مواضيع اليوم

تمدين مؤسسات المجتمع التقليدي

شيركو شاهين

2011-06-02 19:52:27

0

 مع نشوء الدولة الوطنية الحديثة في العالم العربي، اتخذت العلاقة بين المجتمع التقليدي(العشيرة والقبيلة والعائلة والطائفة…) من جهة ، والدولة من جهة أخرى ، شكلا تشوبه انتهازية القوى الصاعدة في بناء الدولة وسلطاتها ، وظلت الامتيازات والتهميشات المتتالية تحكم آلية العلاقة بين الطرفين: الدولة وبنى المجتمع التقليدي

إلا أن انهيار مفاهيم الدولة الشمولية ، المصمته والغامضة ، في زمن العولمة وثورة الاتصالات ، وفشل محاولات الاندماج في المجتمع الدولي بعقلية الدولة الشمولية، أحدث تعرية كاملة كشفت الجيوب الكامنة المهمشة في المجتمعات العربية.

وابتدأ سباق محموم بين اجراءات ارتجالية تحاول إخماد ظواهر التعبير عن الذات المغبونة والمهمشة ، باتخاذ مؤسسات مدنية شكلية مفرغة من فعاليتها وفاقدة لآليات تعبير عادل عن حقوق الأفراد والجماعات، ومن جانب آخر اتخذ السباق على تشخيص الإشكالية والسيطرة عليها وتسييرها باتجاه إصلاح الدولة الوطنية،اتخذ، تخريجاً نظرياً متناقضاً ونافراً في كثير من أطروحاته عن طبيعة مجتمعاتنا، وشكل العلاقة بين بنى الدولة المختلفة، وقام على تخريج التأويلات العربية للمجتمع المدني صف طويل من المفكرين والخبراء ،مؤسسين خطابهم على مناهج التجربة الليبرالية وفلسفة الحداثة، مما أفضى، إلى المماهاة مابين النظرية من جهة والإقرار باستنساخ المؤسسات التي قامت عليها في بلدانها الأصلية من جهة أخرى…وهنا أعاد هذا الخط الفكري من جديد خطأ الدولة القومية فيما بعد الحرب العظمى الأخيرة التي استعارات المفاهيم والمؤسسات وأضافتها إلى ميراث العسكريتاريا العثمانية .. فأهملت هذه الأفكار ، تحت ضجيج العولمة، من جديد النظر إلى طبيعة صعود النخب في عالمنا العربي عبر مؤسسات مجتمع تقليدي منح هذه السلطات شرعيتها ، وإن كانت هذه الأخيرة تعاملت مع هذه البنى بانتهازية براجماتية فجة ومتعالية

لقد أفسحت الدولة الوطنية بآلياتها الشمولية المجال لنمو أنوية صلبة كامنة وقابلة للانفجار في أية لحظة تدعوها حالة التكدس الريفي في بؤر الاستيطان المدني الحديث ، هذا التكدس الذي يستتبع بطبيعته ذهنية ريفية (هامشية) تحاول أن تستعيد ذاتها بالانكماش والتمترس وراء العائلة أو العشيرة أو الطائفة…أو تنزلق إلى سلوك عدمي معاد لفكرة الدولة والوطن أساساً ، وذلك ماشكل مخزوناً غير ناضب لكوادر الإرهاب في البلدان العربية….

هذا بالإضافة إلى ما تفضي  إليه محاولة استعادة المبادرة في ظل ارتباكات مسارات الإصلاح في العالم العربي ، من ظواهر ممانعات لخطوات التغيير و تناور عليها بكافة الأشكال قوى   راسخة ومتجذرة في مصالحها  لاهثة للإبقاء على مكتسباتها… 

إن التفاتة إلى البنى التقليدية في بلداننا وإدراجها في عملية تمدين واسعة واستثمار الكامن في هذه المؤسسات من قيم تعاقدية حامية لحقوق الفرد والمجتمع مطلب ملح للنظر إليه على المستويين النظري والتطبيقي  ، وعنوان تستدعيه حوارات النخب القلقة من مرحلتنا ، فاعتبار القبيلة(على سبيل المثال) مؤسسة حلف تعاقدي بين أفراد يعيشون في بقعة ما ويتبادلون المنافع ويحمون حقوقهم المشتركة ، ولا ينقصهم سوى شرعنة اتفاقاتهم  و من ثم إخراجهم من أسوار الانعزالية واستئناف مرونة وبساطة إلغاء أو أنشاء أشكال جديدة من العقود والقوانين تتواكب مع التحولات وتجعلهم قابلين كجماعات للاتحاد والانفصال والإدماج لجماعات جديدة,,تماماً كما كانوا حين كانت القبيلة بديلا للدولة في كافة سلطاتها..إلا أن المفارقة اليوم تكمن في بقاء ما يتناقض مع سلطة الدولة ويجعل من القبيلة أو الطائفة بناء مناهضاً ..في مقابل إذابة منهجية   خطيرة لكافة الأشكال التنظيمية التي يمكن أن تجعل منها مؤسسة مجتمع مدني تكمل بالضرورة مشروع المواطنة الكاملة وحق الإنسان في التعبير عن حاجاته وحقوقه وبناء أجهزة تحميه وتحقق مكاسبه كفرد.

إن المقلق في مجتمعاتنا التقليدية هو تعمق شعورها بالغبن والهامشية والتعبير عن الاستحقاقات بأساليب غير متمدنه وغير حضارية ومن ثم تخصيب ألأرضية الاجتماعية لاختراقات القوى العدمية المعادية لحقوق الفرد في الانتماء إلى وطن آمن متسامح…فالقبيلة اليوم تتكثف فيها النزعة العصبية مؤدية إلى أشكال بدائية في التعبير عن الذات ومعيدة المجتمع ، ليس إلى ماقبل الدولة، بل إلى مجتمع  ماقبل الأحلاف التي شكلت التوق الأول إلى الوطن والدولة المدنية والخضوع لسلطة العقد الإنساني بين أفراد المجتمع الواحد … ولعل التعمق في هذه المسألة سيبين لنا مدى ما كرست له النخب من توصيف لمجتمعاتنا، ينهل من الخطاب الاستشراقي ويختزل القبيلة في السلالة مستنداً إلى مفاهيم انثربولوجية للسلالات والقبائل البدائية في تخوم آسيا وإفريقيا…ومن يقرأ تاريخنا الإسلامي ويتأمل تشكيلات القوى الاجتماعية والتكوين الثقافي لها يجد أن القبيلة في الثقافة العربية شكل متطور من الحلف قابل للتحول والتناغم مع كل مرحلة … فلنحاول أن تبدأ مرحلة جدية من الدراسات الاجتماعية مبتعدين عن لغة التعالي الأكاديمي ، ومتأملين في مؤسسات مجتمع تقليدي، يمكن تمدينها وإدماجها في عملية تفعيل دولة القانون ، وذلك قبل أن ننظر إلى مؤسسات الحداثة الليبرالية وقوى السوق والعولمة… 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !