بعيون دامعة..وانفاس لاهثة.. وانفعال واضح.. وايادٍ مرفوعة بالدعاء..تلقفت قناة الجزيرة القطرية هبة السماء المتمثلة بالوثائق السرية الامريكية التي نشرها موقع ويكيليكس والمتعلقة باداء القوات الامريكية اثناء العمليات التي تمت في العراق..وبنفس الحماس ركزت القناة على تفسير مسرف في العدائية وسوء النية المبيتة لاشارات وردت في الوثائق تشير الى ان" 17 شخصا كانوا في الزيّ العسكري العراقي، أوقفهم الجيش العراقي في أكتوبر/تشرين الأول 2006، وقال نقيب من الموقوفين إن عناصره من قوة خاصة تعمل لدى دائرة رئيس الوزراء نوري المالكي."وعن" خمسة من كبار ضباط الشرطة كلهم سنة وبعثيون سابقون سرحهم المالكي من الخدمة" وعده نوع من التطهير العرقي استنادا الى السيد مذيع قناة الجزيرة..والنص يركز هنا على هذه الاتهامات بالذات وان كان بحماس اقل..
يبدو ان تواجد وتمويل ورعاية هذه القنوات في ظل انظمة ديكتاتورية شمولية اقصائية معتقة جعلها تفقد القدرة على التفريق ما بين المسؤول والمنصب والحكومة والدولة..ولكون آليات الحكم في تلك البلدان تتعامل مع الموظفين-بل حتى المواطنين- كممتلكات شخصية لدى الحاكم الذي يمثل هنا رمزي الحكومة والدولة معا..ادى الى اعتبار ان كل من يقوم بمهمة او وظيفة او خدمة عامة للدولة او الحكومة فانه يعمل اجيرا لدى الحاكم الاعلى مباشرة..
ان وجود قوة خاصة مرتبطة مباشرة بالقيادة العامة للقوات المسلحة..وحتى بمكتب القائد العام..ان صح وجودها..لا يعد سابقة في النظم العسكرية الحديثة ولا يفقد مثل تلك التشكيلات شرعيتها ومهنيتها وانتماءها الاصيل الى القوات المسلحة العراقية ولا يعني باي شكل من الاشكال ان افراد هذه القوة يعملون كمرتزقة او عمال بالقطعة لدى القائد العام للقوات المسلحة شخصيا..وان تقزيم القيادة العامة الى مجرد مكتب يدار من قبل شخص واحد وباستخدام تقنيات الفزعة قد يكون فيه من التغابي المقصود والتجني اكثر بكثير من السذاجة المفترضة باصحاب مثل هذه التصورات ..او انها اسقاط محتمل للوسائل التي تدار بها الامور في بلد الراي والراي الاخر..
كما ان التلميح-بل والتصريح-على ان تسريح غير موثق لخمسة من الضباط المنتمين لحزب محظور دستورياً هو عملية تطهير عرقي..هي محاولة قد تثير من الرثاء اكثر مما تدفع الى الغضب..خصوصا اذا تذكرنا المهنية العالية التي ابدتها القناة من خلال التعتيم الكامل على عمليات القتل والتهجير والاقتلاع التي مارسها النظام البائد..وعلى حادثة اسقاط الجنسية عن قبيلة كاملة بسبب اتهام احد افرادها بدعم غامض لعملية انقلابية مزعومة لم تتجاوز النوايا..والذي نرجو ان لا ينظر للتذكير به على انه نوع من التوضيح لماهية و فحوى التطهير العرقي..
وكذلك نتمنى ان لا يساء فهم الاشارة الى الاداء الاعلامي البليد والاقرب للجرم الجنائي في قضية صابرين الجنابي وتوقيته مع انطلاق خطة فرض القانون وربطه مع توقيت هذه الاتهامات مع قرب التوصل الى نتائج مثمرة للجهد السياسي الهادف الى تشكيل حكومة وطنية قوية ,على انه اتهام لقناة الجزيرة بالتواطؤ-لا سمح الله-مع القوى المعادية للعملية السياسية في العراق..
ان الانتقائية والاجتزائية والتحميل والعرض المبالغ به والاداء الاقرب الى الزعيق والجهد الجهيد الذي بذلته القناة في تضمين الحوار لمشاهد تمثيلية مصاحبة للتعليق الهاتف والطرح الاقرب الى الرأي منه للمادة الخبرية قد لا ينتج بالضرورة قضية ما..ولكنه بالتاكيد يفقد الجهة الاعلامية مصداقيتها ويدمغها بالابتعاد عن المهنية او تنكب طريق الحق والحياد وسلوك طريق مغاير للنهج الاعلامي الصادق الشريف تحت اخف الظروف..
مثل هذه الممارسات وان كنا لا نبخسها حقها في القدرة على الازعاج واثارة القرف والغثيان..ولكننا لا نملك الا الشفقة على مروجيها بسبب افتقارهم المرضي لملكة الفهم السليم للحقائق الاساسية للاشياء..وعلى ضيق الافق الاقرب الى العمى وفقدان البصيرة في ادراك الحتمية الكونية للحرية والانعتاق..وان الديمقراطية كمفهوم انساني غالب قادمة لا محالة لتنير الانفاق المعتمة التي زجت بها شعوبهم..ولا يمكن لكل الاتقان الذي يمكن ان تعد به المشاهد التمثيلية المفبركة ولا القدرات البلاغية لاعلامييهم على تاجيلها..
التعليقات (0)