قال الباحث الإسرائيلي، مارك هيلر، في دراسة جديدة أعدها ونشرها على موقع مركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، إن الولايات المتحدة الأمريكية فضلت تقوية وتوطيد علاقاتها مع روسيا، على حساب تركيا، مشددا على أن زيارة رئيس الوزراء التركي إلى واشنطن الشهر الماضي لإقناع الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، بالتدخل عسكريا في الأزمة السورية باءت بالفشل.
واشار إلى أن رجب طيب أردوغان عاد من واشنطن إلى تركيا بخفي حنين، على حد تعبيره.
وساق الباحث قائلا إنه منذ اندلاع الأزمات في العالم العربي، كان التدخل الخارجي أحد العوامل الرئيسية في إسقاط أنظمة الحكم في تونس، مصر وليبيا، ولكنه استدرك قائلا، إن الوضع في سورية يختلف، فالمعارضة منشقة على نفسها، ولا يوجد إجماع بين القوى التي تُحارب نظام الرئيس الأسد، وهذه المعارضة تتلقى معونات مالية، ولكن ليست عسكرية من الائتلاف الثلاثي، المختلف في ما بينه أيضا، والمكون من المملكة العربية السعودية وإمارة قطر، وهذه المعارضة تُحارب بإصرار ضد النظام الحاكم في دمشق، ولكن حتى اليوم لم تتمكن من إحراز أي انتصار يحسم المعركة، ولكن بالمقابل، فإن نظام الأسد، زاد الباحث، يتلقى الدعم، كل الدعم من إيران وحزب الله، وهما القوتان الوحيدتان اللتان توجد لهما قوات عسكرية على الأراضي السورية، علاوة على الدعم غير المتوقف في المجال السياسي والأمني والعسكري من روسيا.
وقال الباحث الإسرائيلي أيضا إنه خلال الفترة الأخيرة نُشرت العديد من التأويلات حول الإصرار الروسي في دعم نظام الرئيس د. بشار الأسد، بما في ذلك نقمتها على الغرب، الذي استغل قرار حماية المدنيين في ليبيا، والصادر عن مجلس الأمن الدولي، لإسقاط نظام القذافي، مع ذلك، أوضح الباحث هيلر، أنه يميل إلى الاعتقاد بأن الأسباب التي دفعت روسيا وما زالت تدفعها لدعم النظام في دمشق هو مصلحتها في الحفاظ على الكنز الإستراتيجي الذي تمثله سورية بالنسبة لها في منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى رغبتها العارمة في تجديد دورها كقوة عظمى تُضاهي الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى ذلك، شدد الباحث الإسرائيلي في دراسته على أن سيطرة الجماعات الإسلامية المتشددة والمتطرفة على مقاليد الحكم في تونس ومصر وإلى حدٍ ما في ليبيا، جعلها تخشى من أنْ تقوم الجماعات الإسلامية في الدول المتاخمة لروسيا بالاستقواء وتنفيذ العمليات الإرهابية ضد المصالح الروسية في عقر دارها، الأمر الذي من شأنه أنْ يُهدد الأمن والآمان في العمق الروسي، على حد تعبيره. وأكد على أنه مهما كان السبب، فإن روسيا دعمت وستبقى تدعم الأسد بدون هوادة.
ولفت الباحث في سياق الدراسة إلى أن هناك مجموعة من المحللين الأمريكيين، علاوة على جهات خارجية التي تدعم إسقاط الرئيس السوري، ناشدوا مرة تلو الأخرى الرئيس باراك أوباما بتقديم المساعدات للمعارضة السورية لقلب الميزان لصالحها قبالة نظام الأسد، وكانت الأخيرة تركيا، التي طالبت واشنطن مرات عديدة في الآونة الأخيرة بالتدخل العسكري لإسقاط الرئيس الأسد، ويُمكن فهم غضب أردوغان الشخصي على صديقه السابق الأسد، بأنه رفض الانصياع لنصيحته، ولكن الباحث قال إنه في هذه الفترة بالذات، تركيا تخشى من تداعيات إستراتيجية من الوزن الثقيل عليها نتيجة الأزمة في سورية، ذلك أنه في حالة انتصار الأسد، فإنه لن يتورع عن استغلال الحساسيات الإثنية والدينية في تركيا لزعزعة اقتصادها، وفي حال زعزعة الاستقرار الاقتصادي التركي، أوضح الباحث، سيتبخر حلم أردوغان بالتحول من رئيس وزراء إلى رئيس للدولة التركية، كما يُخطط، كما أن الأسد لن يتوانى للحظة عن زرع بذور الفتنة في تركيا من أجل تقسيمها.
مع ذلك، أضاف الباحث هيلر قائلا إن تركيا التي كانت على استعداد للمواجهة المباشرة مع إسرائيل، قبرص واليونان، فإنها تخشى أنْ تُواجه روسيا لوحدها في كل ما يتعلق بالأزمة السورية، وصناع القرار في أنقرة، أضاف الباحث، يفهمون جيدا أنه بدون التدخل الأمريكي المباشر لن يحدث أي شيء في سورية لصالح المعارضة، وبالتالي لم يكن مفاجئا أن القمة الأمريكية ـ التركية الأخيرة في واشنطن في أواسط شهر أيار (مايو) الماضي ناقشت الأزمة السورية فقط، ولكن عمليا، أُرسل أردوغان من قبل أوباما عودة إلى بلاده بأيد فارغة، لأنه لم يستجب لطلباته واكتفى بإرسال مساعدات إنسانية فقط وأسلحة غير فتاكة للمعارضة السورية، كما أن أوباما عارض بشكل متواصل إرسال الأسلحة أوْ التدخل العسكري المباشر في سورية.
ولفت إلى أن الميزان الإستراتيجي بين واشنطن وروسيا ليس هو المحرك الوحيد لهذه السياسة الأمريكية، بل أيضا لأن أمريكا تخشى من الدخول في حرب جديدة بعد أنْ انسحبت من العراق، وبعد حربها الفاشلة في أفغانستان، وزاد قائلا إن الوضع في سورية هو ضبابي للغاية، الأمر الذي لا يسمح لواشنطن بأنْ تُخاطر في حرب واسعة النطاق، ناهيك عن أن الولايات المتحدة تطمح إلى تحسين علاقاتها مع روسيا في مناطق أخرى من العالم، وعليه، فإنه في القضية السورية لا توجد لأمريكا الأسباب المقنعة لتفضيل الموقف التركي على الموقف الروسي، وعمليا فإن موافقة وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، على عقد مؤتمر جنيف الثاني بناء على اقتراح من وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، كانت بمثابة رسالة واضحة لتركيا بأن الأجندة الأمريكية تُفضل العلاقات القوية مع روسيا، على العلاقات مع تركيا، ولكن الرسالة الأقوى من ذلك، قال الباحث الإسرائيلي كانت أن أوباما لن يخوض حربا في سورية، على حد قوله، لافتا إلى أنه بدون التدخل العسكري الأمريكي في سورية، فإن التأثير الخارجي على الأحداث في سورية سيكون لصالح النظام الحاكم، وخلص إلى القول إنه في حال انتصر الأسد على المعارضة، فإنه سيقوم بالانتقام من الدول العربية والغربية التي تقوم بدعم المعارضة، بما في ذلك تركيا، وهذا الأمر سيكون الضربة القاضية لسياسة وزير الخارجية التركي، داود أغلو، بأن بلاده تطمح إلى صفر مشاكل في سياستها الخارجية، على حد قول الباحث الإسرائيلي.
|
التعليقات (0)