تنازلات الإنقلابي المجبور حتى حين

 تنازلات الإنقلابي المجبور  حتى حين

التنازلات التي قدمها الإنقلابيون مؤخرا برفع حالة الطواريء وإطلاق سراح السياسيين .... إلخ. جاءت متأخرة جدا ، وبعد ان إنعدمت الثقة فيهم على وقع مجزرة فض الإعتصام، وعرقلة حكومات حمدوك 1 و 2 ، وتدبير إنقلاب أكتوبر المشئوم، وقتل المتظاهرين السلميين بدم بارد ، وإعادتهم لتمكين المؤتمر الوطني الذي طالما جعجع بأن أمريكا تحت جزمته.  

ويدرك القاصي والداني اليوم أن هذه التنازلات التي أعلنها العسكر إنما جاءت خوفاً من العقوبات الأمريكية والدولية . وطمعاً من البعض في دولاب الإنقلاب الذين يطنو أن رمي العظام الرميم والفتات خلفهم كفيل بإنشغال اللِّبوات وأشبال الأسود عن مطاردتهم حيثما سروا وأينما حلُّوا. بل ومدعاة هكذا ببساطة إلى إعفاء الديون ، والحصول بكل أريحية على بوسة المعونات والإعانات التي يسيل لها اللعاب ولا تذهب إلى البلد والشعب.

كيف يتم رفع حالة الطواري وإطلاق سراح السياسيين وجهاز أمن الدولة لا يزال قائماً دون حـل؟ ثم أنه لا توجد ضمانات بأن هؤلاء الإنقلابيون والفلول وأبناء ونسابة الفلول لن يعودوا إلى سيرتهم الأولى في يوليو القادم بعد إنقضاء مهلة يونيو المقبل مباشرة ؛ والإبتسامة الصفراء على أفواههم؟

من سيعفي ديونه ويواصل المعونات والقروض لشركاء فاغنر وحلفاء بوتين روسيا وداعميه بالمعدن النادر الرنان الذي مكّنه من مواجهة العقوبات الإقتصادية بقوّة ومواصلة غزو وتدمير أوكرانيا؟

ومن سيعفي ديونه ويرسل مليارات المعونات والقروض لبنك السودان الذي لم يعد بنكاً بالمعنى المفهوم  بقدر ما أصبح صندوقاً مشاع للأقلية دون الأكثرية؟  ثم ووزارة مالية تسيطر عليها مليشيا مسلحة دون كفاءات ولا قوانين ولا لوائح مرعية.يدعي وزيرها أنه يجمع لدارفور أموال سلام جوبا . ودون أن نسمع أو نرى ونتيقن بوصول دولار واحد إلى أهل دارفور في إقليم دارفور . اللهم إلاّ 75 شوال سكر و 70 شوال دقيق منتهي الصلاحية ؛ وعربة بوكو حرام هدية للفائز الأول في سباق خيل أقيم هناك.

لا مناص إذن من مغادرة العسكر السلطة نهائيا ، والعودة الحقيقية التامة إلى ثكناتهم. والإنشغال في هذه الثكنات بالتدريب وإكتساب اللياقة البدنية من بعد طول غياب والإنقياد للسلطة السياسية . وإختفاء مظاهر حركات النهب المسلح  ، والطرف الثالث  و ٩ طويلة ؛ كمقدمة لعودة الشارع السوداني إلى وجهه الحضاري والإنساني الذي كان قبل إنقلاب يونيو 1989م. وإنقلاب 25 أكتوبر . وبما يلبي طموحات ثورة ديسمبر الغير قابلة للطي والنسيان.

مستحيل التفاوض مع الإنقلابيين على تشكيل حكومة مدنية تظل بدون صلاحيات، وجعلها شماعة ومطية لممارسة الألاعيب والتخويف والتهديد والإبتزاز وإزدراء المدنيين الغير مسلحين ، وعرقلة قراراتها وإطلاق يد ٩ طويلة وابطرف الثالث.... إلخ. مما خبره عنهم الشعب واامجتمع الدولي . بعد توقيع الوثيقة الدستورية.

لا مكان ولا مقام اليوم في أي حكومة لأي من كافة الأطراف التي وقعت الوثيقة الدستورية الرديئة الصنع ؛ التي كان جُل هم من سبكها هو الوصول إلى كراسي الحكم على غجل كأنه يسابق الريح أو يرغب في اللحاق بقطار يوشك على المغادرة . وبالتالي فلا يوجد حل ممكن ومرضي سوى أن يرافق إبتعاد العسكر  إبتعاد قوى الحرية والتغيير التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا . وفي ركابهم أطراف سلام جوبا والفلول عن المشهد تماما حتى الإعلان عن نتائج الإنتخابات العامة التي  ينبغي أن تكون بإعداد وإشراف وفرز خبراء دوليين مدعومين بحماية جنود الأمم المتحدة مباشرةوحذو النعل بالنعل. 

ولابد والحال كذلك من الإسراع بمغادرة المرتزقة ، وفي معيتهم  الغرباء والدخلاء والشتات والأشلاء من شعوب غرب أفريقيا، الذين جاءت بهم إلى البلاد بريق الذهب ونسائم أراضي الجزيرة السمراء ومياه مجرى وادي النيل. وظنوا أنها بمجانية مراعي الصحاري الجرداء وحواكير القبائل المضطهدة وأكواخ القرى المنسية.

ثم ولابد من أن يتضمن الدستور الجديد للبلاد حق تقرير المصير للجزء عن الكل من جهة ، وحق أن يطالب الكل في المقابل بفصل الجزء في حالة عدم إلتزام هذا الجزء بالخضوع للقانون والدستور، وإقتسام السلطة والثروة وفق الواقع دون مطالب فلكية مستحيلة الإيفاء. ... وحتما سيكون في هذا التضمين خير علاج لكل من يرغب في التكسب إلأى ما لا نهاية من التمرد وحمل السلاح وإستئجار المرتزقة وعصابات النهب المسلح . والذي أصبح ثقافة ليست أقل من ثقافة القتل والإغتصاب وسرقة المال العام المدعومة بفتاوي أدعياء ومرتزقة الدين ، وغيرها من تشوهات في كل مجال كرّسها عن عمد نظام حكم المخلوع عمر البشير.

مصعب المشرّف

30 مايو 2022