تمديد أو جلاء..أمريكا خنجر مذخور للشدائد!؟
أظنكم سمعتم بحكاية صاحب الخنجر ، ذلك الرجل الذي كان كل ما سئل عن سبب حمله لخنجره أينما حل بمناسبة وبغير مناسبة قال انه يدخره للشدائد ، وكان يقصد بالشدائد تلك الإخطار التي يتوقع انه سيواجهها بطريقه وانه سيستخدم هذا الخنجر للدفاع عن نفسه وسيفعل ما يفعل حتى يقطع المعتدي بنصله أربا أربا ، كان ذلك في زمن الشقاوات والبلطجية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي إذ تطور اليوم مفهوم الشقاوات إلى مليشيات وصحوات وقوى أحزاب تحكم ، والبلطجة إلى شيوخ عشائر وطائفيين متطرفين وحمايات مسئولين في الدولة ومريدين ، والسلاح من خناجر وسكاكين وقامات ، إلى كواتم ولواصق وكاتيوشات وهاونات،
وللأسف لم يذكر الراوي أيا من تلك الحوادث المشرفة التي وقعت لصاحب الخنجر واستعان بخنجره استصراخا للشرف الرفيع من الأذى، بل بالعكس فقد نقل لنا انه كان يتعرض لأبشع صور الإذلال والاهانة بالضرب والتحقير يعني (مكفخة) لايحترم له جانب ولا يحسب له حساب وفي كل معركة كان يخوضها مجبرا يخرج دام الوجه ممزق الملابس وخنجره في نطاق خصره قابع في غمده تحرسه آلهة المنام ،حينها تلتف الناس من حوله لمواساته وتضميد جراحه والرثاء لحالته ، سائلين بإلحاح وما نفع هذا الخنجر الطويل حاد النصل الذي تتمنطق به لماذا لم تجرده للدفاع عن نفسك !؟ عندها يجيب انه يدخره للشدائد والملمات ، ويأتيه الجواب من أفواه الناس الملتفين حوله وهل هناك أتعس من سوء حالك وشدتك التي أنت فيها فيصمت الرجل ويداري سكوته، حتى أصبح مثلا عند العراقيين يطلق على من يمتلك القوة ولكن تخونه الشجاعة ويتباهى بقوة خادعة أو يعاني من عقدة نقص ما .
رباط الحكاية ،قرأت قبل مدة في صحيفة الصباح العراقية العدد 2291 الصادر في 7تموز 2011تصريح للمتحدث باسم البيت الأبيض وهو مترجم جاء فيه :
قال جي كارني للصحفيين إننا ننتظر لنرى هل ستقدم الحكومة العراقية طلبا إلينا . ذلك لم يحدث حتى ألان ، نحن ألان في تموز .وأضاف إن القوات الأمريكية تمضي قدما في استعداداتها لمغادرة العراق بحلول الحادي والثلاثين من كانون الأول وفقا لاتفاقية أمنية ثنائية مالم تطلب الحكومة العراقية في القريب العاجل بقاء القوات انتهى كلام المتحدث ..
وقال الأميرال مايك مولن رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة : إن العراق إمامه أسابيع فقط لتقديم الطلب لتفادي معضلة فيزيائية في تحريك 47 إلف جندي بمعداتهم وقال كارني : هذا هو فقط القدر المتاح من الوقت للحكومة العراقية لتقديم مثل هذا الطلب وتابع إذا قدموا طلبا سندرسه وإلا فإننا سنواصل العمل وفق الجدول الزمني .
والجدير ذكره إن الاتفاقية الأمنية الموقعة بين بغداد وواشنطن في نهاية تشرين الثاني من العام 2008 تنص على وجوب أن تنسحب جميع قوات الولايات المتحدة من جميع الأراضي والمياه والأجواء العراقية في موعد لايتعدى 31كانون الأول من العام الحالي .
يقول المثل حدث العاقل بما لا يعقل ولايليق !؟ إذ ماجدوى وجود هذا العدد الضخم من الجنود والقوات والأسلحة في بلد يتصدر لائحة البلدان في فقدان الأمن لمواطنيه، كل دول جواره تقريبا تعتدي عليه عسكريا واقتصاديا وتتدخل في شؤونه الداخلية وترعى جماعات في الداخل تعمل لحسابها كمأجورين ، الكويت تصر على إطالة بقائه تحت طائلة الفصل السابع الاممي ، حقدا وطمعا وتشفيا وتتخذ من قرارات الأمم المتحدة السابقة المجحفة بحق العراق مطية لتمرير خبثها وتظلمها ، وتجبي موارده كتعويضات بمليارات الدولارات، وتعمل على خنقه اقتصاديا بسلب منفذه المائي الوحيد على الخليج ببنائها ميناء مشئوم يقطع الطريق المائي في الخليج على موانئ العراق - لو تنظر إلى خارطة المنطقة تعرف أي خبث وعداء( وحرشة) تتبعها هذه الإمارة مع العراق ذلك لأنه الجار العدو المكروه الأضعف .
كان يمكن للكويت أن تقيم مينائها في أي مكان آخر على ساحلها الطويل على الخليج وتجنب إثارة المشاكل وإذكاء نار البغض ولكن هيهات العراق جار عدو مكروه وضعيف ، وتسرق نفطه عن طريق حفرا لآبار المائلة دون رادع ، إيران تصدر له الإرهاب والسلاح وسموم المخدرات، وترعى المليشيات وتهلل لضمه تحت وصايتها بحجة تشابه المذهب !؟ وتقطع عنه مصبات الأنهر وتفتح مصبات المبازل المالحة والنفايات السامة على أراضيه وتقصف قراه الحدودية !؟
إذن ما فائدة إبقاء قوات عسكرية مدججة بالسلاح المتطور التكتيكي والطائرات وليس بالخناجر والسيوف، إذا كانت لاتؤمن امن ولا تحفظ حدود ولا تردع طامع !؟ ماالسر وراء تحمل حكومة اوباما كل هذا الجهد اللوجستي لكل تلك القوات ، إذا كانت ( لاتهش ولا تنش )!؟ هل مهمتها تقتصر فقط على حماية المنطقة الخضراء لان فيها تقبع سفارتها وقصور زبانيتها !؟أم إن للأمريكان مآرب أخرى لانعرفها!؟ وهي في كل الأحول ليس في صالح العراق والعراقيين ، ناهيك عن مواقف السياسيين العراقيين المضطربة والمخجلة والتي نشم منها روائح كريهة كدأبهم في كل المحن التي تمر فيها( بقرتهم الحلوب)،حيث شمر كلا منهم ساعده في المزيد من الكذب والتضليل وكل كتلة غلبت مصالحها للفوز بأكبر قدر من التنازلات من الكتل الأخرى ،في حدود المصالح الذاتية لتلك الكتل وشخوصها ،فبسرعة البرق تم الاتفاق على سلق تشريع مجلس السياسات الإستراتيجية ،بعد انتظار دام لعام كامل بين شد وجذب بين الفرقاء الأعداء دون حسم الموضوع أورث الناس الغثيان ، ما الذي جرى ياترى!؟ وهناك من يهدد ليل نهار ويعارض التمديد لبقاء المحتلين كما يصرح، مع انه الانتهازي المستفيد الأكبر هو وبطانته بكل ما مر به العراق من مأساة بعد نيسان 2003 ..
في ظل واقع مأساوي كالواقع العراقي الراهن لابد من الصراحة الشجاعة والتصريح بحقيقة المواقف ،لابطمس الرؤوس بالرمل ولا باللف والدوران وتبويس اللحى ، من يقول بالتمديد للقوات الأمريكية عليه أن يجهر بذلك علانية ويشرح الأسباب ويتحمل المسؤولية كاملة بوضع تلك القوة الأمريكية أمام مسؤولياتها تحت أية صفة كانت، ملزمة نفسها بوثيقة اتفاق جديدة طويلة الأمد ، تتضمن بنودها التأكيد على حماية حدود العراق وسمائه ومياهه الإقليمية ومصالحه ، وأمن مواطنيه وضمان عدم السماح لدول الجوار بالتدخل في شؤونه أو فرض أية وصاية عليه ، وضمان النهج الديمقراطي الحقيقي كصيغة للحكم في ظل التعددية والحرية ، ويكون الاتفاق بوثيقة دولية أممية أسوة بالدول التي للولايات المتحدة فيها قوات عسكرية وقواعد كاليابان ، وألمانيا ، وكوريا الجنوبية ، لا بعقد الصفقات الشخصية المشبوهة مع الأمريكان وكأنها اتفاقيات للاستهلاك الإعلامي كما في السنوات الماضية ..
ومن يطالب بالجلاء عليه أن يرصد لنا البدائل المسئولة بعيدا عن الشعارات المستهلكة و الأهواء والأجندات القومية والطائفية والفئوية ألضيقه، واضعا في حساباته بغير مواربة الواقع العراقي المرير في ظل تشتت واضح للمواقف والتوق لتفريخ دكتاتوريات جديدة ، وأمزجة متقلبة لسياسيين تابعين كلا إلى جهة معينة همهم الأكبر المصالح الذاتية والفئوية،و شعب عشائري منقسم ؛ وجيش ضعيف الانتماء والخبرة والتسليح، وحدود مهلهلة وجوار طامع .
صادق البصري / بغداد
كاتب مستقل
التعليقات (0)