تختلف الأمراض وتتنوع بتنوع الفعاليات الحياتية، فمنها ما يصيب البدن ومنها ما يطيح بالأنفس البشرية ومنها ما يتعدى حيّز هذا وذاك إلى آفاق واسعة قد تشمل المجتمع بأسره وتصيب واقعه في الصميم سواء كان السياسي أو الاقتصادي وغيره من المجالات ذات الصلة الوثيقة بالحياة الإنسانية، ولو أجرينا احصائية طبية لوجدنا إن أبناء بلدي يتربعون على عرش الشعوب الأكثر إصابة بالأعراض والأمراض، الخبيثة وغير الخبيثة - المستعصية وغير المستعصية، ما انسحب على واقعه السياسي والاقتصادي، فكلا الواقعين مصابان بجملة من الأمراض يتقاسمهما الانتاج المحلي والخارجي، سيما إن ابواب الاستيراد مشرعة أمام الصالح والطالح، وهذا ينطبق على الواقعين، فالأول تكون فيه عملية استيراد الأزمات عن طريق بعض المتنفذين في السلطة لتمرير وتنفيذ أجندات خارجية مما جعل المفصل السياسي ملوثاً ومليئاً بالفايروسات، يقابله بالجانب الآخر أناس يبحثون عن المصل الناجح بغية شفائه، أما الواقع الاقتصادي فيرتبط ارتباطاً وثيقاً بالواقع السياسي، ويكاد يكون مشابهاً له بدرجة كبيرة جداً، فقد انُفق أكثر من 500 مليار دولار منذ سقوط الطاغية من دون انجاز اقتصادي يلفت النظر، وهذا الرقم خيالي إذا ما قورن بحجم انفاق الدول في هذا الجانب ونتائجه، اعتقد ان الواقع العراقي يكاد يكون مشابهاً لذلك الرجل الثري جداً، الذي أصيب بوعكة صحية أجبرته على الرقود في الفراش لسنوات ولم يدع طبيباً إلا وطرق بابه للوقوف على علته حتى بدأت بالتضاعف والتحول إلى مرض مستعصٍ دعاه إلى الترحال خارج أسوار بلده ليجوب أمصار العالم، التي يتقدم فيها الطب إلى أن باءت محاولاته بالفشل، بعدما أنفق الكثير من أمواله، ليؤول به المآل إلى الاستقرار في بلده وانتظار الرحمة الإلهية التي وسعت كل شيء، وفي أحد الأيام دعا ذلك الثري أحد رجال الدين الأفذاذ المعروف بالتقوى والورع على وليمة، فقال له رجل الدين: سألبي دعوتك شرط أن يأتي معي طلبتي، فقال الثري: فليأتِ معك من الطلبة ما تشاء، فهذا الأمر يفرحني كثيراً، جاء رجل الدين وطلبته واستقبلهم الثري استقبالاً حاراً، ثم دعاهم لتناول الطعام الذي تزاحمت فيه الألوان والاشكال واختلفت فيه الروائح والنكهات، وما إن أخذ المدعوون بتناول الطعام حتى التفت رجل الدين إلى الرجل الثري وقال له: لماذا لا تشاركنا الطعام؟ سيما إن من عادات العرب أن يشاركوا ضيوفهم الطعام، فقال الثري: لقد منع الأطباء عني تناول أغلب الأطعمة اللذيذة ونصحوني بالاكتفاء بتناول الخضراوات وخبز الشعير، فرفع رجل الدين يده عن الطعام وقال: قص عليّ حكايتك: فقص الثري حكايته، فأطرق رجل الدين برأسه وقال: أكاد أجزم انك بخيل على نفسك وعيالك، أو أن طريق كسبك للأموال فيه شك وريبة.
إن العراق بلد ثري جداً وفيه ما فيه من الأمراض المستعصية المستشرية في جسده الاقتصادي والسياسي، وقد انفق مليارات الدولارات دون جدوى فهل أنفق على نفسه وعياله؟ أم جاد بخيراته على جيرانه وأصدقائه الأعداء، أعتقد أن العراق بإمكانه أن يتماثل للشفاء ويقف على قدميه مجدداً وهذا يتطلب حملة كبيرة في بداية الأمر لإزالة التلوث السياسي الطاغي على أغلب مرافقه الحيوية، ومن ثم اللجوء إلى العلاج النفسي والروحي وهو نصف الدواء، وذلك عن طريق غرس روح الأمل والتفاؤل في نفوس أبنائه الغيارى وإشاعة روح المواطنة وحب الانتماء للأرض والمؤاخاة والمساواة دون تمييز مذهبي أو قومي أو أثني.
التعليقات (0)