبرياء والوطن ، وليزيد وطأة الفقر والمرض ،اشترك معهم في فرض حصار داخلي اخر متمثلا في قطع الأدوية والغذاء ووضع حواجز لمنع التنقل داخل الوطن بحرية ، في حين ان مخازن الدولة كانت ممتلئة، وقصوره عامرة ولكن له ولقطيعه من البشر المستذئبين .. جرائم الخطف والسرقة المسلحة من عمل خريجي سجون النظام السابق فقط!! وليس آخرين من ذوي النفوس البغيضة التي وجدت مرتعا خصبا لممارسة شرها وحقدها في غياب الأمن !! .. العمليات الإرهابية والسيارات المفخخة وبؤر التوتر بسبب العناصر المخربة القادمة من دول الجوار ، وليس بمشاركة عراقيين صنفوا أنفسهم في قائمة مقاومة الحياة والسلام!! وفوز بغداد بالمركز الأول في قائمة اخطر واكثر مدن العالم تلوثا، بسبب عجز الحكومة عن اداء مهامها وانشغال منتسبي بلدية بغداد بالحصول على الرشاوي ،وليس لنا يد بما يحدث!!
وبعد ما حدث كل ما حدث ويحدث.. لم نعترف ان الخلل فينا فبدل من ان نشعل شمعة نشرنا الظلام فوضى ودمار .. ونستمر بالشكوى ونطالب بكل شئ ..إلا بمواجهة انفسنا وأخطائنا ونصر على مطالبة الآخرين بإصلاح الخراب الذي يلف حياتنا ،حاضرنا .. وبدلا من ان نستمع لدعاوى الإصلاح التي ينادي بها البعض، والاستفادة من أخطاء الماضي لبث الحياة والتسامح والحب، يصر البعض منا على اتهام الآخرين بالعمالة للأجنبي والتحريض على تصفيتهم ، وإثارة الأزمات ليبقى الوضع مشتعلاً، ضاجأً بالتوتر والخوف، ونبقى ندور في فلك اليأس والإحباط، لنصبح ساحة مفتوحة للانتقام وتسديد فواتير حساب متأخرة لحركات التكفير والسلفية ضد القوى الأجنبية، والا كيف دعا 26 داعية ورجل دين سعودي الى إفتاء المقاومة المسلحة في العراق ، فكأن العمليات الإرهابية التي تحصد العراقيين بالعشرات كل يوم لم تشبع غريزة سفك الدماء لديهم .. كل يوم تتواصل عمليات اغتيال شرطة ،حرس وطني ،موظفين ، عمال باسم المقاومة ، وبتهمة العمل مع الاحتلال و إشعال نار الفتنة و القتل، لحصد المزيد من الأرواح البريئة وتبديد فرص الحياة والبناء وإطفاء ضوء الأمل في الأفق.. وبدلا من ان يوجه مثل هؤلاء الدعاة وامثالهم تلك الفتاوى والدعوات لشعوبهم التي ترزح مستكينة في ظل قوانين طوارئ منذ 25 عاما واكثر في دول اخرى، سخرتها حكوماتهم لقتل وقمع مواطنيهم ،وكل من يطالب بحقوقه في الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي التي تعتبر من المحرمات في تلك الدول، بينما القوات الأجنبية تسرح وتمرح على أراضيهم تحت مختلف المسميات ،كما في قطر حيث يرابط 30 الف جندي أمريكي، و في المقابل تصر قناة الجزيرة التي تبث من دولة قطر على اشمئزازها من تجوال الحرس الوطني والدبابات الأمريكية في مدينة الصدر بعد إخماد فتيل الأزمة فيها، في حين أصدرت الحكومة السعودية أمراً لائمة المساجد في كل أراضى السعودية للتنديد ومحاربة الإرهاب الذي يعكر أمن بلادهم، ومازالت حملات المداهمة ومطاردة المخربين(يسمونهم بالارهابيين في دولهم والمجاهدين في العراق)!! مستمرة ... فتلك العمليات إرهاب على اراضيهم ،ومقاومة للمحتل على ارض العراق ..تناقض المواقف والازدواجية في الاحكام هربا من مواجهة الواقع وخوفا ومجاملة لذوي السلطة من سمات الضعفاء الذين لا يمتلكون الثبات والحجج المنطقية ،والذين يتاجرون بالمبادئ والقيم لغسل عقول الناس للحصول على انتصارات شخصية لبسط نفوذهم..اتباع مثل هؤلاء يؤدي الى العدم والخراب..
كاتبه وصحفية عراقية
التعليقات (0)