علي جبار عطية
خيرني صاحب محل الهواتف النقالة بين عدة انواع من الموديلات وكل جهاز وسعره وحسب الطلب لكن ما لفت نظري قوله ان لدي جهاز (ابو التلفزيون) فلما رأيته وجدت حجم شاشته بحجم الشخاطة الباكستانية قبل ظهور عصر القداحة التي تعمل بالبطارية!
في هذه اللحظة التاريخية - كما يحرص السياسيون على التعبير عنها- تذكرت علاقتي بالتلفزيون ابو الكنتور الذي لا يعرفه الجيل الجديد والطقوس التي ترافق مشاهدته وكيف يكون اليوم الذي يعطل فيه يوما للحزن العائلي ثم تبدل الحال ووصلنا الى التلفزيون الملون وكيف ابتلينا بتلفزيون ماركته المانية وكان مستعملاً وقد اتعبنا بعطلاته ثم صارت فيه حالة مرضية غريبة أعرضها على القارئ الكريم ليتأمل فيها:
اذ ان تلفزيوننا لا يعمل الا اذا وضعنا قربه مدفأة غازية لمدة لا تقل عن ثلاث ساعات ثم حين نشغله يجب ان نضربه باحدى آلات فض النزاع في المجتمعات المتخلفة (الحذاء او القبقاب او مشتقاتهما) وهو يكتفي بست او سبع ضربات ليبدأ بثه! وكان أشد ما يحرجنا اذا كانت هناك مباراة كرة قدم مهمة في وقت لا يتناسب مع أوقات بث تلفزيون العراق فهذا يعني وجوب وضع المدفأة قبل ثلاث ساعات من بدء المباراة فاذا المباراة تبدأ في الثانية ظهراً فهذا يعني وجود مراقب بث عائلي خفر يترك كل أعماله ضحى ذلك اليوم ليؤمن اشتغال التلفزيون!
لقد انتهت حياة هذا التلفزيون المريض بعد الثورة التكنولوجية الهائلة باعطائه الى احد الجوالة من دون مقابل لكن ذكراه الأليمة اشتعلت في رأسي امام محل اجهزة الهاتف المحمول وقلت: سبحان مغير الأحوال من حالٍ الى حال فها هي رياح التطور تصغر الكبير وتكبر الصغير وصيرت ساعة اليد تلفزيوناً وشبكة عنكبوتية وحاسوبا اذ وضع سره في أضعف خلقه ولن يحتاج المرء الى (جوال) ينقذه من جهاز عاطل اذ يمكن خلعه من يده كما ينزع الخاتم ويلقيه في أقرب مستنقع!.
كاتب وصحفي عراقي
التعليقات (0)