تابعت بصورة غير مقصودة افتتاح مهرجان المربد الشعري في مدينة البصرة في العراق عبر الصحف المحلية والعربية . ولقد لفت نظري مضمون القصيدة التي افتتح بها المهرجان ودلالات هذا المضمون . ولكن اولا دعونا نقرأ هذا الخبر عن المهرجان كما ورد على موقع جريدة الحياة لأن بمقدور الجميع الوصول اليه بسهولة وسأذكره هنا ملخصا .
يقول الخبر ... بدأت في البصرة فعاليات مهرجان المربد الشعري في البصرة وسط حضور عربي ومحلي واحتياطات امنية واضحة . واتفق منظموا المهرجان على تقليص ايام انعقاده لتجنب ان تكون احتفالية ختام المهرجان مصادفة ليوم ميلاد صدام حسين , وجاء هذا الأتفاق بعد ان ادلى وكيل وزارة الثقافة جابر الجابري بأن دورة المهرجان هذه بعثية بامتياز للسبب السابق . مما حدى بشعراء البصرة الى الرد على الجابري حيث اعتبروا ان كلامه عبارة عن دعوة الى قتلهم . ومهرجان المربد الشعري اطلق في اوائل الثمانينات من القرن الماضي احيائا لذكرى المهرجان التاريخي القديم اللذي كان يعقد في البصرة وقد انشد في الدورات الأولى منه شعراء كبار مثل درويش وقباني . وافتتح المهرجان شاعر البصرة كاظم الحجاج اللذي اهدى القصيدة الى محافظ البصرة الجديد شلتاغ عبود . وقد صفق الحضور طويلا لهذا الشاعر وهو ينشد (( السكيرون الشعبيون يسمون الحانة او البار ( مايخانة ) يموهون الخمر بالماء من اجل التقية ربما. ونحن كنا نمازح عفيفة اسكندر ونحن نشرب الخمرة وهي تغني .. هيا بنا نسكر .. جرجس ينتظر .. مزتنا عامرة وخسنا اخضر لكن كنا يومها طلابا في جامعة بغداد كلية الشريعة - وفي الأعظمية )) . واستمرت القصيدة اللتي كانت تذكر بان جميع العراقيين لهم الحق في ان يعيشوا في البلاد حتى أولئك اللذين يرونهم رجال الدين بعيدين عن القيم . واعتبر الحضور القصيدة الأفتتاحية هذه رسالة واضحة استخدمها المثقفونللتعبير عن رفضهم للأستخدام السياسي للدين في تضييق الحريات ........ الى هنا انتهى الخبر
لم اكن اوافق البعض اللذي كان يعارض المهرجانات الثقافية ايام النظام السابق مثل مهرجان المربد هذا بذريعة ان هذه المهرجانات تستهلك وقتا واموالا كان العراقي البسيط والمحاصر بأمس الحاجة اليها لتحسين مستواه المعاشي والخدمات المقدمة اليه . فالثقافة في رأيي مهمة حتى للفقير لأنها احدى الوسائل اللتي تجعله يفكر جيدا لتحسين واقعه نحو الأفضل ولأنها تؤدي الى تقدم المجتمع ككل . وبالرغم من ان صدام اللذي كان مهووس في بعث التاريخ العربي كما كان يردد هو اللذي احيى هذا المهرجان التاريخي الا انني احيي الحكومة الحالية على الأستمرار في عقد مثل هذه الندوات والمهرجانات الثقافية بالرغم من الواقع الأقتصادي المؤلم وقلة الخدمات للأسباب اللتي ذكرتها سابقا , ولأني ضد المبدأ السخيف اللذي يعتنقه وكيل وزارة الثقافة الجابري وامثاله والقائل بان كل ما صنعه صدام هو شر يجب ازالته , لأننا بهذا المنطق يجب علينا هدم كل ما بني واستحدث في العراق منذ 1979 مع الأقرار بوجوب ازالة الطالح من هذه الأمور فقط والأبقاء على الصالح منها . ولقد اثبتت لنا تجربة هدم الجيش وتفكيكه التام بأن عمل مماثل دائما ما يؤدي الى الكوارث . كما اثبتت تصريحات الجابري استمرار بعض السياسيين الحاليين في الحكومة وخارجها بأستغلال مواضيع اصبحت ثانوية للكثير من العراقيين مثل مسألة التخويف المستمر من عودة البعثيين خصوصا في مدن الجنوب حيث البعث اصبح شيئا من الماضي . ولازال البعض من هؤلاء السياسيين يقوم بالتحريض على قتل أي انسان يعمل عملا عفويا قد يذكر بالنظام المقبور كما حصل من توافق انتهاء المهرجان مع ذكرى ميلاد صدام حسين وانا على يقين ان لا احد من القيمين على المهرجان قد فكر بأحياء هذه الذكرى بل اني متأكد ان هؤلاء قد نسوا هذه الذكرى تماما ولذلك لم يفكروا بهذا الموضوع التافه واللذي لازال الجابري وامثاله يتشبثون به وبمثله من المواضيع لألهاء العراقيين عن مصائب فسادهم الأداري اللتي تجعل اكثر من نصف العراقيين تحت خط الفقر الى الآن .
ما كنت ارفضه في مهرجان المربد ايام النظام السابق هو تمجيد صدام عن طريق الشعر وتملق الشعراء لهذا الطاغية من اجل حفنة من الدولارات يستجديها منه الشاعر بشعره . كما وكنت ارفض استقدام شعراء لألقاء قصائد خليعة تمجد الخمر وتتغنى بجسد المرأة ووصف المماراسات الجنسية في قصائدهم لما لهذه القصائد من تأثير كبير على الشباب والمجتمع يماثل تأثير الفديو كلبات اللتي تبث على الفضائيات هذه الأيام . الا انني وجدت ان كل هذه المثالب تحدث في هذا المهرجان اليوم بالرغم من اختلاف الزمان . فشاعرالأفتتاحية ذكرنا بتملق المسؤولين مرة اخرى واهدى قصيدته اللتي يعترف فيها بشربه الخمر وتمجيده لها الى محافظ البصرة الجديد وبالتأكيد من اجل حفنة من الدولارات والا فان المحافظ لم يستلم مهامه الا منذ اسبوعين ولا اعتقد ان الشاعر اهداه القصيدة عرفانا منه لأنجازات هذا المحافظ العظيمة . كما اني لاافهم كيف يرتضي هذا المحافظ المحسوب على حزب رئيس الوزراء المسمى حزب الدعوة الأسلامية على نفسه ان تهدى اليه مثل هذه القصيدة الماجنة . بالطبع لن يعارض السيد المحافظ فلفظ الأسلامي الآن اصبح يلصق حتى باسماء الأحزاب اليسارية والعلمانية استجدائا للأصوات .
وعلى الرغم من ان الصحف تذكر ان هذه القصيدة هي رسالة للأحزاب الدينية يقول فيها العلمانيون واليساريون لهم ان من حق الجميع ان يعيش , وبالرغم من اني اوافق ان كل العراقيين من حقهم ان يعيشوا ويعتقدوا ما يشائون , ولكني اتسائل هنا هل ان العراقي لايستطيع ان يعيش بحرية الا اذا انسلخ عن دينه وجاهر بالموبقات نهارا ومساء . وهل ان انتشار الخمر والمخدرات وحتى اللواط اللذي يدافع عنه العلمانيون هذه الأيام وكأنه فعل عادي تصنعه كل الدول المتحظرة هي امور مهمة للعراق الجديد . وهل يجب علينا نحن العراقيين ان نحتسي الخمر ونمارس اللواط لكي نصبح من الدول المتطورة .
لا اكاد افهم لماذا اذا ما تكلم احد ما لينتقد مجرد انتقاد هذه الممارسات اللا اخلاقية انطلاقا من مباديء دينه اللذي يوجب حرق اللوطي حيا كما فعل ابو بكر رضي الله عنه وعلي عليه السلام من قبل تجد العلمانيين واليساريين يقيمون الدنيا ولا يقعدونها على رأس هذا المتكلم حتى اصبحت العلمانية في عالمنا العربي وكأنها مرادف للرذيلة والفجور اكثر منها للديمقراطية والتمدن .
نعم انا ضد استغلال الدين لتحقيق مكاسب دنيوية او لأنشاء محاكم تفتيش . ولكن انتشار الموبقات في المجتمع المسلم هو بالتأكيد هدم لهذا المجتمع , ونحن اذا ما اردنا ان نتعلم من الدول العلمانية المتطورة فيجب علينا ان نتعلم ديمقراطيتهم وتمجيدهم للعلم والعلماء وان نترك لهم تمجيد المخدرات والزنى واللواط وبالتالي سنصبح افضل حالا منهم لأننا بذلك اخذنا كل ما هو صالح عندهم وعندنا وتركنا كل ما هو طالح عندهم وعندنا .
التعليقات (0)