مواضيع اليوم

تلفزيون الواقع في الفضائيات العربية .. نسخة مشوهة لبرامج الغرب ومدمرة لتقاليد الشرق

د.علي الجابري

2009-10-06 15:19:45

0

ينذر بضياع الهوية وتدمير العقول

تلفزيون الواقع في الفضائيات العربية .. نسخة مشوهة لبرامج الغرب ومدمرة لتقاليد الشرق

لماذا يقبل الشباب العربي على تلك البرامج رغم انها لا تمت للواقع بصلة ؟


د. عـلـي الجـابـري / معد ومقدم للبرامج السياسية في تلفزيون ابوظبي

 

بين مؤيد ورافض مازالت برامج تلفزيون الواقع بنسختها العربية متارجحة وتتناسل بشكل كبير لا يكبحها أي وازع قيمي او اخلاقي نتيجة تهافت القنوات الفضائية العربية الخاصة على كسب مزيد من الاموال بعد ان وجدت من تلك البرامج كنزا كبيرا يدر عليها الارباح من حيث لا تحتسب ؟؟ ورغم الرفض القاطع من المتمسكين بالتقاليد والاعراف العربية المعروفة ، الا ان الاقبال الشديد عليها من قبل شرائح الشباب والمراهقين دفع الى تقديم المزيد منها دون مراجعة او تقييم لها ، لوضعها في الطريق الصحيح وتصحيح المسارات الخاطئة التي سجلت عليها طيلة الفترة الماضية .. حتى ان الدراسات العلمية بهذا المجال مازالت قاصرة ومرتبكة وبحاجة الى المزيد من التركيز والتمعن في هذه الظاهرة التي قفزت ببعض الفضائيات الى نقاط محرمة او شائكة او مثيرة للجدل .

ماهو تلفزيون الواقع ؟


تلفزيون الواقع هو نوع من البرامج التي لا تعتمد على النص المكتوب في الإعداد أو المشاهد المرتبة مسبقا ويقوم على محاولة نقل مجموعة محددة من الناس من الجنسين إلى مكان واحد وبيئة منتقاة وفقا لفكرة البرنامج وتسجيل حياتهم وردود أفعالهم ونقلها إلى جمهور المشاهدين ليتمكنوا من متابعة تصرفاتهم وردود أفعالهم على مدار الساعة دون تدخل في الأحداث من قبل فريق العمل . لكن تسمية تلفزيون الواقع ينبغي أن تكون ممثلة لمعناها أي أن تكون الفكرة مبنية على أساس واقعي ملموس في الحياة لا يتم المبالغة فيه بشكل يضيع روحية التسمية والهدف .
البدايات غربية
الفكرة لم تكن بجديدة إلا في عالمنا العربي الذي استنسخها من الغرب في السنوات الأخيرة لكنها بدأت في السبعينيات في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال برنامج اسمه ((العائلة الأمريكية))وتناول موضوع الطلاق والشذوذ الجنسي ومواضيع أخرى محرمة جاءت بعدها في عام 1948 الخطوة التالية لبرامج تلفزيون الواقع من خلال «الكاميرا الخفية» – وأصل تسميته بالإنجليزية «الكاميرا الصريحة» Candid Camera على شاشات التلفزيون في الولايات المتحدة أيضا إلا أنها لم تكن تحمل هذه التسمية . على ان هذه البرامج على شكلها الحالي ربما تكون قد انطلقت في العام 1992 من خلال برنامج ((عالم حقيقي)) real world في قناة (mtv) الأمريكية حيث تم فيه جمع أشخاص في مكان واحد لا يعرف احدهم الآخر ويتم متابعة تصرفاتهم بالصوت والصورة . تلتها تجارب قامت بها هيئة الإذاعة البريطانية (bbc) في عام 1996 ثم التلفزيون السويدي عام 1997.. على أن البرنامج الأبرز انطلق عام 1999 في التلفزيون الهولندي والذي حمل اسم الأخ الأكبر (big brother) الذي أصبح البرنامج الأكثر شهرة في العالم فيما بعد .
على أن الظاهرة لم تتوقف عند برامج تلفزيون الواقع فقط بل تعدتها إلى إنشاء قنوات متخصصة ببث تلك البرامج مثل (فوكس ريالتي) fox reality الأمريكية وقناة (زون ريالتي) zone reality البريطانية وعربيا قناة ستار أكاديمي التابعة لتلفزيون (أل بي سي) lbc اللبناني.

تلفزيون الواقع العربي .. نسخة مشوهة ومكررة؟


عربيا لم تكن برامج تلفزيون الواقع إلا نسخة مطابقة مع بعض التغييرات في الشكل أحيانا عن البرامج الأجنبية ، حيث أخذت القنوات اللبنانية هذا الدور في بادئ الأمر ثم انتقلت إلى القنوات العربية الخاصة الأخرى . والمشكلة أن العديد من البرامج التي ظهرت في السنوات الماضية لم تراعي الأعراف والتقاليد العربية والإسلامية التي تختلف جذريا عن تقاليد الغرب وعاداته ، وكان لابد من أجراء تغييرات جوهرية على شكل ومضمون تلك البرامج لتتسق مع التقاليد والأعراف ، بل تأخر الأعلام العربي كثيرا في إيجاد أفكار جديدة مستنبطة من واقع مجتمعاتنا العربية الزاخرة بالحياة . ومن أوائل البرامج التي ظهرت على الشاشات العربية ((سوبر ستار)) Super Star و ((ستار أكاديمي)) Star Academy وهما برنامجان لاختيار المواهب الشابة في الغناء . وبرنامج (ميشن فاشن) Mission Fashion الخاص بالأزياء ومسابقة انتخاب ملكة جمال لبنان Miss Lebanon و(بروجكت فاشن للأزياء) Project Fashion والكثير من البرامج التي ظهرت فيما بعد .
وما زالت برامج تلفزيون الواقع مثار جدل بين أوساط المتخصصين في الأعلام والجمهور على حد سواء نتيجة تجاوزها لجميع الخطوط الحمراء كما يرى البعض واستقطابها لجيل المراهقين والشباب بطريقة ترهق ميزانياتهم نتيجة اعتمادها على المشاركة الجماهيرية من خلال التصويت بالرسائل النصية القصيرة أو المكالمات الهاتفية التي سجلت أرقاما خيالية في بعض البرامج، إذ قدرت بعض الجهات الاتصالات الهاتفية على برنامج «ستار أكاديمي» وحده في إحدى السنين ب 23 مليوناً ومائة وخمسة وسبعين ألف اتصال في مصر وفي لبنان: 18 مليوناً وخمسمائة وستة وثلاثين ألف اتصال. وفي سورية : 16 مليوناًَ وتسعمائة ألف وثلاثة وثلاثين اتصال. وفي المملكة العربية السعودية: 11 ‏مليوناً وثلاث مئة ألف اتصال. وفي الأردن: 8 ملايين وثمانية وسبعين ألف اتصال. والإمارات العربية المتحدة: مليون ومائتان وواحد وعشرون ألف اتصال. والكويت: 300 ألف اتصال.اليمن: سبعة آلاف اتصال .. هذا من جهة، ومن جهة أخرى أثرها على أخلاقيات جيل بأكمله من خلال تقديم عادات وتقاليد بعيدة عن الواقع.. فهذه البرامج لا تراعي أيا من قيم المجتمع مقابل لهاث مبتدعيها أو مستنسخيها وراء الكسب المادي السريع على حساب المجتمع ، لذلك فان السمة الغالبة على اغلب برامج تلفزيون الواقع هي السطحية وإثارة الغرائز وخلق تنافس غير مقبول على أساس الشكل والعرق واللون أيضا ؟؟ وهذه النظرة لا تقتصر على العالم العربي فقط بل تعدته إلى الغرب الذي صدم ببعض البرامج السلبية كبرنامج ((امة الأولاد)) الذي يمثّل واقعًا وهميًّا أبطاله 40 طفلة وطفلاً، تتراوح أجيالهم بين ثماني سنوات وخمس عشرة سنة، من إنتاج محطة CBS الأمريكية، ويصف واقعًا وهميًّا يحكم فيه هؤلاء الأطفال مدينة مهجورة، قام منتجو البرنامج بإطلاق اسم "بونانزا" عليها (وبونانزا هي مدينة خيالية في الغرب المتوحش أيام ظاهرة "الكاوبوي"، التي تميّزت بالخروج المطلق عن القانون!! ويقول خبراء ان الهدف من وراء هذا البرنامج هو خصخصة تربية الأولاد في الولايات المتحدة لتنتقل عدواها فيما بعد إلى العديد من بلدان العالم ؟؟
وفي هولندا أثار برنامج (الأخ الأكبر) ضجة اجتماعية ودينية واسعة عندما أعلنت قناة (تالبا) التي يملكها الملياردير جون دو مول عن تصوير ولادة حية لام على شاشة التلفزيون على الهواء مباشرة الأمر الذي دفع وزارة وزارة الشؤون الاجتماعية هناك إلى عدم السماح لمنتجي البرنامج ببث مشاهد الولادة رغم موافقة الأم على ذلك. واكتفت بالسماح لظهور المولود الجديد بضع مشاهد على الشاشة ؟؟ رغم أن التلفزيون الهولندي سبق له عرض عمليات ولادة حية على شاشاته من ضمن برامج تعليمية، كانت فيها المرأة المولد مغطاة من رقبتها وحتى قدميها. ولكن ليس بشكل فاضح كما في تلفزيون الواقع الجديد !!


ديمقراطية ام هدر ؟؟


البعض يرى إنها وجه من أوجه الديمقراطية والحرية طالما انها تحظى برضا وقبول المشاركين فيها ومتابعة غير مسبوقة من قبل جمهور المشاهدين ، بينما يرى آخرون إنها تدق مسمارا في نعش الديمقراطية في النظم الليبرالية الغربية التي بدأت تتهاوى وتنهار أمام سطوة راس المال الذي بات يسيطر على كل شئ في العالم حتى الفكر ؟؟ لكن ماذا بالنسبة الى عالمنا العربي الذي مازال حديث العهد بالديمقراطية والحرية والانفتاح الكامل مع تباين شديد بين بلد وآخر ..


لا هدف لها سوى كسب المال


تلفزيون الواقع اليوم لا يمثل الواقع الحقيقي وهذه هي علامة الاستفهام الكبيرة التي توضع على هذه البرامج ، فالمشاركون يأتون من عدة بلدان ومن عادات وتقاليد وقيم مختلفة ويجمعون في مكان واحد لعدة أسابيع تحت مراقبة الكاميرات لا يمكنهم التعبير عن حقيقتهم فيقومون بالتمثيل والاصطناع أمام الكاميرات ويجبرون على ظروف لم يعتادوا عليها مسبقا أو قد تكون غير حقيقية ولا منطقية في الأساس كما في برنامج ((تون اوف كاش)) مثلا حيث يجبر الشباب المشاركين على نقل طن من الورق على اعتبار انه أموال عبر الجبال والأنهار والصحراء القاحلة على ظهورهم بشكل يمس حتى آدمية البشر ويدفع الشباب إلى الاعتقاد بضرورة عمل كل شئ من اجل المال حتى على حساب آدميتهم أحيانا ؟؟
وحذرت دراسة علمية أصدرتها جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا في الإمارات والتي أعدها الدكتور ياس خضير البياتي، من كلية المعلومات والإعلام والعلاقات العامة بجامعة عجمان والتي حملت اسم "الغزو الإعلامي والانحراف الاجتماعي: دراسة تحليلية لبرامج الفضائيات العربية" من الأضرار البالغة التي قد تصيب العالم العربي جراء انتشار برامج "تليفزيون الواقع" المقتبسة من الغرب على القنوات الفضائية العربية والتي تجمع شبابا وفتيات في مكان واحد، ودعت إلى إستراتيجية عربية للتصدي لما اعتبرته "غزوا أجنبيا" للإعلام العربي من خلال الفضائيات. وأكدت أن هذه البرامج تسهم في "تعميق الانحراف الاجتماعي، وتدمير قيم الشباب الإيجابية وهويتهم الثقافية".
ولكن لابد من الإشارة إلى أن من البرامج العربية الفريدة غير المستنسخة التي يمكن أن تمثل تلفزيون الواقع برنامجي (شاعر المليون) و (أمير الشعراء) على شاشة قناة ابوظبي الأولى ، وهما برنامجان نابعان من الواقع الأدبي والثقافي الأدبي العربي ولم يتم استنساخهما من أية محطة عالمية كباقي البرامج، مع أن البعض لا يصنفهما من برامج تلفزيون الواقع لانهما لا يلاحقان الشعراء المشاركين بالكاميرات على مدار الساعة، وإنما فقط خلال أوقات المنافسة والتحضيرات التي تسبقهما وردود الأفعال وراء الكواليس .
ويبقى السؤال الاهم وربما يطرح علامة استفهام كبيرة على المعنيين بعلوم الاعلام والاجتماع التوقف عنده كثيرا وبحث الاسباب الحقيقة له، هو لماذا يقبل الشباب العربي على المشاركة في هذه البرامج او متابعتها من خلال شاشة التلفاز رغم السلبيات الكثيرة التي انطبعت في اهان المتلقين عنها وخاصة الاهل وجمهور المثقفين او الممسكين بتلابيب التقاليد والاعراف ؟؟ هل يمثل هذا الاندفاع هو الميل الى تحقيق الشهرة ومن ثم كسب الاموال ؟ ام ان المشكلة اكبر من ذلك تنذر بوجود فجوة قيمية بين الرافضين لتلك البرامج وبين جيل كامل من الشباب تاثر كثيرا بالغرب ويحاول تقليده بصورة عمياء من دون الخوض في المفيد او الضار ، ام هو حب التمرد لدى الشباب الذي يمكن ان يزول بمرور الزمن ؟؟ ومهما كانت الاجابة على هذا السؤال الذي ربما يكون بحاجة الى اجراء مزيد من الدراسات الاستقصائية للوقوف على طبيعة الظاهرة واسبابها ، الا ان الثابت اننا امام مفترق طرق قد يقود الى تغيير شديد او انحراف واضح في الاعراف والتقاليد والقيم التي توارثتها الاجيال نتيجة هذا الغزو الذي اطاح بعقول شبابنا بمساهمة عدد من القنوات الفضائية التي تخلت عن دورها الايجابي في بناء مجتمعات متاصلة ومتماسكة وارتضت بكسب الاموال على حساب المجتمع العربي الذي غالبا ما يدفع ثمن جشع منتجي تلك البرامج؟

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات